تعود أهمية «عدن» التجارية الى شهرتها التاريخية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب الذي يعد أحد أهم ممرات التجارة العالمية، والذي بدوره أكسب ميناءها التجاري أهمية ومكانة خاصة منذ ازمنة بعيدة.. ليحتل المرتبة الثانية بعد ميناء نيويورك.. إذ انه مثل ملتقى للعديد من الممرات المائية العالمية كـ«قناة السويس غرباً، ورأس «الخليج العربي» شرقاً .. ليصبح بذلك بمثابة حلقة الوصل التي تربط بين قارات العالم القديم مهد حضارة الإنسان (أسيا شرقاً وأفريقيا غرباً وأوروبا شمالاً).
والمتتبع لمسيرة التاريخ القديم يجد أنه وبفضل ميناء «عدن» التاريخي تمكن اليمنيون القدامى من القيام بدور التاجر والوسيط التجاري بين إقليم البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا والعكس أيضا.. ومن خلال ذلك اكتسبت عدن المدينة شهرتها ومكانتها الاقتصادية لتصبح أحد أهم مراكز التجارة العالمية التي توازي «شنغهاي - وجيبوتي - واللاّذقية» وصارت ليس فقط مجرد عاصمة اقتصادية وتجارية لليمن، وإنما بمثابة القلب النابض المعني بتنشيط حركة التجارة العالمية قديماً وحديثاً.
عوامل الانتكاسة
وقد شكلت الحركة التجارية في «عدن» وعلى مدى العقود الزمنية الماضية أحد أهم المقومات الاساسية التي تعتمد عليها الدولة في رفد خزينتها العامة، ومصدرا أساسيا من مصادر دخلها القومي.. إلا أن كثرة الحروب والاحداث والتقلبات التي شهدتها اليمن السنوات الماضية، وبسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية فيها - أسهمت الى حد بعيد في تدهور النشاط الاقتصادي في المدينة، وتراجع حركتها التجارة، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على الاقتصاد الوطني من خلال تراجع أهم المصادر الإيرادية كـ«ميناء عدن - والمنطقة الحرة» الى جانب ضعف حركة الملاحة الجوية في مطار عدن، وتوقف عملية تكرير النفط في مصافي المدينة، بالإضافة الى توقف أنشطة الكثير من الشركات التجارية والاستثمارية، ومغادرة العديد من المستثمرين العاصمة التجارية عدن.
معالجة انعكاسات وآثار الحرب
وبالنظر الى طبيعة الانعكاسات والآثار التدميرية الكبيرة التي خلفتها الحرب التي شنتها مليشيا الانقلاب على مدينة عدن الفترة الماضية، والتي بسببها تحولت المدينة الى أشبه ما يطلق عليه بـ«مدينة أشباح».. وهو الامر الذي جعل عملية تطبيع الاوضاع فيها من وجهة نظر الكثيرين بمثابة المستحيل.. حيث ان الكثير من الخبراء والمتخصصين كانوا يرون بأن مسألة إعادة الحياة الى المدينة تتطلب جهود وامكانات واعمال لسنوات طويلة.. لكن المتأمل في طبيعة الاوضاع التي تشهدها وتعيشها عدن اليوم- يجد أنه وبفضل جهود وخبرة وحنكة حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيس الوزراء استعادة عدن روحها وحياتها ونشاطها وحركتها التجارية والاقتصادية وذلك في وقت قياسي.
