معين عبدالملك رئيس الوزراء اليمنى فى حوار الساعة مع «الأهـرام»: مصر تقف دائما إلى جانب الشعب اليمنى وخياراته وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال.. لا مجال للحل إلا بمعالجة جذور الأزمة.. والتدهور الاقتصادى أحد تداعيات الحرب
الاربعاء 13 اكتوبر 2021 الساعة 18:39
متابعات-الاهرام:
جدد رئيس الوزراء اليمنى معين عبدالملك، دعوته للمجتمع الدولى، إلى سرعة العمل على إيجاد وسائل ضغط حقيقية وحازمة، بما فيها فرض عقوبات على ميليشيا الحوثى وداعميها، لوقف الخطر الذى باتت تمثله تلك الميليشيا الانقلابية، على الإقليم، وممرات الملاحة الدولية والتجارة العالمية، مشيرا إلى أن ما يجرى فى اليمن خلال الفترة الأخيرة، يؤكد أن السيطرة على مضيق باب المندب، بات هدفا رئيسيا تسعى إيران من خلاله، إلى ابتزاز المجتمع الدولى، والمساومة فى مفاوضاتها على الملف النووى وملفات أخرى، ضمن مشروعها التوسعى فى المنطقة.
وقال عبدالملك فى حوار مع «الأهرام» خلال زيارته الأخيرة القاهرة، إن حكومته لن تقف عائقا أمام أى جهود حقيقية تبذل، من أجل إحلال السلام فى اليمن، مشيرا إلى أن الحوثيين قابلوا كل التنازلات التى قدمتها حكومته خلال الفترة الماضية، من أجل حل الأزمة اليمنية، بالتعنت والرفض، وأنهم لم يكونوا جادين ولا صادقين، فى كل محاولات وجولات التفاوض السابقة، وأن أى حل سياسى لا ينطلق من المرجعيات الثلاث، المتوافق عليها محليا والمؤيدة إقليميا ودوليا، والمتمثلة فى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى، وقرارات مجلس الأمن وفى مقدمتها القرار 2216، لن تؤدى إلى سلام مستدام، وحذر من أن أى قفز على تلك المرجعيات الثلاث، من شأنه أن يؤسس لمرحلة صراعات جديدة ودامية.
وثمن عبدالملك الدور الكبير الذى تلعبه مصر، من أجل حل الأزمة اليمنية، سواء بتحركاتها المنفردة، أو ضمن تحالف دعم الشرعية، مشيرا إلى أن هذا الدور يتسق تماما، والتاريخ النضالى الحافل لمصر فى اليمن، وهو التاريخ الذى امتزجت فيه دماء الشعبين الشقيقين على مر التاريخ الحديث.
وإلى نص الحوار:
تؤكد مصر دائما ضرورة أن يلبى الحل السياسى للازمة اليمنية، طموحات الشعب اليمنى، عبر إنفاذ إرادته الحرة، وينهى التدخلات الخارجية فى الشأن الداخلى اليمنى، كيف تنظرون إلى الدور المصرى تجاه اليمن فى أزمته الأخيرة؟
نحن نؤمن بأن مصر تمثل ركيزة مهمة فى دعم الاستقرار الإقليمى، وركيزة أساسية فى الحفاظ على أمن الملاحة فى البحر الأحمر، ومضيق باب المندب باعتباره أحد أهم ممرات التجارة العالمية، ولا يخفى على أحد أيضا مواقف مصر الراسخة، بشأن دعم استقرار ووحدة وسلامة الأراضى اليمنية، وهى المواقف التى يعبر عنها دوما فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، والحقيقة أن هذه المواقف ليست وليدة اللحظة، لكنها امتداد لمواقف مصر التاريخية تجاه اليمن، منذ قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، فمصر دائما تقف إلى جانب الشعب اليمنى وخياراته وتطلعاته فى الحرية والاستقلال، ولن ينسى اليمنيون المواقف القومية والعروبية لمصر، من خلال دعمها وإسنادها العسكرى والسياسى واللوجيستى غير المحدود، لثورتى 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، حيث امتزج الدم اليمنى بدماء الجنود المصريين، دفاعا عن الثورة والنظام الجمهورى، والمساعدة فى الانتقال إلى الدولة الحديثة، بإنشاء المدارس وانطلاق نظام تعليمى حديث، عبر ابتعاث الخبراء المصريين للمساعدة فى تأسيس المنشآت وتشغيلها، والحقيقة أيضا أن مصر وقفت إلى جوار اليمن، فى كل ما يتعلق بنقله وإخراجه من عصور الظلام، وهى مواقف ستظل خالدة فى ذاكرة ووجدان الشعب اليمنى، ومحل فخر واعتزاز كل اليمنيين.
