د.أحمد عبيد بن دغر
بعض أفكار من وحي "الوثيقة العربية لتعزيز التضامن ومواجهة التحديات"
السبت 16 فبراير 2019 الساعة 21:46
د. أحمد عبيد بن دغر* 17فبراير2019م   بسم الله الرحمن الرحيم   كنت قد سجلت ملاحظات وأفكار على وثيقة التضامن العربي ومواجهة التحديات، التي قدمتها الهيئة البرلمانية للبرلمان العربي للقاء بعض القادة العرب رفيعي المستوى والذي دعا له البرلمان العربي، وانعقد في الأسبوع الماضي في القاهرة. رأيت أن نشرها مع بعض التعديل الطفيف قد يفيد ومن المؤكد أنه لن يضر. فنحن نبقى في إطار تبادل الأفكار والآراء بما يحقق فائدة للأمة. أو مصلحة للشعوب العربية.   - من المؤكد أننا نمر بمرحلة صعبة ومعقدة في تاريخ الأمة، وهي مرحلة أحدثت فيما أحدثت من تحولات إلى سقوط بعض الدول العربية في حالة من الفوضى، والفشل تعيش هذه الدول كما هو حال بلدي اليمن نكبات مركبة وذلك بفعل عوامل عديدة قادمة من مراحل التكوين الأولى للدولة الوطنية وحتى اليوم. - لقد أنجزت الأمة بإراداتها التي تعددت أو بإرادات غيرها دولاً وطنية، تعمقت فيها المشاعر الوطنية وتمايزت إلى الحد الذي يصبح معه دعم واقع هذه الدولة الوطنية أمراً يحتل أول سلم الأولويات، لم يعد بإمكان هذه الأمة أن تصنع تاريخاً موحداً من جديد دون الارتكاز على الدولة الوطنية، والانطلاق منها. التأكيد الذي تكرر هنا في الوثيقة ومعظم وثائقنا على التضامن العربي كمفهوم عام يدعمه واقع الأمة الذي لم يعد بالإمكان القفز عليه. - حال الأمة اليوم يمر عبر اختلالات شديدة، واختناقات متعددة الأشكال والمآلات. وأحياناً صراعات بدت في مراحل منها كارثية، أفضت إلى نتوءات في جسد الأمة، فطمع فينا الأعداء وتربص بنا الخصوم. نحن حتى الآن كنظام عربي لم نصل إلى حد السقوط والوقوع الذي لا رجعة عنه، ولكنه في الواقع وضع مؤلم يراه بعضنا مقلق ويراه آخرون محبط، هناك مخاطر حقيقية قد تفتك بنا أو ببعضنا، وربما تعمل على تعطيل مسيرتنا واستنزافها ومنعها من التقدم. - ذلك هو الجزء المظلم في راهن أوطاننا اليوم، لكنني أعتقد رغم ذلك بأن حالنا اليوم ليس بحالنا عند بدايات هذه الحقبة المعاصرة من تاريخ الأمة، قبل قرن من الزمان كنا كأوطان وشعوب نعاني من فقدان الوزن، وأمورنا موكولة لغيرنا، وفعلنا منسوباً لولاتنا مستعمرين كانوا أو خلفاء. - وعلى مستوى النظام العربي نحن نمر بحالة جمود لن نخرج منها إلا إذا أدركنا حجم المخاطر القادمة، والحاجة إلى مراجعة التجربة، والبحث في إمكانية تحقيق ماهو أفضل، أكدت التجربة الإنسانية أن الشعوب الحية، ولسنا خارج هذا التوصيف، قادرة على خلق عوامل جديدة للتطور تحدث نقلة نوعية في حياتها، اليوم يكاد النظام العربي أن يتخطى سبعون عاماً منذ تشكله، وها هو يترنح، وفي أحسن الأحوال يراوح مكانه، كما وتكبر وتعظُم التحديات الماثلة والمحتملة. - واعترافاً بالحقيقة والحق فإن النظام العربي ممثلاً بجامعة الدول العربية ليس مما يمكن تجاهل انجازاته، لكن التحولات المستمرة وعوامل التغيير المتسارعة تجعل من الأنظمة عامل دفع نحو الأفضل أو عائق في التقدم إن لم نتعهدها بالتغيير والتحديث المواكب لمتطلبات العصر ومتغيرات الواقع، والمحافظ على مصالح الأمة وأمنها في شموله الملتزم والمتوافق مع مصالح الدول والشعوب. - في مرحلة سابقة في الثمانيات، مرت الحالة العربية بلحظة من الصحو والبحث عن ذات فاعلة، كانت الاتحادات ومجالس التعاون المعبِّر عنها، كانت شكلاً أرقى من التعاون الإقليمي العربي، أدنى من نظام عربي شامل، وأكبر