ومن المرجح أن تكبح حرب ترمب التجارية هذه المبادلات أكثر من ذلك. وستنعكس على سلسلة من التعاملات الدولية، فرض ضريبة على صادرات الصين من الهواتف الذكية إلى الولايات المتحدة، سيؤدي إلى تراجع الطلب الصيني على المكونات التي دخلت في تصنيع الأجهزة من كوريا الجنوبية، وستؤذي اقتصاد البلدين. إن "رسوم ترمب" بالفعل حفزت الشركات على نقل نشاطها الإنتاجي من الصين.
ومن شأن الوضع غير الواضح في اندلاع الحرب التجارية المقبلة أن يجبر الشركات على إعادة عملها إلى بلدانها الأصلية. واليابان مؤخراً، أيضاً، فرضت قيوداً على الصادرات الكيميائية المتقدمة إلى كوريا الجنوبية الذي يظهر أن الحروب التجارية يمكن أن تنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم وتهديد العولمة.
الصين "ليست راضية"
ولكن قد يكون هناك سبب آخر يجعل النظام التجاري العالمي تحت التهديد، فالصين ببساطة ليست راضية عن دورها، وتريد التحول إلى اقتصاد أقل تكافلاً واكتفاء ذاتياً.
في مطلع القرن الحالي أصبحت الصين مركز النظام التجاري العالمي، تهيمن على التجارة الآسيوية والعابرة للقارات على حد سواء. ولكن هذا لم يكن بالضرورة مثالياً للصين، لأن الكثير من هذه التجارة لم تكن تضيف قيمة كبيرة. الصين بدأت تفعل الكثير في بلدان أخرى بهدف تخفيض القيمة، قطعة من الإلكترونيات ستصمم في الولايات المتحدة، ومكونات عالية التقنية تصنع في تايوان أو كوريا الجنوبية والمنتج النهائي يجمع في الصين من أجل التصدير ليتم بيعها وتسويقها مرة أخرى في الولايات المتحدة أو دولة أخرى.
على الرغم من أن المنتجات تقول "صنع في الصين"، فإن معظم القيم في هذه السلسلة لم يتم من قبل الشركات الصينية والعمال. أرادت الصين، بطبيعة الحال، أن تنتج المزيد من الأشياء ذات القيمة العالية لنفسها. ومن ثم فإن الصين، حتى وهي توسع تجارتها مع بلدان أخرى، تسعى إلى زيادة المحتوى المحلي، مع تحقيق بعض النجاح.
الصين تريد صنع المزيد داخلياً
والآن، لدى الصين أسباب أخرى للرغبة في إدخال سلسلة الإمداد داخل حدودها. قيود الصادرات الأميركية على مبيعات التكنولوجيا الهامة ومكونات المعدات والبرمجيات الرائدة إلى شركات التكنولوجيا الصينية مثل "هواوي تكنولوجيز" برهنت تماماً على مدى ضعف الصين نتيجة اعتمادها على سلسلة التوريد العالمية.
والتوترات العسكرية في المنطقة تزداد أيضاً، فهناك نقاط وميض محتملة في بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، ومع تايوان. في حالة حدوث صِدام، فإن حكومة الصين لا تريد أن ترهن صناعاتها العسكرية بالاعتماد على الموردين العالميين.
الصين بدأت بالفعل في تقليص عولمتها بمعدل سريع. ويلاحظ أن نمو واردات الصين من السلع المصنعة تتراجع أسرع من تباطؤ النمو الاقتصادي الكلي.
ولهذه الأسباب، ما فتئت حكومة الصين تبذل جهداً منتظماً لبناء صناعاتها ذات التكنولوجيا المتقدمة وتعتمد بدرجة أقل على المكونات المستوردة. مبادرة "صنع في الصين 2025" تعتمد استخدام مجموعة متنوعة من أدوات السياسة الصناعية، الاستثمار الحكومي في اقتناء الملكية الفكرية وتعزيز الشركات المملوكة للدولة، لتعزيز المحلية في مجال الروبوتات، المستحضرات الصيدلانية، الطيران، المواد المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات. والهدف المعلن هو أن تحقق الصين الاكتفاء الذاتي بنسبة 70 في المئة في هذه الصناعات بحلول عام 2025.
ومن منظور الدول المتقدمة النمو، يعد هذا تطوراً يشكل قلقاً لعدة أسباب. سوف يخلق منافسة جديدة للشركات الأميركية واليابانية والأوروبية والكورية الجنوبية، وسيزيد من تعطيل سلسلة التوريد العالمية. كما أن الصين الأكثر حيادية وأقل انخراطاً على الصعيد السياسي العالمي قد تشعر بالجرأة لبدء صراع عسكري مع الولايات المتحدة أو اليابان أو بلدان أخرى.
ويعتقد الخبير الاقتصادي، براد ستسر، من مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن الصين بدأت بالفعل في تقليص عولمتها بمعدل سريع. ويلاحظ أن نمو واردات الصين من السلع المصنعة تتراجع أسرع من تباطؤ النمو الاقتصادي الكلي.
ومن المحتمل أن تكون سلسلة التوريد الداخلية في الصين القائمة بذاتها هي أقل كفاءة من توزيع الإنتاج الدولي، مما يهدد هذا التحول برفع الأسعار على المستهلكين. لكن التداعيات يمكن أن تكون أكثر خطورة من ذلك حيث إن عجز إنتاج سلسلة الإمداد الدولية في النظم الوطنية يمكن أن يعيدنا إلى عالم تشعر فيه القوى العظمى بعدم حاجتها للتعاملات التجارية ويحرر قراراتها في اللجوء إلى الوسائل العسكرية لتسوية الصراعات، وهذا مستقبل يجب أن يقلق الجميع.