وفى المعركة المصيرية التى تخوضها اليمن حاليا، ضد المشروع الإيرانى، وإنهاء الانقلاب الحوثى، كان موقف مصر واضحا من رفض التدخل الإيرانى فى اليمن، عبر مشاركتها فى تحالف دعم الشرعية، الذى تقوده المملكة العربية السعودية الشقيقة، وقد حرصت مصر دائما، على وحدة اليمن وسلامة واستقرار أراضيه، وكل هذه المواقف تأتى انطلاقاً من تطابق المصالح القومية والاستراتيجية للشعبين والدولتين اليمنية والمصرية، ووحدة المصير والمخاطر التى تتهدد أمننا القومى المشترك، ونحن حريصون على التنسيق والعمل ضمن رؤية موحدة لمجابهة هذه التحديات، وفى مقدمتها التدخلات الإيرانية التخريبية التى دمرت عدداً من الدول العربية، والحقيقة أيضا أن هذه المواقف نابعة من دراية وإدراك عميق لجوهر المشكلة وطبيعة الحل السياسى، الذى يؤسس لسلام دائم وشامل فى اليمن، ونحن لا ننسى هنا أن ننوه، بما تقدمه مصر، بتوجيهات قيادتها الحكيمة، من تسهيلات ومزايا لليمنيين المقيمين على الأراضى المصرية، وحرصها على تقديم المزيد من هذه التسهيلات فى جميع الجوانب، بما ينسجم مع خصوصية العلاقات التاريخية بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، وبالمقابل نحن فى اليمن، نبادل مصر الوفاء بالوفاء، ونقف مع قيادتها فى كل ما تتخذه من إجراءات، للحفاظ على أمنها القومى، بما فى ذلك حماية حدودها وكل ما يهدد أمنها، الذى يعد أساسيا للحفاظ على الأمن القومى العربى، ودعمنا أيضا لكل الإجراءات التى تتخذها مصر للحفاظ على الاستقرار فى ليبيا وحماية أمنها القومى، وكذا فى موضوع سد النهضة وعدم تأثر حصتها من مياه النيل، ولدينا تنسيق عالى المستوى فى جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك على المستوى الوطنى والإقليمى والدولى.
كيف تقيمون الأوضاع فى اليمن الآن، فى ضوء معارك مأرب الأخيرة، وما هى أبرز ملامح الدور الذى تلعبه حكومتكم فى إنهاء الحرب وعودة اليمن السعيد؟
لا يخفى على أحد أن اليمن يمر اليوم بمرحلة صعبة للغاية، فنحن نواجه فى هذه المرحلة تحديات اقتصادية وخدمية وأمنية وإنسانية كبيرة، وهى ناجمة عن تراكم سنوات من الحرب، التى أشعلتها ميليشيا الحوثى الانقلابية، وما خلفته من تعقيدات فى جميع المجالات، والحكومة بطبيعة الحال لا تملك عصاً سحرية لمعالجتها بين عشية وضحاها، وهو ما يستوجب توافق وتكاتف كل القوى للخروج من هذا الوضع، وأن يعمل الجميع لتأمين حضور الدولة، وتفعيل مؤسساتها للقيام بمهامها، والمضى قدما فى استكمال مسار تنفيذ اتفاق الرياض بكل جوانبه، بما يخدم وحدة الصف الوطنى وتسخير الجهود لهزيمة المشروع الإيرانى فى اليمن واستكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
والهم الأكبر لكل اليمنيين اليوم، يتعلق بهذا التراجع الكبير لسعر العملة الوطنية، الذى يؤثر بشكل كبير على حياة كل اليمنيين، وهذا الوضع يعود بالأساس إلى ارتفاع كلفة الحرب، وإجراءات الحوثيين وسياستهم الممنهجة لتدمير الاقتصاد الوطنى، واستخدامه كورقة ابتزاز سياسية لتعميق مأساة الشعب اليمنى، مع استمرارهم فى نهب الموارد العامة، فضلاً عن شح مصادر النقد الأجنبى، وقد اتخذت الحكومة اليمنية حزمة من الإجراءات، جار العمل عليها، لتصحيح مسار الاقتصاد الوطنى وضبط سوق الصرف، ومنع المضاربة على العملة، وتفعيل أدوات السياسة النقدية، وتعزيز الإيرادات وترشيد الإنفاق، وتعزيز مبدأ المسألة والنزاهة ومكافحة الفساد، لكن فى المقابل هناك حاجة ملحة لإيجاد مسار إقليمى ودولى عاجل، لدعم إجراءات الحكومة وخططها لتحقيق الاستقرار الاقتصادى، وتفادى تبعات اتساع الكارثة الإنسانية.
