ياسين سعيد نعمان سياسي يمني ينتظر عبور بلاده مضيق الحرب
الاربعاء 26 يوليو 2017 الساعة 17:56
العرب

سياسي مخضرم عاصر تطورات المشهد السياسي اليمني جنوبا وشمالا. تولّى العديد من المناصب في جنوب اليمن وأصبح أول رئيس لمجلس النواب اليمني، بعد قيام الوحدة في العام 1990.

وتعرّض لأكبر عدد من محاولات الاغتيال التي سجلت ضد سياسي يمني ونجا منها جميعا، حلل الواقع اليمني المعقد من خلال كتابه “عبور المضيق” قبل أن يغادر صنعاء في العام 2014 ويتخلى عن قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، فيما يشبه الاعتزال السياسي المؤقت قبل أن يعود للواجهة مجددا من خلال تعيينه سفيرا لليمن في بريطانيا.

ولد ياسين سعيد نعمان في مدينة طور الباحة بمحافظة لحج في1947، وبعد إكمال دراسته الأساسية ابتعث لدراسة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة، وواصل مشواره التعليمي حتى حصوله على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جمهورية المجر في العام 1981.

تقلّد نعمان العديد من المناصب في جنوب اليمن منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي وبشكل تسلسلي مثير للدهشة، الأمر الذي يفسر نضجه الإداري الذي عرف عنه، حيث شغل منصب المدير العام لشركة التجارة الخارجية، ثم وكيلاً لوزارة الصناعة عام 1972، فنائبًا لوزير التخطيط، ليتقلد أول منصب وزاري في العام 1982 بعد حصوله على درجة الدكتوراه، حيث تم تعيينه وزيرًا للثروة السمكية، ليضم إلى منصبه الوزاري في العام 1985 منصبا آخر تمثل في تعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء، إلى جانب احتفاظه بحقيبة الثروة السمكية، واختير بعد ذلك بفترة وجيزة كرئيس لمجلس الوزراء وعضو في هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في نوفمبر 1986 عقب الحرب الدامية التي شهدها جنوب اليمن بين أجنحة متصارعة في الحزب الاشتراكي

خطر الموت الداهم

في الجانب الحزبي تدرّج نعمان كذلك في المناصب الحزبية منذ التحاقه مبكرا بالجبهة القومية في منتصف الستينات من القرن العشرين، وفي عام 1980 انتخب عضواً في اللجنة المركزية بالحزب الاشتراكي اليمني وهو المنصب الحزبي الذي استمر فيه لمدة طويلة، حتى تم انتخابه في أعلى سلطة حزبية في جنوب اليمن عقب حرب يناير 1986 عندما أصبح لأول مرة عضوا في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني.

كان نعمان من أبرز قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن التي كانت شغوفة بتحقيق الوحدة بين شطريه. وقد وقّع ممثلا عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك على اتفاقية صنعاء الثانية التي تمت في مايو 1988، والتي تضمنت تسهيل تنقل المواطنين بين شطري اليمن وإلغاء النقاط القائمة على الحدود واستبدال ذلك بنقاط مشتركة، والسماح للمواطنين بالتنقل والمرور عبر تلك النقاط بالبطاقات الشخصية وعدم فرض القيود على المواطنين من قبل الأجهزة في الشطرين.

 
وبعد قيام الوحدة في العام 1990 تم التوافق على ياسين سعيد نعمان رئيسا لمجلس النواب اليمني الموحد وهو المنصب الذي منحه شعبية جماهيرية فائقة تسبب فيها أسلوبه الفريد في إدارة جلسات البرلمان التي كانت تبث مباشرة عبر شاشة التلفزيون الرسمي في ذلك الوقت.

 
وعلى الرغم من تجنبه الخوض بشكل قويّ في الصراع السياسي المتزايد في ذلك الحين بين قيادات الحزب الاشتراكي اليمني من جهة وحزبي المؤتمر الشعبي العام والإصلاح من جهة أخرى، إلا أن حملة الاغتيالات التي طالت القيادات الجنوبية منذ العام 1991 لم تستثن نعمان الذي تعرض لأكبر عدد من محاولات الاغتيال تلك، حيث تعرض منزله في يونيو 1992 في صنعاء لهجوم بقنبلة تسببت في مقتل اثنين من حراسه، وأعقبت تلك المحاولة الفاشلة بأخرى في أغسطس من نفس العام بواسطة قذيفة صاروخية “آر بي جي” استهدفت غرفة نومه، قبل أن يعاود المهاجمون الكرّة في الشهر التالي من خلال زرع قنبلة موقوتة.

