حوار: عبدالله عبيد، شاعر وروائي يمني - السعودية
من بلد تتقاسمه رياح العنف وتكاد أن لا تبقي فيه شيئا جميلاً دائماً ما يظهر فيه الفن كطائر الفينيق الذي يصر على الحياة، وهذه المرة تمثل على هيئة عازف العود اليمني "محمد الهجري" الذي حاوره الشاعر والروائي اليمني عبدالله عبيد ل "مجلة صنعاء".
الموسيقى اليمنية والإرث التاريخيفي اللحظة التي يرى فيها المتلقي الموسيقى اليمنية ضرباً من الفن الشعبي المحصور بحيز جغرافي معين يذهب الهجري برؤيا مغايرة لذلك إذ يقول: " الموسيقى اليمنية أو الموروث الغنائي اليمني غزير جدًا بالتنوع النغمي والإيقاعي، ففي اليمن ما يتعدى المائة إيقاع وهناك عشرات الرقصات الشعبية التي تختلف من محافظة إلى أخرى، وأحيانا قد تختلف من قريةٍ إلى أخرى، كما أن هناك أسلوبٌ خاصٌ ونمط مميز في الموسيقى اليمنية تجذب المستمع من الجانب الآخر إذا ما تم أداؤها بالشكل الصحيح سواء بالعزف على الآلات الموسيقية أو بالأداء الصوتي، فاليمن منبع الحضارات "السامية" بشكل عام وما حضارات الشعوب "السامية" وموسيقاها إلا امتدادًا لفنون وموروثات الحضارات اليمنية السابقة. الفن وأسلوب العزف اليمني والإيقاعات اليمنية والتراث الغنائي اليمني يمتد لجميع الأقطار العربية وخاصة منطقة الخليج العربي، وبلاد سينا في مصر، وبلاد المغرب العربي، وخاصة الأمازيغ بل أيضا بلدان آسيا كإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة .. فالانفتاح على الشعوب الأخرى بمشاركتهم ببعض نماذج العزف للموسيقى اليمنية ليس بالأمر الصعب فالقبول واسع واثاره الاهتمام والتساؤل امر وارد من قبل الموسيقيين حول أساسيات المدرسة اليمنية في العزف وأساليب عزفها.
إطلالة على المدارس الموسيقية
أخذنا الحديث بعيدا وذهب "الهجري" يستعرض المدارس الموسيقية التي التفت إليها كعازف عود وانطلق يحدثنا عن المدارس التي عنيت بـ"الـتكنيك" : "إذا كنا نتحدث عن العزف على الآلات الموسيقية وعلى العود بشكل خاص فهناك العديد من المدارس، والأساليب، كالمدرسة التركية، والمدرسة العراقية، التي أسسها المرحوم منير بشير أو المدرسة التركية وهناك أيضا المدرسة الشرقية، والمدرسة اليمنية التي شيدها العازف الكبير جميل غانم، ووريثه الدكتور الأستاذ أحمد فتحي والمدرسة الكلاسيكية الغربية التي أسسها العازف العراقي محي الدين حيدر والتي اشتهرت بالتكنيك وعزف المقطوعات السريعة. فكل هذه المدارس تقريباً من الممكن عزفها بأسلوب العزف التقني السريع دون الإخلال بالجوهر نفسه وإلا فقدت حلاوة روح العزف وهنا تكمن المنطقة الوسطى بين العزف التقليدي والعزف التقني " .
أصنام المشهد الموسيقي اليمني
لم يكن للنقاش أن يأخذ مجراه لو لم نتطرق للحالة الموسيقية والثقافية في اليمن التي جعلت "الهجري" ينفجر غاضبًا: " إذا كان المتربعين على كراسي المعاهد الموسيقية في اليمن ليس لديهم أدنى مستوى تعليمي موسيقي. وكذلك ليس لديهم أدنى معرفة بالموسيقى فكيف تتوقع أن يكون مستقبل الموسيقى في اليمن؟ والأمر الأكثر مرارة هو أن نفس هؤلاء الأشخاص يكونون في برامج فنية كلجان تحكيم، وأيضا يتم وضعهم في "مسابقات رئيس الجمهورية" كلجان تحكيم. فالوساطة والمحسوبية هي المسيطرة على الساحة هناك بسبب بعض المتسلقين المتاجرين بالفن" ولذلك بنظرة تشاؤمية يرى الهجري أنه ليس من الممكن أن نرى أوركسترا يمنية ولن نرى موسيقيين يمنيين محترفين في اليمن ما دام هنالك مافيا إجرامية تحارب المبدعين والموهوبين داخل اليمن . فالموضوع بالنسبة لهم تجارة مربحة، ولابد من إزالة هذه الشرذمة.
