البطل القومي في بلاده، اختير أفضل لاعب لعام 2018 متفوقا على أمثال البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي ولاعبي المنتخب الفرنسي المتوج بطلا للعالم، بعدما ساهم بقيادة المنتخب الكرواتي الى نهائي مونديال روسيا 2018، للمرة الأولى في تاريخه.
وختم مودريتش بأدائه في المونديال، موسما ساهم فيه أيضا بتتويج فريقه الملكي بلقبه الثالث تواليا في دوري أبطال أوروبا.
وقال اللاعب البالغ من العمر 33 عاما بعد تسلمه الكرة الذهبية "مفتاح النجاح؟ من الصعب تحديد ذلك، العمل، المثابرة في الأوقات الصعبة. أحب دائما أن أردد هذه العبارة 'الأفضل ليس سهلا'".
وتابع "كلنا كأطفال نحلم. حلمي كان اللعب مع فريق كبير والفوز بألقاب مهمة الكرة الذهبية كانت أكثر من حلم طفولة بالنسبة إلي، ورفع هذه الجائزة هو فعلا مدعاة فخر وشرف بالنسبة إلي".
وتسلم مودريتش المعروف بخجله وصوته الخافت، الجائزة في حفل زاخر بالنجوم في باريس، في تناقض صارخ مع بدايته المتواضعة في منزل استحال بقايا مخلعة بعدما التهمت النيران جزءا كبيرا منه، في قرية مودريتشي التي دُمرت خلال حرب الاستقلال.
وتقع هذه القرية على سفح جبال فيليبيت المطلة على البحر الادرياتيكي، وقد كان مودريتش يقطن في المنزل الصيفي لجده وهو الآخر يدعى لوكا مودريتش، وقتل على يد القوات الصربية في الأشهر الأولى للنزاع (1991-1995) الذي حصد قرابة 20 الف قتيل.
ولا تزال لوحة تذكر بذلك في تلك المنطقة وتقول "خطر!ألغام!".
كان لوكا مودريتش في العاشرة من عمره عندما هرب مع عائلته الى مدينة زادار الساحلية التي تقع على بعد 40 كيلومترا. هنا، وسط ضجيج القنابل التي تتساقط على المدينة الساحلية، تفتقت خصال أحد أبرز المواهب المعاصرة في القارة الاوروبية الذي أصبح قائدا لمنتخب كرواتيا.
وتذكر يوسيب بايلو الذي كان مدربا لفريق "ان كاي زادار"، في حديثه لوكالة فرانس "كنت قد سمعت عن شاب صغير نشيط لا يتوقف عن مداعبة الكرة حتى في أروقة احد الفنادق وينام معها".
لم تخف موهبة الفتى على أحد، لاسيما المدرب الذي بات حاليا في العقد السابع من العمر، والذي رأى أن مودريتش "كان مثالا للاعبي جيله، قائدا محبوبا. كان الأطفال يرون فيه في تلك الفترة ما نراه اليوم".
وبحسب ماريان بوليات صديق مورديتش، برزت موهبة الأخير وسط أجواء الحرب والنزاعات. وقال "تساقطت القذائف حولنا مليون مرة ونحن في طريقنا الى التدريب، كنا نهرع الى الملاجئ".
واعتبر بوليات (36 عاما)، وهو لاعب محترف سابق أيضا، أن هذه الظروف التي خبرها مودريتش كانت "أحد العوامل التي ساهمت في أن يكون اليوم أحد ابرز لاعبي كرة القدم في العالم".
ويعرف عن زادار الذي يلعب حاليا في دوري الدرجة الثالثة في كرواتيا بأنه ناد اختصاصي في تكوين اللاعبين. وتضم لائحة من تخرجوا من صفوفه، يوسيب سكوبلار الهداف الأسطوري في صفوف مرسيليا الفرنسي، والدوليان الحاليان شيمي فرسالكو ودانيال سوباتشيتش.
ولكن وبنظر مشجعي زادار، لمودريتش مكانة مختلفة على رغم أنه لم يدافع اطلاقا عن ألوان الفريق. فقد التحق بنادي دينامو زغرب عندما كان في الخامسة عشرة من عمره (2000)، قبل الانتقال الى توتنهام هوتسبر الإنكليزي في 2008، ومنه الى النادي الملكي الإسباني عام 2012.
ويقول المشجع سلافكو ستركالي (66 عاما) "بالنسبة الى زادار، مودريتش هو من آلهة كرة القدم".
لكن شعبيته الجارفة تلطخت بسبب التهمة التي وجهت إليه بالإدلاء بشهادة زور أمام القضاء، في فضيحة فساد تهز كرة القدم الكرواتية.
وفي توقيت ملائم، أفاد متحدث باسم محكمة في زغرب الإثنين، أن الأخيرة أسقطت التهمة عن مودريتش. وقال كريسيمير ديفتشيتش لفرانس برس "لا يوجد دليل كاف على أنه ارتكب جريمة الحنث باليمين".
وكان اتهام القضاء الكرواتي لمودريتش مرتبط بتوقيع أول عقد احترافي مع دينامو زغرب في 2004 يحدد شروط انتقاله مستقبلا. استدعي مودريتش في 13 حزيران/يونيو الماضي من قبل القضاء في مدينة أوسييك للادلاء بشهادته في قضية زدرافكو ماميتش، الرجل القوي والمثير للجدل في كرة القدم الكرواتية الذي يشتبه بقيامه بعمليات اختلاس عدة.
لكن الكروات لم يكونوا ينتظرون حكم المحكمة ليسامحوا مودريتش على كل ما قد يكون قد ارتكبه. فهو سبق له أن محا كل الانتقادات التي قد توجه اليه في مباراة واحدة فقط، عندما فرض نفسه نجما للقاء منتخب بلاده ضد اليونان في ذهاب الملحق الأوروبي المؤهل للمونديال. وسجل مودريتش أحد أهداف منتخب بلاده (4-1، قبل التعادل سلبا في الإياب.
ويقول ستركالي أن "الأمير الصغير" هو "شخص حساس"، وهذا ما بدا عليه بوضوح بعد الخسارة أمام فرنسا في المباراة النهائية للمونديال على ملعب لوجنيكي في موسكو (2-4)، حيث كان الحزن يطغى على ملامح وجهه لضياع اللقب العالمي على الجيل الذهبي الكرواتي، على رغم أن اللاعب القصير القامة والطفولي المحيا، اختير أفضل لاعب في البطولة.
واعتبر سفيتكو كوستيتش، المسؤول الحالي في نادي زادار والذي يعرف مودريتش منذ طفولته، أن الأخير "شخص يعرف ماذا يريد، وقد علمته الحياة هذا الأمر، لقد عاش أمورا أسوأ بكثير عندما كان طفلا".
وعلى رغم الخسارة أمام فرنسا، لقي المنتخب الكرواتي استقبال الأبطال لدى عودته الى زغرب، من قبل نحو 500 ألف مشجع حوّلوا شوارع العاصمة الى مد بالأحمر والأبيض، قبل أشهر من أن يكمل مودريتش رصيده الشخصي من الألوان، بإضافة الذهب المتوِّج لمسيرة مذهلة.