لا أحد يكترث!
مدن الصفيح الافريقية تختنق تحت الرمال السامة
الجمعة 5 يناير 2018 الساعة 02:50
الأحرار نت / جوهانسبرغ:
يعيش عشرات الآلاف من سكان مدينة جوهانسبرغ في جنوب افريقيا على سفح جبال من المخلفات المنجمية بما يشمل مواد خطرة كالزرنيخ والرصاص واليورانيوم، وهي بقايا الاستغلال الكبير للمناجم التي حقق كثر ثروات بفضلها لكنها باتت تهدد صحة السكان.

ويقول ثابو نغوبانه البالغ 50 عاما والذي يستثمر منذ 1990 أرضا زراعية على سفح كومة من البقايا السامة في سنايك بارك في شمال سويتو "انظروا إلى حالة حقل السبانخ الخاص بي، هذا الرمل الأصفر هنا يأتي على كل شيء".

وخلفت حمى التنقيب عن الذهب التي غزت المنطقة اعتبارا من سنة 1886 جبالا من التربة أو البقايا من الأنواع شتى، وهي ملوثة بأكثريتها بمواد خطرة.

وأكثر من مئتين من هذه التلال الملوثة بالمعادن الثقيلة خصوصا اليورانيوم ظهرت في محيط جوهانسبرغ بحسب دراسة للعيادة الدولية لحقوق الانسان التابعة لجامعة هارفرد الأميركية.

ويوضح نغوبانه "في أيام المطر، تصب مياه الجبل في حقلي خلال هذا الشهر، نفقت 22 من الحيوانات لدي بسبب المعادن على الأرجح".

وعندما يحصل احتكاك بين هذه المخلفات والمياه، تنتج عملية الأكسدة محلولا معدنيا حمضيا شديد الخطورة.

ولمنع تلوث المساكن المجاورة، بنت الشركة المالكة لتلة مخلفات المعادن حوضا للتخزين يسمح بتبخر المياه الملوثة. إلا أن سد احتجاز المخلفات يعاني سوءا في الصيانة. ومنذ عام، تتسرب المياه الحمضية حتى حقل ثابو نغوبانه.

ويشتكي نغوبانه "لا أتوقف عن السعال والأمر سيان مع ابنتي البالغة من العمر أربع سنوات". ويعزو هذا الوضع إلى "الملوثات الكيميائية" و"الرمل السام".

غير ان حالته ليست معزولة البتة، إذ ان أحياء أخرى عدة في سويتو، وهي مدينة صفيح تضم مليونا ونصف مليون شخص، تعاني أيضا جراء الارث المنجمي الثقيل في كبرى مدن البلاد.

تفشي الأمراض التنفسية

وعلى بعد عشرين كيلومترا من سنايك بارك، يقع حي ريفرلي الذي يضم 2500 شخص. وتحاصر ثلاث تلال من الغبار المنزل المتداعي الصغير لروز بلاتييس.

وتقيم هذه العاملة المتقاعدة في المكان منذ 1962. وهي اضطرت كمئات الآلاف غيرها من سكان جنوب افريقيا، لتغيير موقع سكنها خلال نظام الفصل العنصري الذي انتقل فيه السود الى سويتو والخلاسيون مثلها إلى ريفرلي.

هذه المرأة البالغة من العمر 63 عاما تعاني قصورا في التنفس وهي لا تستطيع العيش من دون جهاز للأكسجين. وتحمّل روز التلوث الناجم عن المناجم المسؤولية عن وضعها. وتقول "أنا مريضة بسبب الغبار".

وخلال شهري الجفاف في يوليو/تموز واغسطس/آب، يحمل الهواء معه من تلال المخلفات المنجمية أطنانا من الرمل التي تنتشر في الشوارع وتغطي الغسيل وتتسلل إلى المنازل وتلوث الأطعمة.

ويقول ديفيد فان فيك وهو باحث في منظمة "بنشمارك" غير الحكومية الجنوب افريقية "في كل شارع من ريفرلي تقريبا، ستجدون أحد السكان يعيش مع جهاز للمساعدة على التنفس".

وبينت دراسة أجرتها المنظمة أن أكثر من نصف سكان ريفرلي يعانون من السعال أو الربو أو التهاب الجيوب الأنفية أو السل.

وتقول روز بلاتييس "أطفالنا مصابون بالاكزيما ويعانون تحسسا في العينين أنجبت إحدى جاراتنا توأمين يعانيان سوءا في نمو الرئتين ما أدى إلى وفاة أحدهما".

وتؤكد الإحصائيات الوضع الصحي المتردي لسكان ريفرلي، إذ ان حالات الأمراض التنفسية والقلبية لدى المسنين أعلى من تلك المسجلة في المناطق ذات الوضع الاقتصادي الاجتماعي المشابه بحسب هيئة البحوث الطبية في جنوب افريقيا.

تراخ رسمي

لكن بسبب النقص في الدراسات الواسعة النطاق بشأن الأوبئة، يبدي الباحثون والسلطات على السواء حذرا كبيرا اذ يتفادون تحميل وجود جبال من النفايات أي مسؤولية في الأمراض التي يعاني منها السكان.

وتوضح انجيلا ماثي إحدى مسؤولي الهيئة "لا دراسات طبية تثبت رابطا سببيا مع جبال المخلفات المنجمية".

وتقول "إجراء مثل هذه الدراسات من مسؤولية الحكومة التي لا تبدي اهتماما كبيرا بها".

ومن الناحية النظرية، يفرض القانون على الشركات المنجمية إدارة نفاياتها.

غير أن جهود السلطات لفرض احترام القانون وحتى للقضاء على التلوث "بطيئة وغير كافية" بحسب العيادة الوطنية لحقوق الانسان التابعة لجامعة هارفرد.

وتشكو روز بلاتييس من التراخي الرسمي في معالجة هذا الوضع قائلة "أصحاب جبال المخلفات المنجمية لا يكترثون بمعاناة مجتمعنا. لا أحد يريد تحمل المسؤولية عن هذه الفوضى القائمة".

متعلقات