من التعاون الثنائي بين دولتين. وإذا بحثنا اليوم عن النتائج التي خلفتها هذه التجربة التي تطلعت لها شعوب الأمة بقدر كبير من التفاؤل والأمل أنذاك، للأسف لن نجد لها أثراً عميقاً في حاضرنا، والأسواء من ذلك أن بعضها انتهى كمجلس التعاون العربي وبعضها يحتضر كالإتحاد المغاربي، والباقي من أثر هذه المرحلة فقط مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي يعاني هو الآخر من تباين المواقف واختلاف الرؤى. - لقد فشلت هذه التحالفات الإقليمية من الوصول إلى مقاربات وتوافقات عميقة تحافظ على وجودها، والسبب هو أننا غلَّبنا كعادتنا مصالحنا القطرية على مصالحنا القومية المشتركة، لم نتمكن من الموازنة بينهما، وفي الحالتين فشلنا أو نكاد مع ظهور مخاطر متجددة تحيط بنا. ينبغي دعم المصالحات العربية العربية، وإعادة بناء العلاقات بين الدول العربية على أسس أكثر موضوعية وواقعية، دون ذلك فأن سعينا لتوطيد التضامن العربي، ومواجهة التحديات، يبقى في حكم الرجاء والأمل. - في هذا العقد الأخير من تاريخ الأمة، تاريخ العلاقة بين دولها وشعوبها، يمكن اعتبار التحالف العربي في مواجهة الحوثيين ومن خلفهم إيران في اليمن أحد التجارب المتقدمة والنوعية سياسياً وأمنياً، هو شكل أرقى من العمل العربي المشترك الذي تجاوز الأقوال إلى الأفعال، منع الإيرانيين من الهيمنة على اليمن. ومنع تقسيمه، حتى الآن وصدَّ محاولة أخرى لتقويض أمن المنطقة وأعاد الأعتبار لفكرة التضامن العربي بمفهوم جديد وشامل بعد أن فقد قدراً من قيمته في العقود الأخيرة. - عربياً نحن مطالبين بدعم هذا التحالف، العربي الواسع و المهام الجليلة وفي تقديري أن قيادة المملكة العربية السعودية والدول المنخرطة فيه تفكر جدياً في تعزيزه وخلق الأسباب الموجبة لبقائه وتطوره، وصولاً إلى شموله كافة الدول العربية. ينبغي ألا تضيع فرصة تطوير وتعزيز تجربة عمل عربي قومي سياسي وأمني في اليمن، فإن ضاعت فقد لا تتاح لنا هذه الفرصة غداً. - وبالتأكيد فإن الأمل يحدونا أن يكون للاتحاد الجديد للدول المشاطئة  للبحر الأحمر بداية مؤسسية موفقة، مستفيدة من تجارب الآخرين تحاكيها في نجاحاتها، وتماثلها في آلياتها. في حالات غير قليلة  في التقليد المبدع فائدة مع مراعاة الخصوصية وأثر التنوع في الوطن العربي. وفي تقديري النجاح لا يتحقق إلا في ضل رؤية شاملة تستوعب مصالح الدول والشعوب العربية وتوائم بينها. - إنني اتفق مع رؤية الوثيقة فيما يتعلق باليمن، اتفق معها شكلاً ومضموناً. نصاً وروحاً، وفي الأساس منها المرجعيات الثلاث، التي تضمن خروج اليمن من هذه الأزمة، الكارثة آمناً مستقراً موحداً، محمياً من التدخل في شئونه الداخلية. - وأحيي روح التضامن العربي مع الشرعية حتى تضع هذه الحرب اوزارها وتكف ايران من التدخل في الشئون اليمنية. وكف يدها عن دعم الحوثيين بالأسلحة التي تهدد دول الجوار العربي. - أن جذر المشكلة في اليمن وأسها هو الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية المنتخبة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وليست الحالة الإنسانية في اليمن سوى النتيجة الحتمية لهذا الانقلاب، أعداء اليمن وبعض اصدقائها يتوقفون كثيراً عند هذه الحالة يبحثون كثيراً في النتائج ويغفلون في سفه غير مبرر الأسباب الباعثة لها. - نحن في اليمن يلزمنا تقديم واجب الشكر لأشقائنا في المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي لاستعادة الشرعية وبمشاركة فعالة من الامارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين ودولة الكويت وجمهورية السودان والمملكة الأردنية الهاشمية ومملكة المغرب، وجمهورية جيبوتي وبقية الدول العربية دولاً وشعوباً، على اختلاف هذه المشاركة ومستوياتها. - لا تقلقوا علينا في اليمن، لأمر جوهري ظاهر وهو أن الوحدة أصيلة فينا، وقد تحققت بين يمنيين، نعم بين يمنين. وهي مسنودة بإرادة الأمة، وموقف دولي يرفض الانقلاب، ورعاية وقيادة حكيمة للمملكة ترفض التدخل والتوسع الإيراني في اليمن وفي المنطقة عموماً. - إن في تشجيع اليمنيين على مواجهة الانقلاب بقدر أكبر من التماسك، وحشد طاقاتهم، وتطوير مبدأ الشراكة المحلية في قيادة المعركة، مع استمرار الدعم والإسناد الخليجي والعربي عموماً. والحفاظ على تماسك ووحدة الموقف الدولي تجاه اليمن مع التمسك بالمرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم ٢٢١٦، والقرارات الأخرى ذات الصلة ودعم الشرعية، إن في ذلك طريقاً للسلام. - ستضل اليمن موحدة، ولكن شكل الوحدة الذي عرفت به اليمن لم يعد في الإمكان استمراره، كل ما جرى في اليمن منذ قيام الوحدة، أشيرُ هنا إلى الحرب الأهلية في عام ١٩٩٤، ثم أزمة الدولة، والربيع اليمني، والانقلاب على الشرعية، كل ذلك حدث بسبب أن أمر السلطة والثروة كان بيد البعض دون البعض الآخر، فتخلقت الأزمات والحروب وتجددت. - إن ذهابنا المتفق عليها وطنياً (أغلبية وطنية كبيرة) نحو دولة اتحادية سوف يحمي هذه الوحدة، وسيبقيها قائمة نموذجاً وتجربة يمكن أخذها في الاعتبار في تطلعات الأمة مستقبلاً. كما إنها معالجة خلاقة لأزمة المظالم في الجنوب وعلاجاً لشعور البعض المذهبي بالظلم. وأعترافاً بحق الجميع في مواطنة متساوية. - وأننا لنرجو أن يبقى الموقف العربي ثابتاً قوياً راسخاً إزاء وحدة اليمن. فحالة الصراع ما بعد التوحيد ليست حالة يمنية خالصة، لقد تعرضت كل الوحدات القائمة في هذا الكون لصعوبات تشبه إلى حد كبير ما تمر به بلادنا. لقد حُمَّلت الوحدة كحدث وأنجاز كبير أخطاء السياسيين وهفواتهم، وهي بريئة من ذلك. - وبالعودة إلى الوثيقة الني نحن بصدد التوافق عليها، لا يكفي أن نرفض أي نزعة انفصالية في أي دولة عربية، هذا موقف إيجابي، لكنه أضعف الإيمان، ينبغي على النظام العربي بكل مكوناته منع الانفصال بالبحث في أسبابه والمساعدة في إزالتها. - على النظام العربي أن يخلق أليات لمعالجة الأسباب، أما حالة التمرد المصحوب بالعنف فلابد من رفضها ومن باب أولى يجب الامتناع عن دعمها، يجب أن ندخل في أدبياتنا ووثائقنا وعهودنا أن مثل هذا الدعم يقوض أمن الدولة الوطنية، وبالتبعية أمن الأمة. - هذه قضية جوهرية، أعني بها بروز نزعات مناطقية وانفصالية، فإذا أردنا أن نحافظ على بقاء هذه الأمة متماسكة علينا أن نجعل مقاومتها جزءاً من مقترحاتنا للقمة العربية القادمة وثابتاً من ثوابت سياساتنا العربية، وقناعة راسخة في تفكيرنا، وايماناً بحقنا في بعث هذه الأمة. - هناك أجندات معادية لم تعد خافية على أحدنا، أن التقسيم الأولي الذي تم في مطلع القرن الماضي، ونفذت بعض مراحله بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد كافياً في نظر خصومها، إن أولى خطوات تعزيز التضامن العربي سعياً نحو أشكال أرقى للتعاون في المستقبل القريب والبعيد يبدأ برفض كل تقسيم أو انفصال أو تمرد تحت أي مبرر كان. - وإذا أردنا الانصاف وتحصين الدولة الوطنية بدءاً. فعلينا أن لا نعفي القادة المسؤولين عن بلدان عربية تعيش نزعات انفصالية من البحث جدياً في تطوير الأنظمة