يتعرض اليمن حاليا لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية فى العالم، فكيف تنظر الى الدور المطلوب من المجتمع الدولى لحل تلك الأزمة؟
الوضع الإنسانى الصعب، والتدهور الاقتصادى الذى يمر به اليمن اليوم، هما أحد تداعيات الحرب التى شنتها ميليشيا الحوثى الانقلابية، ولا مجال لمعالجة الأزمة الإنسانية، إلا بمعالجة جذورها، من خلال استعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب، وتحقيق السلام، لكن للأسف ميليشيا الحوثى غير جادة فى السلام، وهى مستمرة بدعم من إيران، فى مسار العنف والحرب والتصعيد ضد الشعب اليمنى، وفى استغلال الوضع الإنسانى لابتزاز المجتمع الدولى، وفى هذه المرحلة يظل الاستقرار الاقتصادى هو الخيار المتاح للتخفيف من المعاناة الانسانية، وبدون دعم الاقتصاد لن تستطيع التدخلات الإنسانية معالجة أو إيقاف التدهور القائم، وهو ما يستوجب تخصيص جزء من الدعم الإنسانى لمسار التنمية، وإيجاد فرص العمل وتحسين سبل العيش، وهو ما يفرض ضرورة تدخل شركاء اليمن من الأشقاء والأصدقاء، بدعم اقتصادى مباشر للحكومة، كما فعل الأشقاء فى المملكة العربية السعودية فى العام 2018، حيث كان تدخلهم بتقديم وديعة مالية للبنك المركزى بقيمة مليارى دولار، هو الأساس فى تخفيف حدة الأزمة الإنسانية، واستقرار الاقتصاد الوطنى خلال الأعوام الماضية.
لم يعد المواطن اليمنى يثق بنجاح التسويات بعد أن اختبر الكثير منها، برأيك ما الذى أفضى إلى تلك النتيجة المؤلمة؟
للمواطن اليمنى كل الحق فى ذلك، انطلاقا من التجارب السابقة مع ميليشيا الحوثى الانقلابية، التى نقضت عشرات الاتفاقات ولم تلتزم بها، كما أن عمليات التسوية السياسية التى رعتها الأمم المتحدة، منذ مشاورات «بيل» السويسرية، مرورا بمشاورات الكويت، وصولا إلى مشاورات السويد كانت محبطة ومخيبة للآمال وأفقدته الثقة بمسار السلام، والحقيقة أن كل ما تم التوصل إليه من اتفاقات، وتدابير لبناء الثقة وإبداء حسن النوايا، وكل ما تم طرحه من مبادرات لوقف إطلاق النار، واستئناف عملية السلام، اصطدم برفض وتعنت ميليشيا الحوثى، المرتهنة لإيران وأجندتها التخريبية فى المنطقة، وما زاد حالة الإحباط، هو التغاضى الأممى والدولى حيال هذا التعنت، والرفض من قبل الميليشيات، والذى كان يستوجب موقفا حازما، وتحديد الطرف المعرقل للحل السياسى بوضوح، كون استمرار استخدام لغة سياسية مرنة، لن تجدى فى دفع الحوثيين للقبول بالسلام، والتخلى عن العنف والممارسات الإرهابية.
هل ما زالت الحكومة اليمنية متمسكة بالمرجعيات الثلاث المتعلقة بمخرجات الحوار الوطنى، والمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن، أم من الممكن النقاش حولها؟
موقفنا فى الحكومة من هذه المسألة ثابت، فنحن نرى أن أى حل سياسى لا ينطلق من المرجعيات الثلاث، المتوافق عليها محليا والمؤيدة إقليميا ودوليا، والمتمثلة فى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى، وقرارات مجلس الأمن وفى مقدمتها القرار 2216، لن تؤدى إلى سلام مستدام، وأى قفز عليها يؤسس لمرحلة صراعات جديدة، وخلال لقائى المبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس جروندبرج الأسبوع الماضى، بالعاصمة المؤقتة عدن، أكدت له رغبتنا الصادقة بالسلام، وإيقاف الحرب، وفق مرجعيات الحل السياسى الثلاث، وأننا سنتعامل بإيجابية كاملة مع أى جهد يسعى لتحقيق السلام، ولكنه السلام المستدام والحقيقى، الذى يذهب لمعالجة أصل المشكلة بإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة الضامنة لحقوق كل شرائح وأبناء المجتمع اليمنى.
