ولا شك في أن القرار المصيري الذي ستتخذه المحكمة سيكون شديد الوقع على المجتمع الأميركي.
فالمسألة تقضي بإعادة تحديد إطار التعديل الرابع في الدستور الذي جرت المصادقة عليه في القرن الثامن عشر والذي يحمي المواطنين من أي خرق لحياتهم الخاصة في غياب أي شبهات جدية.
ويقول نايثن ويسلر المحامي الرئيسي في هذه القضية إن الرهان يقوم على "الحفاظ على درجة الخصوصية التي كانت قائمة قبل العصر الرقمي وتطوير تكنولوجيات المراقبة الحديثة وأنواع جديدة من البيانات التي يسهل على الشرطة النفاذ إليها".
وبدأت هذه القضية مع قضية لص من منطقة ديترويت يدعى تيموثي كاربنتر أوقف سنة 2011، بتهمة السطو المسلح على هواتف ذكية.
وبغية تتبع تحركات كاربنتر، تمكنت الشرطة من رصد موقعه الجغرافي بواسطة تحديد النطاق الجغرافي الذي استخدم فيه الهاتف على مدى 127 يوما. ورصد موقعه الجغرافي 12898 مرة بفضل بيانات وفرها مشغل الهواتف الخلوية.
ويشكل هذا التعقب في نظر الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ايه سي ال يو) انحرافا خطرا في غياب أي مذكرة قضائية.
فمبدأ احترام الحياة الخاصة بات، بحسب المنظمة، مهددا من كل حدب وصوب، ليس من جراء الأجهزة المحمولة فحسب بل أيضا بطاقات النقل وأثمنة نظام دفع رسوم سير المركبات ونشر الملفات الطبية على الانترنت، على سبيل المثال.
دعم متزايد
وندد ويسلر بانتشار "شتى أنواع الأجهزة الموصولة بالأنترنت... التي تخزن بيانات في نظام الحوسبة السحابية باسم مجتمعات بات يتعذر علينا السيطرة عليها".
وترى إدارة ترامب أن تيموثي كاربنتر كان يدرك الوضع وأن تحديد موقعه الجغرافي بواسطة تشغيل هوائيات هاتفية مضخمة للموجات لا يتيح الكشف عن مكالماته.
غير أن اتحاد "ايه سي ال يو" يعتبر أن تقفي أثره بواسطة هذه التقنية التي تزداد دقة يسمح بالعكس بالتعرف على عادات الشخص "بسهولة كبيرة".
وفي بعض أيام الآحاد، أجرى تيموثي كاربنتر أو تلقى اتصالات بالقرب من كنيسة، "فهو كان إذن يصلي في تلك الأيام"، بحسب الاتحاد الذي لفت أيضا إلى أن البيانات تظهر متى أمضى هذا الأخير الليل في منزله ومتى كان في الخارج.
ويزداد الرهان تعقيدا بالنسبة للقضاة التسعة في المحكمة العليا في ضوء الدعم المتزايد الذي يلقاه الاتحاد من جهات بارزة، مثل أكاديميين معروفين ومجموعات عملاقة في مجال التكنولوجيا، من بينها آبل وفيسبوك وتويتر وفيرايزون وغوغل ومايكروسوفت، فضلا عن منظمات محافظة وحتى نشطاء يؤيدون حيازة الأسلحة النارية يحرصون على حماية حياتهم الخاصة.
وصفة تقليدية ناجحة
ولخص غريغ نجيم من مركز الديموقراطية والتكنولوجيا الوضع على النحو الآتي "بات التقدم التكنولوجي يفرض علينا أن نضع المعلومات التي كنا نحفظها في السابق في أدراج مكتبنا، في متناول أطراف ثالثة". وبغية النفاذ إلى الأدراج، "كان ينبغي للسلطات أن تحصل على إذن قضائي وتثبت وجود انتهاك ما".
وهل سيراعي القضاة موقف السلطات التي تتحجج بمقتضيات التحقيق؟.
وذكّر نايثن ويسلر بأن عناصر الشرطة كانوا يلاحقون المجرمين بواسطة الوسائل التقليدية المتعارف عليها منذ فترة ليست بالبعيدة. وهم كانوا يُوفّقون في مساعيهم، من دون أن يعلموا مثلا أين أمضى المجرمون ليلتهم الأخيرة وكيف تنقلوا.
في العام 2012، حظرت المحكمة العليا نصب آلية رصد قائمة على النظام العالمي لتحديد المواقع الجغرافية على سيارة، من دون إذن قضائي. وبعد سنتين، ألزم القضاة الشرطيين بالحصول على إذن للاطلاع على محتويات الهاتف الذكي التابع لشخص موقوف.
وستصدر المحكمة قرارها في هذا الخصوص بحلول حزيران/يونيو 2018 للبت فيما إذا كانت الشرطة مخولة خرق الخصوصية الرقمية من دون أي إذن مسبق.