 
الخروج من اليمن

 
نتيجة لتفاقم تداعيات الصراع السياسي في صنعاء بين شركاء الوحدة واندلاع حرب صيف 1994 التي انتهت باجتياح قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح لعدن، غادر نعمان كغيره من قيادات الحزب الاشتراكي إلى خارج اليمن، ليستقر به المقام في دولة الإمارات، حيث عمل بالتدريس في إحدى جامعاتها وابتعد بشكل كامل عن الأضواء بعد أن عبّر عن رفضه للحرب ولإعلان انفصال الجنوب من قبل نائب الرئيس علي سالم البيض، وهو الأمر الذي جعله في منأى عمّا عرف بقائمة الـ16 التي تضمنت أبرز قيادات الحزب الاشتراكي وصدر بحقها حكم بالإعدام في العام 2007 قبل أن يتم إلغاء هذا الحكم ذي الطابع السياسي.

 
وقد استمر مكوث نعمان خارج اليمن حتى العام 2003 حيث بدأ يتردد عليه قبل أن يعود بشكل نهائي في العام 2005 قبيل انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي اليمني، وهو المؤتمر الذي تم انتخابه فيه أمينا عاما للحزب.

 
يشار هنا إلى أن نعمان بالرغم من مكوثه خارج اليمن منذ العام 1994 إلا أنه لم يقطع صلته بالحزب الاشتراكي الذي زكّاه في مؤتمره العام الرابع غيابيا كعضو في اللجنة المركزية للحزب إلى جانب أكثر من 41 من قيادات الحزب الذين غادروا اليمن بعد حرب العام 1994.

 
حملة الاغتيالات التي طالت القيادات الجنوبية منذ العام 1991 لم تستثن نعمان الذي تعرض لأكبر عدد من محاولات القتل، حيث تعرض منزله بصنعاء لهجوم بقنبلة تسببت في مقتل اثنين من حراسه، وفي أغسطس من نفس العام تمت مهاجمته بقذيفة صاروخية استهدفت غرفة نومه، قبل أن يعاود المهاجمون الكرة في الشهر التالي من خلال زرع قنبلة موقوتة

السنوات حتى العام 2010 مرحلة اتسمت بالهدوء النسبي في حياة نعمان الذي تفرغ للعمل التنظيمي وقام بإعادة بناء مؤسسات الحزب الاشتراكي اليمني كما ساهم بدور مهم في تصعيد الضغط على الرئيس السابق علي عبدالله صالح عبر تكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي ضم أبرز أحزاب المعارضة في ذلك الوقت ومن بينها الحزب الاشتراكي.

 
كما تولّى نعمان خلالها الرئاسة الدورية للقاء المشترك في العام 2011 الذي شهد الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق والتي كان اللقاء المشترك رافعتها الرئيسية وانتهت بتنحي الرئيس صالح عن السلطة.

 
مرحلة عاصفة

 
توصف المرحلة التي تلت العام 2012 بأنها من أكثر السنوات تعقيدا في المشهد السياسي اليمني وهو ما انعكس بصورة مباشرة على نعمان ودوره كرئيس لواحد من أهم أحزاب المعارضة اليمنية، وإضافة إلى أعباء وتعقيدات الاحتجاجات التي عمّت الشارع اليمني تصاعدت في المقابل مطالب الانفصال في جنوب اليمن، وهو ما هدّد بحدوث انشقاقات كبيرة في الحزب الاشتراكي نتيجة المطالب التي تصاعدت بداخلة باتخاذ موقف مؤيد لمطالب فك ارتباط الجنوب بالوحدة.

 
كما شهدت تلك الفترة عودة محاولات الاغتيال التي استهدفت ياسين سعيد نعمان، حيث نجا في أغسطس 2012 من محاولة اغتيال عندما فتح جنود النار عليه في نقطة مستحدثة داخل العاصمة صنعاء.

 
وفي خضم مشاركته في فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الذي كان نائبا لرئاسته، تعرض لمحاولة اغتيال أخرى في ديسمبر 2013 بواسطة إطلاق رصاص على سيارته من قبل قناص اختبأ في منارة الجامع القريب من منزله.

 
ومجددا استشعر ياسين سعيد نعمان تعقيدات الوضع اليمني وحجم الضغوطات والمخاطر التي أحاطت به، وهو ما جعله يقدم على خطوة مفاجئة في مطلع العام 2014 حين غادر اليمن إلى بريطانيا، تاركا رسالة لقيادات الحزب الاشتراكي اليمني أبلغهم فيها باتخاذه هذا القرار للتفرغ لمتابعة وضعه الصحي، وتكليفه للقيادي في الحزب أبوبكر باذيب بالقيام بمهامه كنائب لرئيس مؤتمر الحوار الوطني.