تواجه الحكومة تحديات داخلية كثيرة، وفى مقدمتها ملف تحسين الأوضاع المعيشية والخدمية للمواطنين، ومواجهة أزمة كورونا، إلى أى مدى واجهتهم تلك التحديات؟
نحن أمام تحديات مصيرية، تتعلق بوجود ومستقبل الوطن وهويته العروبية، وحاضر ومستقبل أبنائه، مع استمرار الانقلاب الحوثى المدعوم إيرانيا، وهذه التحديات لا تتوقف عند حد الجوانب المعيشية والخدمية والصحية، لكننا فى الحقيقة أمام تحديات مضاعفة ومركبة، لكننا لم نستسلم يوما، فنحن نعمل بكل عزيمة وإرادة، على معالجتها وفق الإمكانات المتاحة، ونحن على ثقة ان الحكومة لن تكون وحيدة فى معركة إعادة الحياة، فدول كثيرة من أشقائنا وأصدقائنا، وفى مقدمتها دول تحالف دعم الشرعية، ستضع يدها فى يدنا لتجاوز التحديات ومعالجتها وفق مبدأ الأولويات الملحة.
ولقد عملنا فى الحكومة، على اتخاذ عدة تدابير لعدم الوصول إلى الانهيار المالى والاقتصادى الشامل، كما كان متوقعا، ولم نستسلم للواقع المرير الذى ورثناه، فسعينا بكل قوة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية، ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، وكل ذلك أسهم فى تخفيف وطأة الأوضاع الإنسانية، رغم صعوبتها، وقد كانت على درجة من الصعوبة، بأنها كانت من الممكن ان تتحول بدون الإجراءات التى اتخذتها الحكومة إلى وضع كارثى.
هل وجدت نداءاتك فى مؤتمر المانحين لليمن فى مارس الماضى، ومطالبتك دول العالم بالدعم الإغاثى والاقتصادى صدى إيجابيا خاصة فى ظل أزمة كورونا؟
فى الحقيقة، لم تكن التعهدات الدولية لتمويل خطة الأمم المتحدة، للاستجابة الإنسانية فى اليمن للعام الجارى، بمستوى الآمال والتطلعات، فما تم حشده خلال مؤتمر المانحين كان اقل من نصف المبلغ المطلوب، المقدر بنحو 3.85 مليار دولار، والفجوة التمويلية للأسف لا تزال كبيرة، وهو ما يوجب على الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة فى اليمن، التفكير بطريقة أكثر فاعلية فى التعامل مع المساعدات للاستفادة منها بشكل أكبر فى التخفيف من حدة المأساة الإنسانية. نحن بحاجة لاستثمار المساعدات الإنسانية بصورة أكثر كفاءة، وألا يتم التسامح إطلاقا مع إهدارها أو نهبها أو حرفها عن مسارها ووصولها لمستحقيها، وأن نعطى اليمنيين أملا بتخصيص جزء من الدعم للمسار التنموى القادر على مساعدة المجتمعات المحلية لتجاوز الأزمة الإنسانية.
هل ترى أن البنية التحتية الصحية فى اليمن، قادرة على التعامل مع انتشار وباء كورونا، وما هو حجم المساعدات الذى يتلقاه اليمن فى هذا الجانب؟
جائحة كورونا مثلت لنا فى الحكومة تحديا كبيرا، خاصة أن الأنظمة الصحية لعدد من الدول المتقدمة واجهت صعوبات كبيرة عند بداية تفشى الوباء، وكان الباب فى اليمن مفتوحا على أسوأ الاحتمالات، فالقطاع الصحى كان منهاراً بالفعل، ومعظم المستشفيات والمراكز الصحية خارج الجاهزية، لكن بفضل الله وتضافر الجهود، استطعنا التعاطى بمسئولية عالية مع هذه الجائحة، وتم تشكيل لجنة عليا للطوارئ، واتخاذ جملة من السياسات والإجراءات الوقائية والاحترازية، وتكوين فرق صحية للعمل فى المنافذ المختلفة، وتجهيز مراكز للعزل، ورصد ميزانيات لدعم القطاع الصحى، والعمل مع الشركاء الدوليين لتوفير الاحتياجات الضرورية، وهذا أسهم بتجاوز الموجتين الأولى والثانية واحتواء الموجة الثالثة.
