عرفته عن قرب قبل بضعة أشهر من نكبة سقوط صنعاء بيد المليشيا الحوثية ٢٠١٤م.
حيث كان أول لقاء جمعني به في مركز الدراسات والبحوث عند الدكتور عبدالعزيز المقالح.
كنت يومها مع عدد من رفاق القلم والكلمة نقيم مؤتمرا علميا مصغرا في قاعة المركز عن مخاطر عودة الإمامة وواجب الدفاع عن الجمهورية، وكان مجموعة من رموز الجمهورية من بينهم اللواء علي السلال والدكتور المقالح واللواء أحمد قرحش واللواء حمود بيدر والأستاذ خالد الرويشان والدكتور الأصبحي يجلسون على طاولة كبيرة مستديرة في قاعة اجتماعات المركز يناقشون مخاطر الحوثية وإمكانية تكرر حصار السبعين.
كان الحوثيون قد سيطروا على عمران وقتلوا اللواء الجمهوري حميد القشيبي، وتمددوا باتجاه صنعاء فاقتحموا بلاد همدان وتمركزوا في معسكر ضلاع همدان وفي الصباحة الصباحة وعند نقطة الأزرقين.
كان حصارا فعليا قد ضرب على صنعاء من كل اتجاه.
وبينما كنا نستمع لأوراق العمل المقدمة في المؤتمر المصغر دخل مجموعة من السبتمبريين لقاعة الاستماع ومن بينهم اللواء علي السلال، وعند فتح الباب للمداخلات أدلى السلال بمداخلته موضحا أن صنعاء محاصرة من قبل حشود الإمامة الجديدة، وأن مشهد حصار السبعين يتكرر، وأنه يجب على الجمهوريين الدفاع عن صنعاء.
شاءت الأقدار أن نلتقي ثانية باللواء السلال ونحن نجهز للاصطفاف الشعبي حيث كان أحد أبرز دعاة الإصفاف وقياداته.
ومرة ثالثة جمعتنا فكرة الدفاع عن صنعاء أمام الغزو الحوثي حيث طرح البعض فكرة تشكيل مجلس دفاع وطني من الضباط الجمهوريين والمتقاعدين ليكون بديلا عن الجيش الذي يسلم مواقعه واسلحته للحوثيين فيما يشبه التحالف الخفي مع الإمامة العائدة.
كنا قد استطعنا حصر عدد كبير من الضباط الوطنيين وكانت الفكرة أن يقام مؤتمر وطني للضباط الأحرار، يعلن من خلاله مجلس دفاع وطني شعبي للدفاع عن الجمهورية والعاصمة ودحر فلول الإمامة العائدة.
كانت فكرة ذكية غير أنها كانت تفتقر إلى الدعم المادي والرعاية السياسية، فقد كان أغلب الضباط الجمهوريين الأحرار ومنهم علي السلال فقراء مهمشين، وكانت الأحزاب السياسية في حالة ارتباك وتخبط، وبعضها هرول مسرعا ليصالح الحوثيين ويخطب ودهم، وسخر امكاناته الاعلامية لتلميعهم.
كان المشهد كارثي بكل المعاني والصور، وكان الأحرار قلة في وسط زحمة الخيانات والتشفيات والانتقامات المتبادلة بين القوى والنخب السياسية.
وقفت الفكرة العبقرية عاجزة وازداد الحصار على صنعاء وزحف الحوثيون من نقطة الازرقين إلى المطار، وخيموا على طريق المطار، وخندقوا في الصباحة وأمام معسكر السواد عند المدخل الجنوبي للعاصمة، وباتت صنعاء بين فكي كماشة، وصار سقوطها بيد الحوثيين مجرد وقت في ظل تحالف الجيش معهم.
قبيل سقوط صنعاء بأيام وأسابيع قام اللواء السلال وعدد من الجمهوريين الأحرار بمحاولات بسيطة للدفاع عن صنعاء بعد فشل كل الخيارات وخذلان القيادة السياسية لفكرة الحشد الشعبي للدفاع عن صنعاء، تمثلت تلك المحاولات في جمع الناس في الحارات وتوعيتهم بأهمية الدفاع عن الجمهورية ومواجهة الإمامة الجديدة، غير أنها لم تكن لتجدي نفعا أمام خيانة النخب وتحالف الجيش مع الحوثيين.
سقطت صنعاء بأيدي الحوثيين واقتحم الحوثيون صنعاء في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، وكان أخر عهد لي باللواء السلال هو اللقاء الذي جمعني به ومعي العميد الشهيد أحمد يحيى الأبارة -رحمه الله - في منزل الأستاذ يحيى العرشي رئيس الاصطقاف الشعبي،قبيل سقوط صنعاء باسبوعين.
كان يبدو عليه لقاء الوداع الأخير للجمهورية، حيث خيم اليأس على الحاضرين وبعضهم سبتمبريين، وهم يستعرضون موقف الجيش والقيادة السياسية والأحزاب.
تأوهات الحضور كانت كافية لتعطيك صورة واضحة عن مستقبل صنعاء والجمهورية والدولة، فلم تمر سوى بضعة أيام على اقتحام صنعاء واحتلال مؤسسات الدولة في نكبة ٢١ سبتمبر.
غادرت صنعاء بعد الانقلاب الإمامي الحوثي بشهرين اذ لم أحتمل البقاء فيها تحت سلطة الإمامة الجديدة، وبقيت تلك الرموز السبتمبرية يعتصرها الألم ويقتلها العجز أمام خذلان الأحزاب الكرتونية وخيانة النخب الأنانية.
رحم الله اللواء علي السلال فقد كان رمزا جمهوريا حتى الرمق الأخير.
* بقلم / د.علي قاسم البكالي