 
الحوثيون يحتلون صنعاء

 
لم يعد نعمان خلال تلك الفترة للعمل السياسي إلا في مايو 2015 وهي الفترة التي كان فيها الحوثيون قد سيطروا على العاصمة صنعاء، ومن مقر إقامته في الرياض أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارا بتعيين نعمان سفيرا لليمن لدى المملكة المتحدة وأيرلندا، وهو المنصب الذي لازال يشغله حتى اليوم.

 
عقب استقراره في لندن كسفير لليمن اكتفى نعمان بممارسة عمله الدبلوماسي إضافة إلى كتابة بعض المقالات القصيرة عن الحالة اليمنية.

 
وقد تعرض لحملة إعلامية اتهمته بعدم القيام بما ينبغي منه كسفير في المحافل الدولية للدفاع عن الشرعية وكشف جرائم وانتهاكات الحوثيين وهو ما رد عنه بمقال تحت عنوان “ماذا يعمل السفير؟” دافع فيه عن نفسه وسرد الصعوبات التي تواجه عمله كسفير والأعمال التي قام بها منذ تعيينه.

 
كتابه "عبور المضيق" يحلل فيه نعمان المشهد اليمني بدقة، أصدره في صنعاء قبل أن يغادرها في العام 2014 ويتخلى عن قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، في ما يشبه الاعتزال السياسي المؤقت قبل أن يعود للواجهة مجددا من خلال تعيينه سفيرا لليمن في بريطانيا

لنعمان الكثير من الرؤى والتنظيرات تجاه الواقع اليمني، قدم تحليلا لبعضها في كتابه “عبور المضيق: في نقد أولي للتجربة ” يقول فيه “لا أحد يستطيع أن يهبنا ‘وطنا’ ما لم تكن الحوافز لدينا للوصول إليه أقوى مما في معادلة الحياة من تحديات، وما لم نكن مستعدين للعمل الجاد من أجل الوصول إليه؛ ذلك الاستعداد الذي تحركه دوافع أن نعيش ونحيا بكرامة، بعيداً عن ضغوط الهجرة وجراح الترحيل. آباؤنا وهبونا بلدا، جغرافيا، نعيش عليه وننتمي إليه. أما تحويله إلى ‘وطن’ فقد بقي مهمة نتوارثها، وحانت فرصة تحقيقها. هذه الفرصة لا يجب أن تهدر فوق ما أهدر من فرص. لا أحد يملك القدرة على منعنا من تحويل بلدنا إلى ‘وطن’، كبقية خلق الله الذين سبقونا إلى ذلك. وحتى حينما يتعارض مفهوم هذا الوطن مع ما كرّسه الاستبداد من مصالح فاسدة، وأنماط اقتصادية طفيلية، وثقافة تبريرية منهكة لحوافز التغيير، وبنى اجتماعية مشوهة؛ وكلها تقاوم هذا التحول؛ فإن هذا الغث كله غالباً ما يفضي إلى خلق القوة المناهضة له في الجانب الآخر من المشهد. إنها القوة التي ستتحمل تحقيق هذه المهمة. من هي هذه القوة في الحالة اليمنية؟”.

 
وفي توصيف آخر له عن جذور الأزمة اليمنية يرى ياسين سعيد نعمان أن السياسة شُوّهت في اليمن إلى حد بعيد حتى أن “كلّ من سيطروا على القرار السياسي مارسوا عملية الاحتيال، وهربوا من الدولة إلى السلطة وأقاموا السلطة التي أتقنت قمع الدولة لتواصل بعد ذلك قمع المجتمع".

 
ويعتبر نعمان النخب السياسية مسؤولة عن فشل الوحدة قائلا “إن النخب السياسية وأنا واحد منهم فشلنا في الوحدة والآن يجب أن يكون لهذا الشعب رأي في الوحدة”.

 
كما أن له العديد من المقالات والتصريحات التي يحذّر فيها من صراع الهويات والطائفية ودور إيران في تأجيجها، حيث قال في تصريحات صحافية “إن إيران تحاول تفكيك الدولة الوطنية في اليمن وإعادة بنائها على أسس طائفية”، مضيفا أن “مشروع تكسير الدولة الوطنية العربية يجري على قدم وساق وتتولاّه إيران بالأصالة عن نفسها ونيابة عن آخرين”.

 
إضافة إلى كتاباته السياسية والفكرية فإن لنعمان مساهمات أدبية لافتة، حيث صدرت له في العام 2010 رواية بعنوان “جمعة” تحكي قصة امرأة اسمها هو عنوان الرواية، في واقع اجتماعي يسوده التخلف والنظرة الدونية إلى المرأة.

متعلقات