واليوم قدراتنا الصحية فى مواجهة كورونا أفضل، فقد أصبحت لدينا الخبرة المتراكمة من خلال تجربتنا وتعاطينا مع الموجات السابقة، لدينا الآن مراكز للعزل فى جميع المحافظات المحررة، وفرق صحية وطواقم طبية متدربة ومؤهلة للتعامل مع أى موجة تفش محتملة، لكن فى المقابل من المهم استمرار التركيز على دعم القطاع الصحى كأولوية، ودعم توفير اللقاحات، ونحن على تواصل مع منظمات الأمم المتحدة، وشركائنا الدوليين لاستمرار تقوية قدرات القطاع الصحى وتوفير اللقاحات اللازمة وفق الالتزامات المعلنة، حيث تم حتى الآن استقبال قرابة مليون جرعة من اللقاح عبر «مبادرة كوفاكس»، وهناك دفع جديدة من اللقاحات ستصل تباعاً، لكنها تظل غير كافية فى بلد يمر بظروف صعبة ويتجاوز عدد سكانه 30 مليون نسمة.
كيف تقيّم دولتكم الدور الذى لعبه تحالف دعم الشرعية من أجل اليمن، وكيف تنظرون إلى التضحيات التى قدمها التحالف فى تلك الأزمة؟
لا يمكن للشعب اليمنى أن ينسى الوقفة النبيلة والشجاعة، للأشقاء فى تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى جانبه فى معركته المصيرية والوجودية، ضد ميليشيا الحوثى الانقلابية المدعومة من إيران، وهى محل تقدير واعتزاز كل اليمنيين، وتجسيد صادق لروابط الأخوة والجوار ووحدة المصير المشترك، لقد كانوا لنا على الدوام السند الأصيل، تضحياتهم العظيمة والمخلصة لم تقتصر على الدور العسكرى، استجابة لنداء الواجب الأخوى والقومى العربى لإنقاذ اليمن وشعبه من براثن المشروع التخريبى الإيرانى، بل امتدت لتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة للشعب اليمنى من أجل التخفيف من التداعيات الإنسانية الكارثية الناجمة عن الحرب التى أشعلها الانقلابيون الحوثيون.
هذه الجهود متواصلة ومستمرة، والتطلعات معقودة لتقديم المزيد من العون والدعم السخى للحكومة فى هذه المرحلة لتحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى وتحسين الخدمات، وكذلك فى الجوانب العسكرية حتى استكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
كيف تنظرون إلى دور الوساطة الذى تقوم به سلطنة عمان، فى وقف إطلاق النار فى اليمن؟
نحن فى الحكومة مع أى جهد إقليمى أو دولى، يستهدف إنهاء الحرب فى اليمن، وإحلال السلام العادل والمستدام على أساس المرجعيات الثلاث، وقد قدمنا فى سبيل ذلك الكثير من التنازلات، انطلاقاً من مسئوليتنا الوطنية تجاه الشعب اليمنى والتخفيف من معاناته، جراء الحرب التى أشعلتها الميليشيات الانقلابية، لكن للأسف الميليشيا الحوثية قابلت كل ذلك بالتعنت والرفض، والمزيد من التصعيد العسكرى واستهداف المدنيين ومخيمات النازحين، إضافة إلى الأعيان المدنية فى السعودية، لأنها جماعة غير مؤهلة للسلام، بسبب طبيعتها القائمة على العنف وارتهانها لأجندة المشروع التخريبى الإيرانى الهادف لزعزعة الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية وتهديد الملاحة الدولية فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
هل لا تزال المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل لحل سياسى شامل قائمة حتى الآن؟
هذه المبادرة تعكس حرص الأشقاء فى المملكة العربية السعودية، على تحقيق السلام فى اليمن، ونحن فى الحكومة رحبنا بها، وكررنا مرارا بأننا لن نكون عائقا أمام أى جهود حقيقية وجادة للمضى نحو السلام المستدام، الذى ينشده أبناء الشعب اليمنى. مع العلم بأن معظم النقاط التى تضمنتها مبادرة الأشقاء فى المملكة، طُرحت فى وقت مبكر، وطُرحت أيضاً من قبل الحكومة، لم تكن لدينا مشكلة بفتح مطار صنعاء بآليات معينة، وبالترتيب لدخول المشتقات مع دفع المرتبات لموظفى الدولة فى مناطق سيطرة الميليشيات، قدمنا أكثر من مبادرة خلال السنوات الماضية فى هذا السياق، لكن الإشكالية ظلت دائما فى تعنت الحوثيين ورفضهم لكل المبادرات، نحن لا نتعامل الآن مع قوة سياسية بل قوة متطرفة عنصرية تمارس الإرهاب ولا تؤمن بالسلام .