الانجاز المعجزة
وفي الحقيقة أن هذا الانجاز الذي يصفه الكثيرون بالمعجزة - يجسد حقيقة «عندما توفر الارادة يكون النجاح والانجاز» - وهذا باعتقادنا ما يتميز ويتفرد به دولة الدكتور احمد عبيد بن دغر عن سواه من السياسيين وقيادات الدولة المختلفة.. إذ أن الرجل لا يتهيب الصعاب ولا مكان لديه للتسويف والتأجيل والمماطلة - لذلك نجده ومنذ تسلم مقاليد رئاسة الحكومة عمل بدأب ومثابرة واجتهاد مكرسا كل جهوده في سبيل تطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن وبالفعل صنع المستحيل وتمكن خلال وقت وجيز من جعل «عدن» تستعيد دورها ومكانتها الاقتصادية والتجارية .. وكذا النشاط التجاري المعهود فيها منذ زمن بعيد.
توسيع النشاط الاقتصادي
وبالطبع لم يتوقف به الحال عند ذلك الحد بل إنه سعى أيضا لمعالجة الأوضاع في بقية المحافظات اليمنية وتمكن كذلك من تطبيعها وإعادة الحياة فيها الى سابق عهدها.. لنجده حاليا يركز جهوده في سبيل توسيع نشاط مدينة عدن وإحياء حركتها وذلك من خلال اتخاذه جملة من الاجراءات والمعالجات الهامة التي تعد بمثابة الضمانات التي ستجعل التجار والمستثمرين يأوون الى المدينة من جديد، ويمكننا قراءة توجهه هذا من خلال التركيز على مضامين تصريحاته وكذا القرارات والاجراءات التي يتخذها كل يوم، والتي تؤكد جميعها أن طموحات هذا الرجل وبعد نظره لا حدود له.
دعوة المستثمرين
ففي الكلمة التي القاها خلال الحفل الجماهيري الذي أقيم في محافظة أبين الاسبوع المنصرم نجده يوجه دعوته للتجار والمستثمرين للعودة الى عدن .. حيث قال: "أدعو التجار والوكالات والمؤسسات والشركات الدولية للعودة لعدن، فعدن اليوم غير عدن قبل سنة ونصف فقط، وستكون أفضل وأروع في الأيام القادمة إن شاء الله" .. وهو الامر الذي يؤكد أن لدى الرجل خطة ومشروع ورؤية اقتصادية طموحة لا سبيل لأحد منا للإلمام بمفرداتها.
توسيع عمل الشركات المحلية
وكما عهدناه نجد أن دولة الدكتور أحمد عبيد بن دغر لم يكتفِ بتوجيه تلك الدعوة وحسب بل انه دعا لاجتماع آخر ضم العديد من التجار والمستثمرين اليمنيين والذي عقد يوم أمس الأول وكرس لمناقشة توسيع عمل الشركات المؤسسات وعودة عمل المصانع في العاصمة المؤقتة عدن.. الأمر الذي يعد بمثابة وضع اللبنات الأساسية لمعالجة المشكلات والمعوقات التي تحول دون نشاط ورواج العملية التجارية .. فقد طالب دولته المجتمعين بضرورة إيجاد شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص وفق الأنظمة والقوانين مشددا على ضرورة إسهام الجميع في خدمة المواطن بدرجة رئيسية.
مخرجات ونتائج هامة
ولعل أهم النتائج الذي خرج بها الاجتماع: التأكيد بأن الحكومة ستقدم كافة التسهيلات لتوسيع وعودة عمل الشركات والمؤسسات التجارية في عدن وباقي المحافظات لما تمثله من أهمية كبيرة نحو تحقيق النشاط الاقتصادي المطلوب، الى جانب الإسهام في البناء والتقدم وإعادة الإعمار وخلق فرص عمل للشباب.. بالإضافة إلى البدء في محو وإزالة آثار الحرب التي تسببت فيها مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية والتي دمرت الكثير من المؤسسات الحكومية والتجارية والمصالح العامة والخاصة.. مشددا على ضرورة الالتزام بكل الأنظمة والقوانين في الموانئ والمطارات والمنافذ، وتوحيد التعرفة وإصدار البيان الجمركي.. منوهاً إلى أن عدن عرفت منذ التاريخ منارة للتقدم لأهميتها التجارية والاقتصادية والاستراتيجية.
