يدرك أحدهم ضرورة حفظ وزن جسمه ضمن المعدلات الطبيعية للوقاية من الأمراض، ويلحظ أن وزن جسمه أعلى من الطبيعي بمراحل، فيبدأ بالعمل على التخلص من تلك الكيلوغرامات الزائدة، ويُقلل من كمية طعامه اليومي، ويحذف بعض الوجبات، ويسمع من هنا أو هناك عن «موضات» مختلفة لحميات غذائية تعتمد التركيز على تناول أطعمة دون أخرى، ثم يصل إلى مرحلة لا يلاحظ فيها النقص الذي يأمله في مقابل معاناته من تقليله تناول الأكل. ويتساءل حينها بالقول: لماذا لا أنجح في خفض وزن جسمي والوصول به إلى المعدلات الطبيعية رغم اهتمامي بهذا الأمر وعملي على تحقيقه ومعاناتي منه؟
1- متطلبات خفض الوزن
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بداية، مراجعة فهمه للمطلوب صحياً من خفض وزن جسمه، وكيفية اهتمامه بهذا الأمر، وأسلوب عمله لتحقيق هذه الغاية، وكيف يتابع نتائج ذلك. ومن مجمل المراجعات العلمية لحالات عدم نقص وزن الجسم برغم الحمية، تم التعرف على سبعة أسباب للخلل في أسلوب تطبيق حمية خفض الوزن، وهي:
كيفية تقييم مقدار وزن الجسم. المطلوب صحياً بالدرجة الأولى هو خفض «كمية الشحوم» المتراكمة في الجسم، وفي «منطقة البطن» على وجه الخصوص، لأن من المُسلمات الطبية أن زيادة تراكم الشحوم في منطقة البطن تُؤذي الجسم بدرجة عميقة، وذلك لارتباطها بارتفاع احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين وغيرهم. والمرء باتباعه حمية غذائية صحية، ربما ينجح فعلاً في إزالة عدة كيلوغرامات من الشحوم عن جسمه، ولكن قد لا يرى ذلك على أرقام الميزان.
وهناك عدة أسباب لذلك، أولها: عدم قياس وزن الجسم بطريقة صحيحة. ويجدر أن يقتني المرء ميزاناً جيداً، ويُستخدمه هو فقط لقياس وزنه، أي لا يستخدم عدة موازين. وأن يُجري قياس وزنه في الصباح الباكر، بعد التبول الصباحي وقبل تناوله أي مأكولات أو مشروبات وبارتداء ملابس خفيفة جداً. ذلك أن هناك فارقا في قراءات ميزان عن آخر، وبين وزن الجسم في آخر النهار وأوله، وفي فترات ما بعد تناول وجبات الطعام وشرب السوائل.
والسبب الثاني: أن اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة البدنية اليومية يؤدي إلى فقدان المرء الدهون واكتسابه بالتزامن مع ذلك كتلة صحية من العضلات Muscle Gain، وهو ما قد يبدو للبعض عدم نجاح في خفض رقم عدد كيلوغرامات وزن الجسم، بينما هو على العكس من ذلك.
كما أن من المستحسن استخدام شيء آخر غير قياس الوزن كوسيلة لمتابعة التقدم الإيجابي في خفض وزن الجسم، ومن أهم الوسائل متابعة مؤشر كتلة الجسم BMI، أو مقدار محيط الخصر Waist Circumference، أو قياس نسبة الدهون في الجسم Body Fat Percentage كل بضعة أسابيع.
2- حساب السعرات
متابعة كمية السعرات الحرارية: إن حساب المرء لكمية ما يتناوله أو يشربه في اليوم من كالوري السعرات الحرارية، هو أساس نجاح الجهد لخفض الوزن. والبعض قد يركز على «تقليل حجم» الأطعمة التي يأكلها دون أن تكون لديه فكرة عن المكونات الصحية فيما يأكله ويشربه، ولا عن محتوى ما يأكله ويشربه من كالوري السعرات الحرارية. ولذا تمتدح الدراسات الطبية، التي تتبعت أسباب نجاح خفض الوزن، سلوك منْ يستخدمون مفكرة يومية تتضمن كتابة كل ما يتناولونه من الأطعمة والمشروبات، بخلاف منْ لا يحسبون أو يُتابعون ولو بشكل تقريبي ما يأكلونه أو يشربونه. وفي هذا الشأن، يقول الباحثون من جامعة بيتسبيرغ إن «الرصد الذاتي Self - Monitoring هو المحور الأساسي في سلوكيات العمل على خفض وزن الجسم». وجاءت هذه العبارة ضمن دراسة لهم قبل بضع سنوات تتبعوا فيها نتائج الدراسات الطبية التي بحثت في جدوى المراقبة الذاتية لكمية السعرات الحرارية في الأطعمة والمشروبات التي يتناولها المرء وتأثير ذلك على نجاح خفض الوزن. وقالوا إنهم وجدوا «ارتباطاً كبيراً وثيقاً بين هذا الرصد الذاتي ونجاح الاستمرار في فقدان الوزن الزائد».