هل تعتقد أن التصعيد الحوثى يؤكد عدم رغبته فى الاستجابة للضغوطات الدولية المتنامية التى تقودها الولايات المتحدة؟
بالتأكيد وتيرة الحرب الحوثية يحكمها مشروع الحركة، ومخططاتها ووصايا داعميها فى النظام الإيرانى، وهى تمضى فى حربها ولا تعير اهتماماً لأى دعوات أو ضغوطات دولية أو أممية، ومثلما تتابعون الاستهدافات الحوثية المتكررة للمدنيين والنازحين، والمجازر التى ارتكبتها فى مأرب وغيرها، وارتفعت وتيرتها بشكل ملحوظ مؤخرا، والحصار الخانق الذى تفرضه على عشرات الآلاف من المدنيين فى مديرية العبدية بمحافظة مأرب، واستمرار حصارها لمدينة تعز واستهداف ميناء المخا التجارى، وكذا استهدافها للأعيان المدنية والمطارات فى المملكة العربية السعودية، كل هذه مؤشرات واضحة على مضى وإصرار هذه الميليشيا الإرهابية فى طريق الحرب وسفك المزيد من الدماء.
ونحن إلى الآن، لا نرى الضغوط الدولية كافية لحمل هذه الميليشيات على ارتياد طريق السلام، فغياب رغبة الحوثيين فى السلام لا يحتاج إلى عناء لإدراك سببه؛ فببساطة متناهية، غياب هذه الرغبة انعكاس لطبيعة الحركة التى تأسست بالعنف المطلق وتتغذى عليه، ولو أنها ترغب فى السلام أو تؤمن به لما أشعلت الحرب ابتداء او انقلبت بقوة السلاح على السلطة الشرعية وجميع التوافقات السياسية التى توصل إليها اليمنيون حينها.
قاربت الحرب اليمنية على سبع سنوات، فهل نرى بوادر انفراج وإمكانية الاقتراب من التوصل إلى وقف إطلاق النار، ثم البدء فى التفاوض من أجل الاتفاق على تسوية سياسية بين الأطراف المتنازعة؟
ما يجرى على الأرض لا يبشر بذلك، وما يمارسه الانقلابيون الحوثيون فى الوقت الحالى هو التوسع فى حربهم على أبناء الشعب ومناطقه وشن حرب اقتصادية موازية عليهم وتكريس فصل الاقتصاد الوطنى ومواصلة اعتقال المعارضين السياسيين والصحفيين وأصحاب الرأى وارتكاب جرائم ضد حقوقهم فى المعتقلات وتنفيذ إعدامات بالجملة بحقهم، وكل هذه الأفعال التى أرد بعضها للتمثيل فقط لا تشير إلى أن الحوثيين يقتربون من خيار السلام، بل يزدادون بعداً عنه مع مرور الوقت.
والسلام لا يتحقق إلا باقتناع جميع الأطراف، بأن الحوار هو الطريق الوحيد لتحقيق المصالح المشروعة، ومن البديهى استصعاب ذلك فى حالتنا، حيث هناك فريق واحد يجلس إلى مائدة السلام، ويرغب فى السلم وينادى به، ويقدم التنازلات من أجله، بينما الفريق الآخر يهاجم المدن والمناطق ويقصف الأحياء السكنية بمختلف أنواع الأسلحة ويستهدف دول الجوار.
هل تعتقد أن التسوية التفاوضية ستكون النتيجة الأفضل - أو الأقل سوءا - للمأساة فى اليمن؟ وهل يتطلب ذلك اتخاذ خيارات صعبة؟
من المؤسف أن المأساة قد حلت، لكن إذا كانت التسوية ستضع حداً لهذه المأساة وتفتح باباً للملمة التشظيات، واستعادة وجه الوطن وروحه ودولته، فهى بالطبع منحى أقل سوءا وأقل كلفة، إنما بالتأكيد ليست تسوية بأى ثمن، بل التسوية التى فى صدارة وظائفها استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، والمحكومة بالمرجعيات الوطنية والدولية المعتمدة.
