لا يختلف اثنان على أن العلاقات السعودية العراقية تشهد اليوم على "انعطافة تاريخية" جديدة تقلب معها قطيعة طويلة على مدى 26 عاماً..
مرحلة جديدة تجلت بحركة مكوكية بين الوفود الحكومية والاقتصادية من البلدين، تتوج غداً بزيارة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، إلى الرياض على رأس وفد تجاري واقتصادي وحكومي ضخم.
الرسالة واضحة: رسالة "حسن ظن" وإبعاد الملف الجيوسياسي عن مسار تفعيل العلاقات الثنائية الاقتصادية تترجم بإرسال طائرة مستقلة تحمل أكثر من 85 شخصية اقتصادية عراقية، إيماناً من الطرفين بالفرص الهائلة المشتركة للسوقين السعودي والعراقي.
رغم وجود مخاوف حقيقية وهواجس لا يمكن إنكارها قد تعرقل عجلة دوران هذه المصالحة التاريخية وسط ظروف جيوسياسية معقدة.
حالة التقارب السعودي العراقي استشعرها الإيرانيون، فهب "الجار الإيراني" لاستدراك الموقف والتأكيد على الروابط والأسس بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، استتبعها لقاء بين محافظ المركزي العراقي علي العلاق بنظيره عبد الناصر همتي.
إن كان ذلك يدل على شيء فهو أن العراق سيبقى "الرئة" التي تتنفس بها إيران في الفترة المقبلة في تحايلها على العقوبات الأميركية.
فما الموقف العراقي بهذا الصدد؟
يرى رئيس مجلس الأعمال الوطني العراقي، داود عبد زاير، أن زيارة الوفد العراقي غداً تعتبر "خطوة استباقية" في إطار تمتين العلاقات الاقتصادية وفق اتفاقيات تنظم مصلحة البلدين لغرض الاستثمارات بين القطاع الخاص العراقي والسعودي، إضافة إلى الاتفاقيات الحكومية المتمثلة بـ13 اتفاقية في مجال الطاقة والكهرباء والمنافذ الحدودية والمنطقة المشتركة.
غير أن برأيه، الانتقال الفعلي من مرحلة المشاورات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لهذه المشاريع والاتفاقيات يتطلب من حكومتي البلدين إرساء "الغطاء" الراعي لهذه المصالح المشتركة وإدخال القطاع الخاص كشريك منفذ للخارطة الاقتصادية التي ترسمها سياسة الدولتين.
لا يخفي المستثمر السعودي أن هناك خطاً تصاعدياً للعلاقات السعودية العراقية حتى وصلت إلى مرحلة تعرف بـ"اتفاقية الدول المفضلة"، وهي تحدث في إطار قانوني وضريبي حر في المناطق المشتركة الصناعية والخدمية والتجارية، بحسب رجل الأعمال السعودي، حسين شبكشي.
يوافق رجل الأعمال السعودي كلام عبد زاير حول ضرورة تحميل القطاع الخاص مهمة تنفيذ المشاريع والاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين السعودي والعراقي، نظرا لأهمية السوق العراقي من الناحية الجغرافية من جهة وضخامته بالإمكانيات والموارد من جهة أخرى، وسط مصلحة مشتركة بين الطرفين تتجلى بخدمات وعوائد استثمارية لكل طرف من الأطراف مناصفةً.
السؤال هنا، هو ماذا يريد فعلياً القطاع الخاص السعودي من العراق لكي يذهب ويستثمر في تلك المنطقة الجغرافية والاقتصادية؟
"نريد فرصة عادلة وكاملة مثلنا مثل غيرنا... لا بد أن يكون هناك حسن ظن بجدارة المنتج السعودي وبكفاءته، لوجود مصلحة مشتركة وفرص توظيف للمال، وللبشر، وتبادل تجاري مهم"، يجزم بنبرة صارمة رجل الأعمال السعودي حسين شبكشي.
إن كان الطرفان قد أجمعا على اتباع سياسة "حسن الظن"، غير أن ذلك لا بد أن يتبع بإجراءات لتذليل العقبات ومنع أي عصا قد تقف حائلا أمام سير عجلة التقارب.
يأتي الرد سريعا من رئيس مجلس الأعمال الوطني العراقي، ليأكد أن الحكومة العراقية قدمت الكثير من التسهيلات للجانب السعودي واستغلت صلاحياتها لتوقيع اتفاقيات في سبيل إبداء حسن النية تجاه المملكة بغرض جذب الاستثمارات وفتح علاقات متبادلة.
لكن في المقابل، أشار إلى تحد ومنافسة كبيرة في السوق العراقية نظراً لوجود المنتجات التركية والإيرانية المستوردة بأسعار تنافسية مع تدهور سعر صرف التومان والليرة التركية أمام الدولار على حد سواء، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها البلدان.
قلق سعودي من غموض الموقف العراقي؟
المفارقة هنا، أن هذه الانعطافة الجديدة في تاريخ العلاقات بين الرياض وبغداد تأتي في ظل ظروف وتعقيدات محلية وإقليمية، بحيث تتولد شكوك حقيقية ما إذا كانت هذه الرغبة السعودية العراقية قادرة على استيعاب هذه التطورات إن كان: بسط النفوذ الإيراني في العراق على مدى سنوات طويلة.. وتسخيره النظام المالي العراقي للوصول إلى العملة الصعبة، إلى جانب الحصار الأميركي على طهران.. دون أن ننسى التطور المهم في العلاقات السعودية الأميركية.
وسط هذه المشهدية، تطرح تساؤلات وإن كانت في ظاهرها ذات طابع سياسي غير أن مضمونها اقتصادي بحت: ما موقف المستثمر السعودي في حال عدم إلتزام الحكومة العراقية والشركات الخاضعة لها بمنظومة العقوبات الأميركية على إيران، وماذا عن القلق السعودي بأن النظام الملالي لن يترك الأمور تسير على نحو ما يشتهيه الطرفان؟ وما الضمانات المقدمة لطمأنة السعودية؟
في جوابٍ يحمل في طياته احتمالات كثيرة و"لا يقطع الشك باليقين".. يبيّن رئيس مجلس الأعمال الوطني العراقي داود عبد زاير أن الحكومة العراقية تتجنب أي ملف سياسي يعكر أجواء التقارب مع السعودية والمصالح الاقتصادية المشتركة، قائلا: "الحكومة العراقية مدركة لإدارة الملف السياسي بطريقة مثلى، ذاهبون إلى الرياض وماضون في توقيع الاتفاقيات".
المخاوف الحقيقية توقف عندها شبكشي بقوله: "المستثمر السعودي هو مستثمر دولي، ويقوم بالتحرك تحت مظلة القرارات الدولية.. أمامنا العقوبات الاقتصادية على إيران وهي عقوبات تطال كل من يخترقها".
لذا فإن أي استثمار سعودي في تصنيع منتج محلي عراقي يتوجب معرفة القرار العراقي في تعامله مع إيران، يختم شبكشي.