قانون مكافحة العنف ضد النساء في تونس.. مكسب اجتماعي وتحدٍّ عملي
الأحد 30 يوليو 2017 الساعة 16:02
الأحرار نت / متابعات:
جاء إقرار البرلمان التونسي الأربعاء الماضي لقانون مكافحة العنف ضد النساء ليتوج سنوات طوالا من نضال الحركات النسائية والمجتمع المدني، ورحبت به المنظمات الحقوقية التونسية والدولية واعتبرته مكسبا للبلاد. ورغم أن القانون الجديد يسجل العديد من المكاسب الاجتماعية ويزيل بعضا من الغبن الذي تتعرض له المرأة، تؤكد دلندة الأرقش مديرة مركز "الكريديف" مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة في تونس أن "المشوار لا يزال طويلا وأن التحدي العملي يبدأ الآن". يقر هذا القانون أحكاما جنائية جديدة ويزيد العقوبات المفروضة على مرتكبي مختلف أشكال العنف لا سيما داخل الأسرة، كما يجرم التحرش الجنسي في الأماكن العامة، واستخدام الأطفال كعمال منازل، ويغرم أرباب العمل الذين يميزون عمدا ضد النساء في الأجور. مسار طويل من النضال النسوي في تونس تقول دلندة الأرقش مديرة مركز في حديث لفرانس 24 "البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة" (كريديف) إن "القانون الذي تم إقراره هو نتاج لمسار طويل من النضال. كانت النساء فاعلات فيه بالدرجة الأولى وتفاعلت أطراف عدة ووضعت الاستراتيجيات وانخرطت الحكومة في العمل من أجل إقراره. وتضيف الأرقش أن فكرة إقرار قانون يجرم العنف ضد النساء بدأت الحركة النسوية تطرحها في سنوات ما قبل الثورة وبالتحديد منذ العام 2006، لكن السلطة في ذلك الوقت لم تكن تقبل بتاتا طرح تلك المسألة للنقاش، وكان أي تحرك في هذا الاتجاه يتم محاصرته من قبل الحكومة". وتتابع المؤرخة والباحثة "في مناخ ما بعد الثورة بدأت الفكرة تتحرر بصورة أكبر خاصة مع اتساع رقعة الجمعيات النسائية. وفي عام 2011، نشرت "كريديف" دراسة مفصلة حول العنف المسلط ضد النساء، وبدأت الجمعيات المختلفة تنظم عملها وتنسق فيما بينها، ثم بدأ العمل على وضع مسودة قانون يشرع تجريم العنف ضد النساء. كما ساهمت منظمات دولية وأوروبية أيضا في تلك الجهود." صيغة توافقية أدت لانتصارات كبيرة ومشاريع توعية وحول إقرار القانون، توضح الأرقش أن المسودة الأولى تم طرحها داخل لجنة التشريع العام واستغرقت النقاشات ساعات مطولة امتدت على مدار 27 جلسة. ولاقت المسودة الأولى لمشروع القانون العديد من الأصوات المترددة والرافضة، فالكل حاول أن يدخل على مشروع القانون تعديلات للتوصل إلى الشكل المثالي، حتى الوصول إلى الصيغة التوافقية التي تم تبنيها في نهاية المطاف. وتقول مديرة كريديف إن "الصيغة التي تم التوصل إليها هي صيغة تقدمية رغم بعض العيوب التي تعتريها، ويمكن اعتبار الصيغة النهائية قانونا توافقيا و"قانونا للجميع". وتوضح الأرقش أن أهمية هذا القانون ترجع إلى شموليته، حيث إنه لا ينظر إلى الجانب الجنائي فقط بل يشتمل على ثلاثة محاور رئيسية. أولها الشق الجزائي الذي يتعلق بتشديد العقوبة على من يمارس العنف ضد المرأة، ومعاقبة المغتصب. فلم يعد بإمكان المغتصب الإفلات من العقوبة إذا تزوج من ضحيته على سبيل المثال كما كان الحال في السابق، وهو ما يشكل انتصارا كبيرا للضحية التي كانت تعاني مرتين الأولى عند تعرضها لجريمة الاغتصاب والثانية عند زواجها من مغتصبها. الشق الثاني الهام في القانون هو الشق الوقائي والذي يعتمد بالأساس على التوعية والتثقيف لكافة فئات المجتمع من نساء ورجال. و تؤكد الأرقش أن هذا الشق الوقائي يحتاج لتضافر الجهود من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية للقيام بحملات توعية. أما الشق الثالث في القانون فهو الشق النفسي والعلاجي للنساء المتضررات من العنف، وكيفية إيواء الدولة لهن واحتوائهن وتوفير الرعاية النفسية والصحية اللازمة لعلاجهن. الألية التنفيذية ومستقبل القانون وتتابع الأرقش أن "الإرادة السياسية والالتزام الحكومي متوافران وهذا هو المهم وما يعطي الدفع لتنفيذ القانون". وحول آلية التنفيذ، توضح مديرة كريديف أن أهم ما ميز القانون هو إرساء مرصد حول العنف المسلط ضد النساء، وهذا المرصد يعمل على متابعة التطبيق ودعم الجهود على أرض الواقع، سواء كانت حملات التوعية أو العلاج، وكذلك يدعم الدراسات المتعلقة بحالات العنف ضد النساء". لكن رغم إقرار القانون، تقول الأرقش إن "الطريق لا يزال طويلا، والتحدي العملي يبدأ الآن، فالصراع انتقل من المجال القانوني إلى العمل على أرض الواقع داخل المجتمع. فلا يزال جزء من المجتمع التونسي المحافظ ينظر إلى المساواة بين الرجل والمرأة على أنها أمر مخالف للشرع والقيم. ودورنا الحالي هو العمل التوعوي داخل المجتمع حتى يصبح هذا القانون ثقافة مجتمعية. فتقبل القانون لن يتم بين عشية وضحاها ولكنه سيتم عبر مسيرة طويلة من العمل على توعية المجتمع". وتشدد الأرقش في ختام حديثها على أنه "لا يمكن لتونس أن تنجح دون إرساء دعائم للمساواة بين الرجل والمرأة وإقرار هذا المشروع مكسب لتونس ونساء تونس ونقطة فارقة ثانية في تاريخ تونس الاجتماعي بعد مجلة الأحوال الشخصية التي أقرت في عهد بورقيبة في خمسينيات القرن الماضي" وتحديدا العام 1956 بعيد الاستقلال.
متعلقات