لم يتعرض سياسي يمني في السنوات الأخيرة لحملات شعواء تستهدفه شخصياً لمواقفه المنحازة إلى يمن اتحادي كما تعرض لها الدكتور أحمد عبيد بن دغر.
جاء أحمد بن دغر إلى واجهة المشهد السياسي في اليمن كرئيس للحكومة في ٢٠١٦ في ظروف شديدة التعقيد و ملغمة بالكثير من الملفات الأكثر تعقيداً خصوصاً باتجاه ما أفرزته حرب ٢٠١٥ التي دفعت إلى الواجهة من يريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء؛ ليس إلى ما قبل ١٩٩٠ وحسب، بل و إلى ما قبل ١٩٦٧.
ظل بن دغر متمسكاً بقناعاته الراسخة المنحازة إلى يمن اتحادي كعنوان لمشروع دولة المستقبل الحاضنة للجميع، وكان أكثر مسؤول في الشرعية يواجه، وهو في قلب عدن، العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية، من يقف في وجه هذا المشروع حتى ولو كانت وراءه دولة تدعمه وتضعه في موازاة دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ودلالات !
ظل بن دغر يقدم نفسه قوياً كما لم يقدم نفسه من قبل خلال مشواره السياسي كاملاً، منحازاً لمشروع واضح، و ثابت، لا بديل له، وهو السياسي الذي لا يستند إلى ثقل عسكري أو قبلي أو مناطقي أو طائفي.
كانت قوته تكمن في وضوح موقفه، والدفاع عنه، بكل جرأة وشجاعة، مهما كانت الظروف أو الصعاب، أو العراقيل.
"كان أحمد بن دغر يواجه محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي القيام بانقلاب عسكري خلال الفترة 28 ـ 30 يناير 2018 للاطاحة به، بالثبات على موقفه: عدم الرضوخ لطلب تقديم استقالته ولو وصل الانقلابيون الى مكتبه و أدى إلى مقتله. خرج الرجل من الأزمة أكثر ثباتاً و تمسكاً بمشروع اليمن الاتحادي الحاضن لكل اليمنيين". هذا نص مقتطف من مقال كنتُ كتبته بتاريخ ١٤ مايو ٢٠١٨ بعنوان : "سياسي مرن صامد في مشهد معقد يقوم على اصطفافات آخذة في التوسع"، أسلط فيه الضوء على حجم الضغوط التي تعرض لها الرجل بهدف ازاحته من منصبه كرئيس للحكومة (يمكن الرجوع إليه للإطلاع من خلال عدد من وسائل الإعلام التي نشرته وقتذاك).
تالياً؛ نجحت الضغوط في إقصاء الرجل من منصبه، و في سابقة سياسية لم تحدث من قبل في تاريخ الحكومات اليمنية ان يتم إقالة رئيس للحكومة و احالته للتحقيق مع الإبقاء على أعضاء حكومته في مناصبهم.
ثمة من راهن على طي صفحة بن دغر بعد قرار الإقالة وهو القرار الذي أتى نتيجة لمواقفه المُشار إليها سلفاً، غير أن الرجل أثبت للجميع أن رهانهم في غير محله، فقد استمر الرجل يدافع عن مواقفه تلك؛ بل و ظهر أشد تمسكاً بقناعاته الراسخة المنحازة إلى اليمن الاتحادي كعنوان لمشروع دولة المستقبل الحاضنة للجميع، و لا كأن هناك قرار ما قضى باقالته من منصبه أو أن عليه أن يضع نفسه في خانة رد الفعل.
لقد وصل الدكتور أحمد بن دغر إلى مرحلة نضج سياسي لا يمكن له أن يعود معها إلى الوراء؛ فمشروع دولة اليمن الاتحادي كعنوان لمشروع دولة المستقبل الحاضنة للجميع هو الهدف الذي ظل يدافع عنه، و ما زال كذلك.