وبالتأكيد فإنك حين تمد يدك للسلام إلى جماعة انتهجت القتل، وتشن الحرب على الشعب وتقوض الدولة وتتسبب فى تشريد ملايين المواطنين، هو خيار صعب بحد ذاته، ورغم ذلك ترى كم نحن منفتحون على هذا الخيار إذ كان سينطوى على وقف المأساة الإنسانية، واستعادة الدولة ووقف التدمير الضخم الذى ألحقته الميليشيا الانقلابية وحروبها بحاضر اليمن ومستقبله.
تشتد المعركة فى مأرب بين الجيش اليمنى وجماعة الحوثيين، فهل تتفق أن هذه المعركة سوف تحدد مسار الحرب فى اليمن؟
إلى حد كبير هى كذلك، ومن هنا يمكن لكم فهم لماذا ترسل عصابة الانقلاب الحوثية المسلحة عشرات الآلاف من المغرر بهم، طوال الثمانية الأشهر الماضية، فى مسعى خائب للنيل من مأرب وتحقيق نصر معنوى أو ميدانى ولكنها تمنى بالخيبات والهزائم يومياً، ومجدداً أقول إن كل إمكاناتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية مسخرة للدفاع عن مأرب، وكل شبر غير محرر فى الوطن، والتصدى لعدوان الانقلابيين الهمجى، ولا يملك أى منا إلا أن يفخر بوقفة قبائل مأرب وقيادتها المحلية وسائر مواطنيها وبالتفاف من غالبية الشعب اليمنى، الذين يلهمون بكفاحهم وتصديهم لعصابات المعتدين كل أحياء اليمن وقراها، وفى الوقت نفسه يستنهضون كل إخوانهم إلى الإسهام فى مجابهة هذا الخطر.
هل ترى أن التطورات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن تلقى بظلالها على الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب؟
التغيرات هذه التى يشير إليها سؤالك صنعتها سياسات الدول وقرارات ساستها لتحقيق مصالح بلدانهم واستراتيجياتها، وفى رأيى علينا أن نصنع تصوراتنا الخاصة بنا سواء فى المنطقة العربية أو فى اليمن تحديداً إذا أردنا تحقيق ما هو أفضل لقضايانا، وهذا بالطبع لا يعنى العزلة عن تغيرات المنطقة وعدم الاستفادة مما يصب فى خدمة قضايانا، ولكن أعنى عدم تعليق مصائرنا بالتطورات التى تصنعها القوى المتنافسة فى منطقتنا ومن حولنا، ففى ميدان السياسة ومصالح الدول ليس هناك هبات ولا إسداء مصالح وأدوار لأى أحد بدافع الإحسان أو الود.
نحن سنفعل المهم لقضيتنا بما فى ذلك الاستفادة من أى تطورات، مع الحفاظ على ثبات مبادئ سياستنا الخارجية وثوابتنا فى كل الأحوال.
كيف تنظر إلى الخطوة التى اتخذتها إدارة الرئيس بايدن بتعيين مبعوث خاص لها إلى اليمن، وهل يعنى ذلك دخول الولايات المتحدة على المسار الدبلوماسى لإنهاء الحرب؟
إدارة الرئيس جو بايدن باشرت ولايتها، بينما كان حماسها بادياً بالفعل لدفع المسار السياسى واختراق حالة الحرب وصولاً إلى إنهائها، وقد تعاطينا فى الحكومة بجدية مع مساعى المبعوث الأمريكى، ورحبنا بتعيينه ووعدنا بتقديم كل الدعم اللازم لأداء مهمته، لكن لو وقفنا اليوم لتقييم الفترة الماضية والمساعى المبذولة بما فيها جهود الولايات المتحدة، نجد انها تراوح مكانها نتيجة تعنت الميليشيات الانقلابية وفهمها الخاطئ للرسائل الدولية التى صاحبت تلك الجهود، الامر الذى يستوجب التفكير بجدية فى إيجاد وسائل ضغط حقيقية وحازمة، من قبل المجتمع الدولى بما فيها فرض العقوبات بمختلف أنواعها على الميليشيات وداعميها، لتجفيف مصادر تمويلها ومنع وصول الأسلحة إليها، ووقف الخطر الذى باتت تمثله على الإقليم وممرات الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وهو الأمر الذى بات هدفا تحاول ايران تحقيقه من خلال السيطرة على باب المندب لابتزاز المجتمع الدولى والمساومة فى مفاوضاتها على الملف النووى وملفات أخرى، ضمن مشروعها التوسعى فى المنطقة.