كما أن البعض قد يعانون من مشكلة عدم فقدان الوزن، نتيجة تناول أطعمة عالية في محتواها من السعرات الحرارية، رغم صغر حجمها أو كتلتها الظاهرة. ولذا عندما يلاحظ المرء عدم فقدان شيء من الوزن، عليه تتبع وجمع كمية كالوري السعرات الحرارية في أنواع الأطعمة التي يتناولها عادة. وبتكرار ممارسة هذا الأمر لبضعة أسابيع فقط، يضبط المرء بشكل تلقائي ممارسة طريقة صحية في تكوين كمية السعرات الحرارية لمشروبات ووجبات طعامه اليومي بما يتناسب مع حاجة جسمه ومستوى نشاطه البدني.
3- أطعمة ووجبات
تناول نوعية غير صحية من الأطعمة. أساس حمية خفض الوزن هو تحقيق كل من: إزالة الزيادة في مقدار وزن الجسم الحالي، والعمل على بدء بناء الجسم من جديد بشكل صحي. ولذا فإن تناول «تشكيلة متنوعة من الأطعمة الطبيعية الصحية» هو الوسيلة لتحقيق الأمرين. وهذا يعني تناول الفواكه والخضار والبقول والحبوب الكاملة ومشتقات الألبان واللحوم الصحية والأسماك والمأكولات البحرية. وبالإضافة إلى هذا التنويع، يجدر التركيز على تناول «البروتينات»، لأنها أهم عنصر غذائي في حمية خفض وزن الجسم وفي منع عودة زيادة الوزن.
وتفيد المصادر الطبية بأن جعل البروتينات تشكل ما بين 30 إلى 40 في المائة من طاقة السعرات الحرارية اليومية، كفيل بتحفيز العمليات الكيميائية الحيوية للأيض بالجسم، وكفيل أيضاً بقمع الشعور بالجوع وخفض شراهة الرغبة في تناول الأطعمة. إن وجود البروتينات في المعدة يعيق إنتاج هرمون غريلين Ghrelin، أو ما يُعرف طبياً بـ«هرمون الجوع».
وفي وجبة الإفطار، التي من المهم تناولها عند العمل على خفض الوزن، يجدر تناول البروتينات، كما في البيض وبقول الفول والحمص ومشتقات الألبان. وتفيد الدراسات الطبية بأن وجبات الإفطار الغنية بالبروتينات تكبت الشعور بالجوع فترة طويلة من اليوم، وتمنع الشراهة المفرطة في تناول وجبة الغداء. وكان الباحثون من جامعة ميسوري قد نشروا ضمن عدد 6 أغسطس (آب) 2014 من مجلة التغذية، نتائج دراستهم حول مقارنة وجبة الإفطار الغنية بالبروتينات مع المتدنية به، وقالوا في نتائجها: «تناول وجبة الإفطار يُقلل من الشراهة في الأكل. ووجبة الإفطار الغنية بالبروتينات كان تأثيرها أعلى. وتشير هذه النتائج إلى أن تناول وجبة الإفطار الغني بالبروتينات يقلل من الرغبة الشديدة في تناول الطعام بعد الوجبة، وخاصة لدى الشباب الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة». ولذا فإن «تناول وجبة إفطار غنية بالبروتينات» أحد السلوكيات الناجحة في محاولة خفض وزن الجسم.
4- كيفية تناول وجبات الطعام. توزيع كمية الطعام اليومي على عدد من الوجبات هو أمر نسبي ويختلف باختلاف ظروف الإنسان وبيئته. ولكن تبقى أهم وجبات اليوم هي «وجبة الإفطار» التي يتناولها المرء عند بداية النهار. وصحيح أن المصادر الطبية، تنصح في ظروف صحية معينة، كمرض السكري، بتقسيم الوجبات اليومية إلى وجبات صغيرة متعددة.
ولكن في الحالات الطبيعية، يُمكن للمرء تقسيم طعامه اليومي على: وجبة الإفطار وجبتين أخريين، غداء وعشاء، على أن تكون وجبة العشاء خفيفة جداً، مع الاهتمام بضبط «الكمية الإجمالية» للسعرات الحرارية في الطعام والشراب اليومي بما لا يتجاوز متطلبات حمية خفض الوزن.