صورة الموسيقى اليمنية في الخارج
ولأن الهجري يعيش في القاهرة مما وفر له الاحتكاك بموسيقيين عرب فنجده لمس حالة من الغرابة والغموض مرافقة للموسيقى اليمنية تارة و حالة من الإعجاب وفقدان للهوية تارةً أخرى، فيعبر عن ذلك قائلا : " للأسف كانت هناك علامة إستفهام كبيرة تجاه الفن اليمني من بعض الموسيقيين، كما أن هناك تجاهل متعمد لهذه المدرسة، والبعض يسميها بالمدرسة الخليجية وأنا أرفض هذه التسمية ولا أقبلها.. لكن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وموقع اليوتيوب، وغيره.. برزت بعض ملامح الفن اليمني، وصار هناك اهتمام واسع من الموسيقيين تجاه الموسيقى اليمنية وخاصة من المطربين وعازفي العود. فهنا في مصر دائماً ما أسمع عبارة (علمني ازاي اعزف/اغني يمني عشان عايز اكل عيش) فجميع الكافيهات والملاهي الليلية هنا والجلسات الخاصة تعتمد على الزبون الخليجي، والخليجيون بشكل عام يطلبون الفن اليمني لأنه أساس للفن الخليجي الحديث فهناك طلبات واسعة على الاغاني اليمنية فأصبح الموضوع فرض واجب عليهم بأن يتعلموا الاغاني اليمنية".
حاولنا أن نجعل الحوار أكثر خصوصية وأن نسأل عازفنا الهجري عن مشاريعه المستقبلية فقال: " لدي العديد من المقطوعات الموسيقية التي ألفتها والبعض مازال قيد التطوير وحرصت جداً على ربط مؤلفاتي الموسيقية بعبق الحضارة اليمنية فألفت مقطوعة "ملوك حمير" واستخدمت فيها ايقاعات تراثية تستخدم في المناطق الوسطى في اليمن بحكم أنها مركز النفوذ للحضارة الحميرية. كما لدي مؤلف متواضع باسم الرقصة السبئية، وفيها إيقاع" رازحي" البدوي. وأيضاً مقطوعة "حوت كل فن" بالإشارة إلى مدينة صنعاء واستخدمت فيها بعض الإيقاعات الصنعانية و مزجتها بموسيقى وإيقاعات غربية. كما أني شاركت في تيدكس تعز بمقطوعة خاصه باسم "شجرة الغريب" المعروفة بأنها أقدم شجرة في شبه الجزيرة العربية وتقع في تعز. وتم شراء المقطوعة من قبل منظمة الصليب الأحمر الدولية وتم توقيع عقد واستخدامها كموسيقى خلفية لفيلم وثائقي عن اليمن باسم Yemen panorama . وهناك ايضاً مقطوعه" قلعه يحصب وشوق" وغيرها من المؤلفات مازالت تحت التطوير." وأما عن أحلامه الشخصية فقال : "حلمي أن تتاح الفرصة للمبدعين في اليمن بدراسة الموسيقى. حلمي أن يتم بناء أربع أكاديميات موسيقية في صنعاء وعدن والحديدة وحضرموت. لكي نستطيع من تدوين تراثنا وحمايته من السرقة. أما أحلامي على الصعيد الشخصي هي: أن أكون أول عازف ومؤلف يمني يقدم مؤلفات موسيقية يمنيه ويقوم بتوزيعها بشكل راقي و يمزجها بالموسيقى الغربية لتكون موسيقى عالمية.
أريد أيضاً أن أوجه رسالة للشعب اليمني: حافظوا على موروثكم الثقافي، لا تتهاونوا بهذه النقطة، فموروثكم هويتكم. وإن خسرت الشعوب موروثها فقدت هويتها. اتركوا النعرات الدينية والمناطقية والسلالية. تعايشوا بسلام ".