لقد علمنا أن الإدارة الأمريكية مازالت مستمرة فى محاولتها، ولا بد أن لها استنتاجاتها وتقييماتها المستخلصة من الفترة الماضية، ومن المؤكد أن للولايات المتحدة علاقات هى الأكثر رسوخا مع دول المنطقة، ولديها عوامل قوة سياسية واقتصادية ودبلوماسية، ولكن أيضا ،قبل ذلك، لها سياساتها ونظرتها الخاصة بها إلى الصراع فى اليمن.
هل تعتقد أن الاهتمام الدولى الكبير لإنهاء الحرب فى اليمن قد أسهم فى ازدياد الحوثيين جرأة حول موقفهم التفاوضى؟
تقديرنا أن الحوثيين لم يكونوا جادين ولا صادقين فى كل محاولات وجولات التفاوض السابقة، وليس هذا بالحكم الذى نطلقه جزافاً بل للشواهد التى لا تترك مجالاً للتعويل على أنهم سيقبلون على التفاوض بإخلاص، وسواء ازداد الاهتمام الدولى بإطلاق عملية سياسية أو قل، فمستوى التعنت عند الحوثيين ثابت ولا يتغير إلا بقدر ما يواجهونه على الأرض، وهم أيضا لا يناورون فى مجال التفاوض السياسى من أجل أهدافهم على المستوى المحلى، بل يؤدون وظيفة لخدمة الأجندة الإيرانية ونظام الملالى الذى يناور بهم مراراً، حين يريد ابتزاز المجتمع الدولى بشأن مشكلاته، ونحن نأمل أن يعطى المجتمع الدولى اهتماماً كافياً وجاداً بما تتعرض له مأرب من عدوان إجرامى وإرهابى، على أيدى الحوثيين منذ ثمانية أشهر، وأن يتخذ موقفا حازماً وتحركاً جاداً لردع العدوان الحوثى الإجرامى، على مدينة تحتضن مئات الآلاف من المواطنين النازحين فراراً من انتهاكاته، وقمعه فى المناطق الخاضعة لتسلطه. وأعتقد أنه من الضرورى والعاجل للمجتمع الدولى ومنظمته الأممية ومؤسساتها دفع تهمة الازدواجية فى المواقف، وهو ما لاحظه الجميع فى كيفية التعامل مع ما جرى فى الحديدة وما يجرى حاليا فى مأرب، والذى أفقد المجتمع اليمنى ثقته فى قدرة المجتمع الدولى على الإسهام فى إنهاء الحرب وصناعة السلام.
تسلم المبعوث الأممى الجديد هانس جروندبيرج مهامه الشهر الماضى فسادت حالة من التفاؤل بشأن إنعاش عملية السلام فى اليمن، كيف تنظر إلى مهمة المبعوث الجديد؟
أى مبعوث أممى إلى بلادنا، على إدراك كاف بمهمته، ولا يباشرها إلا بعد أن يكون قد بحث واستمع كثيرا حول القضية، التى عليه تحقيق اختراق فيها واستعد لها جيدا، وفى تقديرى من المهم وضع الصراع اليمنى فى سياقه الموضوعى وحجمه الطبيعى، بما هو تجسيد لصراع أوسع بين شعوب تتطلع إلى حياة كريمة وحكم رشيد، واستقرار وبين نظام إيرانى عدوانى توسعى، يخفى نزعته وطموحاته القومية تحت لباس الكهنوت الديني؛ ولأجل ذلك زرع ميليشيات مسلحة عميلة له داخل هذه البلدان ويدعمها بكل وسائل العنف والمؤامرات لإحلال الطائفية بدلا من المواطنة فيضرب بذلك وحدة المجتمع وأسس الدولة الوطنية. ونحن نتمنى للسيد جروندبيرج النجاح، وأكرر ما كانت حكومتنا أعلنته عقب اختياره قبل شهور، من أننا ندعمه دعما كاملا، وسنوفر كل التسهيلات التى تتطلبها مهمته، وسنستمر فى تعاطينا الإيجابى مع كل الجهود والمبادرات الرامية الى تحقيق السلام الشامل والعادل.
متعلقات