وأثناء تناول أي وجبة، يجدر تقليل كمية الطعام في كل لقمة، ومضغ الطعام جيداً، والتأني في الأكل، والحرص على البدء بتناول الحساء وسلطة الخضار، وعدم الاستمرار في تناول الطعام إلى حد الشبع بل إلى حد كسر حدة الجوع. وهذه السلوكيات كلها ثبت علمياً جدواها في تقليل كمية الطعام الذي يتناوله المرء في الوجبة، وثبت جدواها في نجاح خفض وزن الجسم. وثمة أمر آخر تذكره المراجع الطبية، وهو: أن «الأكل بذهن يقظ»Mindful Eatingهو بالفعل أهم عناصر نجاح حمية خفض الوزن، وأن أحد أهم أسباب المعاناة في عدم خفض الوزن هو: «الأكل الطائش» دون تركيز ذهني Mindless Eating. ويعني ذلك أنه: عند تناول الوجبة، يجب أن يركز الدماغ على تناول الطعام بطريقة صحية فقط، دون أي أمور تشتت الذهن كمشاهدة التلفزيون أو التفكير في أمور أخرى مثلاً، أي أن يكون مستوى تشتيت الذهن (عن عملية تناول الطعام بطريقة صحية) هو الصفر Zero Distractions Level.
5- سوائل ومشروبات
نوعية السوائل والمشروبات: يجدر ملاحظة ثلاثة أمور تتعلق بتناول السوائل، الأول: الحرص على شرب الماء بكمية كافية لحاجة الجسم، والثاني: ضبط تناول المشروبات السكريّة، والثالث: الحرص على تناول المشروبات الدافئة بطريقة صحية. والحرص على شرب الماء بكمية كافية، أحد العوامل القوية في نجاح حمية خفض وزن الجسم.
وثمة عدة دراسات طبية أفادت في نتائجها بأن شرب الماء قبل نحو نصف ساعة من تناول وجبة الطعام، يحدث فرقاً بمقدار 40 في المائة في كمية خفض وزن الجسم، وذلك مقارنة مع منْ لا يحرصون على تزويد الجسم بالماء. وأحد أسباب ذلك أن توفر الماء بالجسم ينشط العمليات الكيميائية الحيوية لحرق كالوري السعرات الحرارية بالجسم، وشرب الماء قبل وجبة الطعام يُقلل من كمية الطعام المتناولة في الوجبة.
وعلامة تزويد الجسم بحاجته من الماء هو إخراج بول ذي لون أصفر باهت أو شفاف. وثمة دراسات أخرى لاحظت جدوى شرب القهوة والشاي الأخضر أو الأحمر في تنشيط عمليات الأيض الكيميائية بالجسم، وخاصة دور الكافيين في ذلك. والمهم شربها بشكل طبيعي دون إضافات السكر وغيره. وفي شأن المشروبات السكرية، الغازية وغير الغازية، يجدر تقليل تناولها باعتبار حساب كمية السكريات فيها.
- النوم والرياضة
> الاهتمام بالنوم. النوم الجيد أحد السلوكيات الصحية، والتي من أحد فوائده المساعدة في ضبط وزن الجسم. وكانت نتائج عدة دراسات طبية قد لاحظت أن اضطرابات النوم أحد الأسباب المؤثرة في نشوء السمنة. وثمة عدة آليات لهذه العلاقة بين اضطرابات النوم وزيادة وزن الجسم، لا مجال للاستطراد في عرضها، وتم عرض جوانب منها ضمن عدد 22 يونيو (حزيران) 2018 من ملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط».
> ممارسة الرياضة البدنية. ممارسة التمارين الرياضية من نوع إيروبيك الهوائية Aerobic Exercise هي وسيلة ممتازة لحرق السعرات الحرارية وتحسين الصحة البدنية والعقلية. ويبدو أنها فعالة بشكل خاص لفقدان دهون البطن، وهي الدهون غير الصحية. وهذه التمارين تنشط القلب والأوعية الدموية والرئتين، مثل أنشطة الركض وركوب الدراجات والسباحة.
وهناك نوع آخر مهم من التمارين الرياضية المفيدة في خفض وزن الجسم، وهي تمارين تقوية وتنمية حجم العضلات. ومن أمثلتها تمارين القوة باستخدام أوزان معتدلة وتحريك العضلات بها مرات كثيرةResistance Training. وهذه التمارين بالذات، وضمن آليات معقدة، تفيد في حرق الدهون بالجسم.
وحرق الدهون هذا لا يتم حال ممارسة تلك التمارين بل في الأوقات التالية. كما أن تكوين «كتلة» ذات حجم جيد في العضلات، يُسهم في حرق السعرات الحرارية. والواقع أن العضلات هي المحرقة أو المكان الذي تُحرق فيه أكبر كمية من السعرات الحرارية الزائدة عن حاجة الجسم. وعند ضمور العضلات وعدم العمل على بنائها، يفقد الجسم عمل العضلات في رفع قدرة الجسم على التخلص من السعرات الحرارية التي ستتراكم لاحقاً كشحوم.