السياسية والاقتصادية في هذه البلدان، فمعظم الصراعات في الوطن العربي يعود سببها إلى حرمان البعض من حقه في السلطة، ونصيبه في الثروة، يجب ألَّا تترك هذه القضايا لتدخل الآخرين، علينا أن نشجع آليات فض المنازعات الداخلية، وآليات فض المنازعات العربية العربية. - أظن أن علينا واجب عدم التوقف لحظة واحدة في تعميق الشعور بالانتماء إلى أمة واحدة, والايمان بالمصير المشترك، هناك مصدرين خارجيين للتهديد المباشر للأمن القومي العدو الصهيوني، والجيران الطامعين في السيطرة والهيمنة والتسلط على مقدراتنا، مهمة إسرائيل تتجاوز حدود الجغرافيا القائمة إلى منع هذه الأمة من التكون مرة أخرى ومزاحمة الحضارات المعاصرة. - ولا يقل خطر النظام الإيراني ذو النزعة الايدولوجية في المنطقة عن خطر الصهاينة، كلاهما بالنتجية يسعى للنفوذ والهيمنة والتقسيم وتقويض أمن المنطقة والأمة. للأسف، الإيرانيين يجدون بيئته مناسبة للتدخل في شؤننا، ينفذون إلينا من خلال تناقضاتنا التي لا حصر ولا نهاية لها، والتي لم تتمكن بعض الأنظمة العربية من احتوائها بعد. - أما الخطر الداخلي فله مصدر أساسي وهو الإرهاب، ومواجهة هذه الظاهرة لا يمكن اقتصارها على إجراءات أمنية لابد أن تتخذ ترتيبات اقتصادية واجتماعية وثقافية، ولابد من مراجعة المناهج الدراسية وتوجيه الإعلام، يجب أن تشمل هذه الترتيبات كل الدول العربية، وأن ندعو الدول الإسلامية إلى القيام بهكذا إجراءات عبر منظمة التعاون الإسلامي. إن المهم اجتثاث أسباب التطرف والغلو في ثقافتنا، وفي حياتنا. - فلسطين قضيتنا المركزية وستبقى كذلك، هذا خيارنا في اليمن، ستبقى القدس في نظرنا عاصمة لدولة فلسطين. وحق العودة، واجبار إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على الأنصياع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، فلسطين أولوية لنا في اليمن، رغم جراحاتنا. - هناك في هذا العالم من لازال يتطلع إلى نفوذ في المنطقة وأحياناً في ثوب حضاري جديد، يلبس أحياناً أزياء إنسانية باهية براقة خادعة، وهذا لا يختلف كثيراً عن ممارسات استعمارية سابقة رغبة في الهيمنة والتسلط، فإن بدا لنا مختلفاً فذلك في الشكل. ومع ذلك فإن هذا الأمر لا يعفينا من تعزيز مسار حقوق الإنسان وتعزيز حقوق المواطنة في الوطن العربي. - لا يمكننا أن نبقى بعيدين عن التجربة الإنسانية في الديمقراطية، وبنفس الوقت علينا أن نطور من داخل ثقافتنا وشريعتنا الاسلامية السمحاء مبدأ "وأمرهم شورى بينهم" ذلك هو ألف باء الديموقراطية، ومن الصعب البقاء في عتبات هذا المبدأ منذ ألف وأربعمائة عام مضت. فيما العالم قد جعل لهذا الأمر قواعد ودساتير ونظم. - أعود وأكرر أننا لن نتمكن من حماية أمن الأمة مالم نجعل من أمننا القومي الذي يبدأ بأمن الدولة الوطنية القائمة قيمة عظمى في حياتنا، قيمة مطلقة. الدولة الوطنية كما هي في واقعها بتنوعها الاجتماعي والثقافي ونظمها السياسية. - الدفاع عن الأمة في كليته يبدأ اليوم بالدفاع عن الدولة الوطنية. سيكون من المناسب لو أن القمة العربية القادمة، ترفض الانقلاب أو الانفصال أو التمرد المسلح على الدولة فتنتفي أسباب الشكوك والظنون والريبة في علاقاتنا العربية – العربية، كما تضع القمة حداً لنوايا التقسيم والتجزئة والتقزيم في المنطقة العربية. - في الأخير نستطيع أن نمضي حتى وإن بدت مسالكنا صعبة، ومنحدراتها خطرة، لكننا سنشق طريقنا، ونمهد لمن خلفنا، وسنصل بإذن الله. * رئيس مجلس الوزراء السابق الجمهورية اليمنية القاهرة
المقالات