خياري أن أشعر بالبرد
الجمعة 9 مارس 2018 الساعة 23:31
الأحرار نت / بقلم: كرم نعمة:
الأدباء يعيدون تشكيل العلائق بين الكلمات عندما يتعلق الأمر بالبرد، لكنهم في حقيقة الأمر لا يتحملون شدة البرد، أو كما يقول الروائي الفرنسي فرانسو نوريسيه “إن صياد السمك يقول لك مثل هذا الكلام عن البحر، إنه يموت في البحر، لكن البر هو الحياة، الكاتب يموت في اللغة لكن اللغة هي الكاتب”.

للبرد القارس كانت حزمة حكايات على مدار الأسبوع الماضي في لندن، الجدران في المدينة التي هي بمثابة متحف كبير كانت تتدفأ بصلادتها، لأن البرد كان أقسى مما مر على لندن خلال سنوات.

مهما يكن من أمر فلندن سعيدة ببردها وتتوق إلى شمس مشرقة، لكنها لا تتسق مع الصيف اللاهب، لأنها مدينة شتائية بامتياز، المعطف والمظلة والقبعة من مواصفاتها الدائمة، ولا يبدو أن الصيف قادر على سلب هذه الثلاثية الرومانتيكية منها، وهذا يفسر لنا لماذا يذوب العرب ولها في أغاني فيروز عن الشتاء والمطر، مع أن بلدانهم تنور لاهب، بلدان الشمس الساطعة ترى في الشتاء حلا لأعصابها التالفة!

من بين حكايات البرد القارس في لندن، كانت الممثلة جنيفر لورانس موضع جدل بشأن ردائها الجميل الكاشف للجزء العلوي من جسدها، ومفتوح من الأسفل حتى وسطها، بينما تقف مع مجموعة من الرجال بمعاطف سميكة وبدت وجوههم ترتجف من البرد أثناء الترويج لفيلمها الجديد “رد سبارو” في مكان مفتوح.

لم تكن جنيفر مثل ذاك الشاعر الذي هرب ظله منه عندما شعر بالبرد، بل كان خيارها أن تشعر بالبرد وترتدي ما تحب “ما أرتديه هو خياري أنا، وإذا أردت أن أشعر بالبرد فهذا هو خياري أيضا”.

تبرر جنيفر ثوبها المثير للجدل، بالقول “كان هذا الثوب فيرساتشي رائعا، هل تعتقدون أنني سأغطي هذا الرداء المدهش بمعطف ووشاح؟”.

بالتأكيد لا نملك الإجابة، لكننا لا نستطيع إلا أن نشعر بالبرد هذه الأيام، أما شعورك أنت فهو خيارك في النهاية “كنت في الخارج لمدة خمس دقائق، كنت سأقف في الثلج من أجل هذا الفستان لأنني أحب الموضة وهذا هو اختياري”.

هذه الممثلة الجميلة مثل الأولاد الصغار لا يشعرون بالبرد ويتحدون الطقس البارد، فيما أباؤهم يلتحفون أسمك المعاطف.

فكرة التمتع بالبرد ليست مغالاة ولا تعفي أصحابها من التعاطف مع المشردين الذين لا يمتلكون مكانا دافئا، لأن البرد خيار مفضل في أسوأ الأحوال من الحر اللاهب. لكن عواصمنا العربية لم تتكيف مع الحر ولا مع أمطار الشتاء، واسألوا ماذا حصل لبغداد بعد أن أمطرت السماء مرة واحدة هذا الشتاء!

متعلقات