فقد كشفت "فيسبوك" التي استحالت منصة تنشر فيها المحتويات على أنواعها، من الإعلامية إلى تلك الترويجية والتجارية والتي لم تعد شديدة الجاذبية في نظر الجيل الشاب، إنها تريد العودة إلى أصلها، أي أن تكون منصة اجتماعية أولى أولوياتها نشر مضامين أفراد العائلة والأصدقاء.
فتغير النهج هذا قد يزعزع النموذج الاقتصادي السائد في أوساط عدد كبير من وسائل الإعلام التي تعتمد اعتمادا تاما على جمهور "فيسبوك" وتجني الأرباح من الإعلانات على الانترنت.
ويقول نيكولا رفعت من مكتب المشورات "بيرينغ بوينت" إن "وسائل الإعلام المدمجة في المنصات قد تكبدت أصلا خسائر من جراء قرار فيسبوك لجم "مصائد النقرات"، وهي ستعاني الآن المزيد من الأضرار".
ويؤكد جيريمي روبيول مدير الدراسات لدى "كزيرفي" إن "الأمر هو بمثابة تشكيك في علّة وجود وسائل إعلامية مثل "بازفيد" و"كونبيني" و"بروت" و"إليفنت".
أما بالنسبة إلى "وسائل الإعلام التقليدية التي تنشر جزءا من محتوياتها على فيسبوك لزيادة شعبيتها، فإنها قد تخسر إيرادات إعلانية طائلة".
فقد تضطر هذه الأخيرة التي انتقدت انتقادا لاذعا أداة "إنستنت آرتيكلز" التي قدمتها "فيسبوك" للسماح للمحررين بنشر مقالاتهم مباشرة على المنصة لكن عائداتها الإعلانية قليلة، إلى أن تحدّ من تعاونها مع أكبر شبكة اجتماعية في العالم.
فالمنشورات لن تظهر تلقائيا على شريط الأحداث لمستخدم أعرب عن إعجابه بصفحة وسيلة إعلامية ما أو ماركة تجارية، إلا إن جرى تداولها من قبل أقربائه.
غير أن جوان هوفناغل، المسؤول السابق في صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية الذي عين مديرا للتحرير في موقع "لوبسايدر" الجديد القائم بالكامل على خدمات التواصل الاجتماعي، لم يفقد الأمل. وهو يصرح "استبقنا الأمر إذ كنا نعرف أنه سيحدث ... ولا بد من النضال لتحصيل التزام فعلي لتداول المقالات والتعليق عليها من قبل المستخدمين".
ويحدو الأمل أيضا غييوم لاكروا مدير "بروت" الذي يكشف أن "90% من نطاق انتشارنا قائم على تشارك المحتويات في أوساط المستخدمين. من ثم، فإن المعادلات الحسابية التي تعطي الأولوية للمضامين التي تولّد تفاعلات كثيرة هي لمصلحتنا".
- استعادة السيطرة -
ويلفت أوليفييه إرتزشيد الأستاذ المحاضر في علوم الإعلام في جامعة نانت في فرنسا إلى أن "فيسبوك تشهد أزمة كبيرة في ما يخص صورتها منذ أشهر عدة"، في ظل انتشار الأخبار الزائفة واتهامها بالتسبب بحالات إدمان وانتحار، ما قد يبرر قرار المجموعة استعادة السيطرة على الوضع.
ويردف قائلا "لكن هناك أيضا مشكلة أخرى ألا وهي ركود العائدات الإعلانية. وبات يتوجب على الراغبين في الحصول على مزيد من الشهرة أن يدفعوا مقابل ذلك".
ولا يزال من الصعب تقييم الأثر على الإعلانات في شبكة التواصل الاجتماعي، إذ إن هذا القرار باغت الأوساط برمتها.
ويقول رونو مينيرا رئيس جمعية "موبايل ماركتينغ أوسييشن فرانس" الفرنسية إن "فيسبوك لن تقوم بخطوة انتحارية "تقضي بالتخلي عن الإعلانات التي تشكل 97% من عائداتها.
ومن الممكن إثر هذا التعديل في النظم الحسابية أن تعاود شركات فتحت صفحات على "فيسبوك" معولة على هذه الوسيلة الترويجية الجديدة للتعريف على منتجاتها، النظر في استراتجياتها.
ويشير فريديرك مارتي-ديبا المدير العام لمجموعة "بيرفورميكس" وهي وكالة إعلام تابعة لمجموعة "بوبليسيس" لشبكات التواصل الاجتماعي إلى أن "القرار منطقي بالنسبة إلى المستخدمين، لكن وسائل الإعلام والترويج قد تكون الخاسر الأكبر منه. وقد يضيق نطاق انتشارها ويتوجب عليها زيادة ميزانياتها".