الدور المستقبلي المطلوب
وعن الدور الذي تسعى إليه الحكومة لتمكين العاصمة المؤقتة عدن من استعادة دورها ونشاطها ومكانتها التجارية والاقتصادية قال بن دغر: "نحن اليوم نعمل لإعادة بناء المؤسسات الاقتصادية والتجارية، وواضعين نصب أعيننا أولوية توفير الأمن والاستقرار إلى جانب الخدمات" .. واضاف: "وبجهود المخلصين تجاوزنا الكثير من التحديات والصعوبات بإمكانياتنا المحدود ومواردنا الشحيحة، ونحن اليوم أمام مرحلة جديدة يكون للقطاع الخاص دوراً هاماً وشريكاً أساسياً وفاعلاً فيها ويجب عودة عمل المصانع التجارية التي توقفت بسبب الحرب والمراكز التجارية ليساعد على عودة النشاط التجاري ويخلق فرص عمل جديدة للشباب".
تسهيلات للمستثمرين
وفيما يخص التسهيلات التي تعتزم الحكومة تقديمها للمستثمرين ورجال الاعمال - نجد أن الدكتور احمد عبيد بن دغر، وجه بإعادة تفعيل الهيئة العامة للاستثمار وتشكيل لجنة مِن وزارة المالية، والتخطيط، وجامعة عدن، والميناء والجمارك، والضرائب وأربعة أعضاء من الغرفة التجارية لمناقشة ورفع مقترحات تسهم في حل كثير من قضايا رجال المال والأعمال وتسهم في تنشيط الحركة التجارية في بلادنا.. لافتا الى أن اهم مقومات نجاح التجارة وإنعاش الاقتصاد الوطني وزيادة الاستثمار، هما القوانين والانظمة التي تنظم العمل وتمنع أي تجاوزات وفساد، وخصوصا في ميناء عدن والمنطقة الحرة والجمارك والمطار يخضعوا لرقابة ومتابعة حتى لا يتم التلاعب واستغلال التجار والمستثمرين، والتي يعتبروا اهم المصادر الهامة في الدولة والتي ترفد الاقتصاد الوطني بالعملة الاجنبية وتعمل على عودة الحركة التجارية.
كما وجه اليوم الدكتور بن دغر خلال لقاءه وكيل أول وزارة الصناعة والتجارة علي عاطف الشرفي، بالإسراع في استكمال تجهيز وتأثيث مبنى ديوان وزارة الصناعة والتجارة، والعمل على تذليل كافة الصعوبات أمام رجال الأعمال والشركات التجارية بما يعيد لعدن دورها الريادي في قيادة النشاط الاستثماري والاقتصادي في البلاد.
وأكد رئيس الوزراء على ضرورة البدء بإصدار التراخيص والوثائق التجارية من العاصمة المؤقتة عدن.. مستعرضاً معه آلية سير العمل في ديوان الوزارة، وطبيعة التحديات التي تعيق العمل.
وشدد دولته على ضرورة تفعيل دور كافة مكاتب الوزارة في المحافظات المحررة، والدفع بعجلة العمل وتطوير القطاع الصناعي ووضع الخطط والبرامج اللازمة لإنجاز المهام المناطة بها وفقاً من الدستور والقانون.
ختاما نستطيع القول إن الحكومة اليوم بقيادة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس حكومته دولة الدكتور احمد عبيد بن دغر تمضي في الطريق الصحيح، نحو استعادة دور ومكانة اليمن وعدن التجارية، وتنشيط الحراك الاقتصادي، وتحريك عجلة البناء والاستثمار بما يسهم في زيادة الدخل القومي ورفد ميزانية الدولة وتسديد الديون الكلية وزيادة حركة الصادرات والواردات من التجارة الخارجية، وبما يصب في اتجاه رفع مستوى دخل الفرد وتحسين الاوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلد ككل ...