«الروهينغا».. جرح مفتوح واضطهاد دائم
الأحد 17 سبتمبر 2017 الساعة 20:37
الأحرار نت / البيان/ أمجد عرار:
ينشغل كثيرون في العالم حالياً بالانتهاكات الواسعة التي تطال أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار (بورما)، حيث يتواطأ جيش هذه الدولة، أو ربما، يشارك في هذه الانتهاكات التي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى وآلاف المهجّرين، في هذا البلد الآسيوي. وسواء كانت الآراء التي تتحدّث عن مبالغة في تصوير ما يحدث، صحيحة أم لا، فإن الحد الأدنى من التقارير الخارجة من هذا البلد يؤكّد أن ثمة اضطهاداً تعاني منه الأقلية المسلمة هناك.
أطفال ونساء مرعوبون يهربون من القرى المحترقة، حيث يكثف جيش ميانمار حملة الاضطهاد، وحكومة يانغون تزعم أن حملتها تستهدف جماعات مسلّحة متواجدة في ولاية أراكان حيث تتواجد الروهينغا، ومع ذلك تظهر صور الأقمار الصناعية قرى قد أحرقت أو دمّرت، وتوضّح حجم الأضرار وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت وترتكب هناك، وهي، برأي بعض المراقبين، أقوى مما يقال في وسائل الإعلام.
الأمم المتحدة تؤكّد أن ضحايا أعمال العنف في إقليم أراكان شمال غرب ميانمار، يتجاوز الألف قتيل أغلبهم من أقلية الروهينغا. يانجي لي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان في ميانمار تقول إن حصيلة ضحايا أعمال العنف في إقليم أراكان أكثر من الأرقام الحكومية بمرّتين. وتضيف: «قد يكون نحو ألف شخص أو أكثر لقوا مصرعهم»، وتابعت: «ربما القتلى من الجانبين لكن الغالبية الكبرى من الروهينغا».
البوذية ضد القتل
ثمّة مبدأ هو الأكثر رسوخاً لدى البوذية يرفض قتل النفس، ويحض على عدم اللجوء الى العنف، وهو ما يميز جوهر التعاليم البوذية. وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب يقول إن بوذا من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وأن كبار مؤرخي الأديان وصفوا تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية». ويضيف إن الأزمة التي تدور في ولاية أراكان حيث تعيش أقلية الروهينغا المسلمة «هي أزمة غريبة على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة في تاريخ الدين والحكمة والسلام». لذلك يقفز إلى الأذهان تساؤل مهم: لماذا يلجأ بعض الرهبان في ميانمار الى تكريس خطاب الكراهية ضد المسلمين، بل والانضمام الى جماعات من الغوغاء في اعتداءات تسفر عن قتلى وجرحى ومشرّدين؟
العداء للمسلمين في بورما تتزعمه جماعة (969) بقيادة الراهب اشين ويراثو الذي قضى عقوبة السجن عام 2003 لاتهامه بالتحريض على الكراهية الدينية، وأفرج عنه عام 2012.
آلاف من مسلمي الروهينغا فروا من ميانمار في السنوات الأخيرة بحراً باتجاه ماليزيا وإندونيسيا، واختار آخرون الفرار إلى بنغلادش حيث يعيش معظمهم في مخيمات، انضم إليهم فيها فارون جدد.
جزيرة نائية
وتسعى بنغلادش للحصول على دعم دولي لخطتها الرامية إلى نقل الآلاف من مسلمي الروهينغا الذين لجأوا إليها هرباً من ميانمار، إلى جزيرة نائية في خليج البنغال يصفها معارضو الخطة بأنها عرضة للفيضانات وغير صالحة للعيش. يدور الحديث عن جزيرة بهاشان تشار المعروفة أيضاً باسم ثينجار تشار التي تكونت نتيجة تراكم الطمي قبالة ساحل دلتا بنغلادش قبل أحد عشر عاماً فقط وهي تبعد نحو ساعتين بالمركب من أقرب مكان مأهول على البر الرئيسي. وتعتزم بنغلادش تطوير هذه الجزيرة بدعم دولي لتستوعب اللاجئين من الروهينغا.
وتعتبر حكومة ميانمار أفراد الروهينغيا أجانب في البلاد وهم ضحايا العديد من أنواع التمييز مثل العمل القسري والابتزاز والتضييق على حرية التنقل وقواعد الزواج الظالمة وانتزاع أراضيهم، كما أنه يتم التضييق عليهم في مجال الدراسة وباقي الخدمات الاجتماعية العامة. وما انفكت حركة «رهبان بوذيون قوميون» في السنوات الأخيرة تؤجج الكراهية، معتبرة أن الروهينغا تهديد لميانمار.
مسار تاريخي
ومع عدم إغفال دور حكومة ميانمار الحالية ومسؤوليتها عمّا يجري في البلاد، من المهم أن نرى دور الاستعمار في إرساء المذابح المستمرة. فالأزمة بدأت في العام 1948، مع نهاية الحكم البريطاني في بورما، وكان الروهينغا كبش الفداء، لتبدأ الأعمال العدائية ضدهم بسبب لون بشرتهم الداكن والدين، وفكرة أن مجتمعات الروهينغا جاءت من بنغلاديش.
لكن أياً كانت الحيثيات التاريخية، لا ينبغي لأي سبب أن يجرّد الروهينغا من المواطنة، أو يسلبهم حقوقهم الأساسية في ميانمار. فالتشابه مع المجتمعات البغلاديشية يعتبر أمرًا طبيعيًّا، بسبب وجود مقاطعات بجوار بنغلاديش، وكان فصل المقاطعات إحدى نتائج الحكم الاستعماري، وقد وعد البريطانيون باستقلال الروهينغا خلال الحرب مع اليابان، لكنهم نقضوا الوعد فيما بعد، ما فاقم التوترات بين هذه الأقلية والمجتمعات العرقية البورمية الأخرى.
يرى مراقبون أنه يمكن اعتبار بداية اضطهاد الروهينغا بنسخته الأحدث ما جرى عام 1962 بعد الانقلاب العسكري، وبغية تحديد تفويض له، بدأ الجيش في استخدام الدين بمثابة دليل على ما إذا كان الشخص مواطنًا سليمًا للدولة، مستغلين البوذية لتبرير قوميتهم.
ثم في عام 1974 سحبت الحكومة الهوية من الروهينغا، وصنّفتهم على أنهم أجانب، ما أدى إلى فرار أعداد كبيرة منهم إلى البلدان المجاورة، هربًا من العنف. وفي عام 1982، سنّت الحكومة قانون المواطنة، حيث لم تستبعد فقط حصول الروهينغا على الجنسية، بل حرمتهم من حق العيش في ميانمار ما لم يكن لديهم أدلة قوية على عيش أجدادهم في البلاد قبل الاستقلال، ومن الصعوبة الحصول على مثل هذه الوثائق. وتستند هذه القرارات إلى كون الروهينغا «مهاجرين بنغلاديشيين» غير شرعيين، ورفضت حتى وصفهم بمصطلح روهينغا.
في العام 2012 تصاعد العنف بشكل خطير بعد أحداث الشغب في ولاية أراكان، حيث قتل الآلاف، وأصيب أكثر من 125 ألف مسلم من الروهينغا، ومنذ ذلك الحين أصبح أكثر من 140 ألفًا من هذه الأقلية المسلمة لاجئين في الدول المجاورة.
وفي أكتوبر في عام 2016 سجلت حملة عنف حين شن جيش ميانمار عملية إثر ادعاءات حكومية بمهاجمة مسلحين مراكز حدودية في شمال ولاية أراكان.
وتجددت الحملة العسكرية العنيفة التي يشنها الجيش ضد الروهينغيا بعد أيام من تسليم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، لحكومة ميانمار تقريرا نهائيا بشأن تقصي الحقائق في أعمال العنف ضدهم في ولاية أراكان.
إلا أن الحكومة ردّت بتحقيق توصّلت فيه إلى أنه «لا توجد أدلة على جرائم»، وأن «الناس من الخارج قاموا بتزييف الأخبار، وادعوا أن عملية إبادة قد حصلت»، بحسب رد حكومة ميانمار. لكن مراقبين يؤكدون أنه وإن جرت عمليات مبالغة وفبركة واستغلال، إلا أن هذا لا ينفي وجود مأساة إنسانية يعاني منها الروهينغا في ميانمار.
قانون
ينص القانون حول الجنسية الصادر في 1982 على أنها وحدها المجموعات الإثنية التي تثبت وجودها على أراضي ميانمار قبل 1823 (قبل الحرب الأولى الإنكليزية - البورمية التي أدت إلى الاستعمار) يمكنها الحصول على الجنسية، لذلك حرم هذا القانون الروهينغا من الحصول على الجنسية، لكن ممثلي هذه الأقلية المسلمة يؤكدون أنهم كانوا في ميانمار قبل هذا التاريخ بكثير.
متعلقات