في ثورة 1948 لم يكن لدى النخبة التي قامت بها فكرة متكاملة عن النظام الجمهوري، وكانوا متأثرين بالملكيات الدستورية في أوروبا التي أنتجتها الحرب العالمية الثانية.
لهذا حاولوا إصلاح النظام الإمامي وليس هدمه واستئصاله.
علاوة على ذلك فلم يكن العرب بعد قد استوعبوا معنى جمهورية، ولم يكن هناك جمهوريات بعد سوى لبنان وسوريا، حيث تم استقلالهما عام 1946، أي قبل عامين من ثورة 1948.
وهذا يؤكد عدم تبلور ونضج فكر النظام الجمهوري بعد عند العرب عامة الذين كان لهم سبق التعلم والانفتاح، فما بالك باليمنيين الذين كانوا يرزحون تحت نير الكهنوت والجهالة؟!!
ولعلك أيها القارئ تدرك أن مصر ظلت حوالي عاماً كاملاً بعد ثورة 23 يوليو 1952 تحكم باسم الملك الطفل أحمد فؤاد الذي أجبر والده الملك فاروق للتنازل عن العرش له.
وفي تاريخ 18 يونيو 1953 تم تنحيته وإعلان الجمهورية في مصر. وظلت الجمهورية في مصر يقودها الضباط الأحرار برئاسة محمد نجيب، فيما اللاعب الأساس هو جمال عبدالناصر، حتى عام 1956 حين تم ولأول مرة الإعلان عن الأهداف الستة لثورة 23 يوليو.
وهذا ما جعل بعض المتحاملين عليها من فلول العهد الملكي والباشوات يصفونها بالحركة والانقلاب.
وفوق هذا وذاك، وهو أمر في غاية الأهمية، لم يكن الزبيري ولا رفاقه المناضلون كالنعمان، ليستطيعوا مجابهة اللوبي الهاشمي المتغلغل في أعماق وفكر المجتمع اليمني، بين عشية وضحاها، ويعلنون التحول من النظام الإمامي إلى النظام الجمهوري، لأن ذلك سيستفز اللوبي الهاشمي الذي كان مازال بيده مقاليد الحكم والسيطرة، وبالتالي سيصطدمون به وتفشل أي محاولة للتغيير.
لهذا ظلوا يعزفون على وتر الاستبداد، ويحصرون المطالب بتغيير آل حميدالدين.
وهذا يفك لك شفرة لماذا وقف العديد من الهاشميين وشاركوا في ثورة 26 سبتمبر أمثال يحيى المتوكل وعلي قاسم المؤيد وحسين شرف الكبسي.
لأنهم كانوا يظنونها تغييراً على غرار ثورة 1948 التي ستستبدل أسرة هاشمية بأخرى، مثلما تم استبدال آل حميدالدين بآل الوزير، لكن دينامو الثورة السبتمبرية الخالدة الشهيد علي عبدالمغني كان لهم بالمرصاد، وفاجأهم بأهداف الثورة الستة وتنسيقه مع مصر عبدالناصر للإطاحة بالنظام الإمامي برمته وليس التغيير فقط في واجهة الحكم.
وهذا ما دفع اللوبي الهاشمي للتخلص منه مبكراً، ثم عادوا لينخروا جسد الجمهورية من الداخل وتقاسموا الأدوار في كل الأحزاب.
ولهذا لا تستغرب من ممارسات آل الشريف بمأرب المحسوبين على الشرعية هم وآل الحاضري حين ترى تصرفاتهم تخدم الحوثيين.
ولا غرابة أن تجد آل العماد والكحلاني والشامي والنهاري ينخرون جسد المؤتمر الشعبي العام، فهم يعملون ذلك خدمةً لمشروعهم السلالي العنصري كما يفعل زيد الشامي وزبارة وغيره من الهواشم داخل التجمع اليمني للإصلاح، فيما قام ابن عمهم د.عبدالرحمن عمر السقاف بوأد دور الحزب الاشتراكي تماماً لصالح الحوثيين منذ تسلم منصب أمين عام الحزب الاشتراكي.
هؤلاء عصابة يتوزعون الأدوار في كل الأحزاب وتجمعهم رغبة الاستحواذ على الحكم من منطلق طائفي عنصري سلالي، وتحت يافطة حق الولاية المزعومة، ولهذا يتوزعون الأدوار بين الأحزاب، والبعض يعمل نفسه ليبرالياً تقدمياً، وآخر سلفياً متديناً، وحين جد الجد انضووا جميعاً في إطار مليشيا الحوثي، ومن تبقى في الأحزاب هم أهم العناصر التي أُسند إليها تفريغ تلك الأحزاب من محتواها والعمل على إثارة القلاقل والبلابل في أوساط الصف الجمهوري.
وهذا ملاحظ من خلال منشوراتهم أو ما ينسخونه ويلصقونه في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكون مخصصة فقط لنشر الفرقة بين اليمنيين أو إثارة النعرات تحت مسمى محاربة فساد أو مناطفية وما شابهها.
وبالعودة إلى تاريخ الهواشم منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م نجد أنهم يقفون وراء كل المشكلات والفتن التي عصفت بالصف الجمهوري، ولا أدل على ذلك من موقف أحمد العماد في جريمة قتل الشهيد الحمدي بالتعاون مع السعودية التي كانت ومازالت تدعم الإماميين وتحاول اليوم ترسيخ حكمهم من خلال الحوثيين.
والعماد هو من كتب بيان وفاة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي بعد أن قاموا بتصفيته بالتعاون مع عناصر الارتزاق للسعودية وبإشراف الملحق العسكري السعودي صالح الهديان.
ومازالت اللجنة الخاصة السعودية تدعم الإماميين حتى اليوم، بدءاً من احتضان آل حميدالدين وكبار الهواشم في السعودية وصرف مرتبات مجزية، وانتهاءً بتجنيب قيادات الحوثي قصف الطيران منذ بدء حرب تدمير اليمن في 26 مارس 2015م.
وهذا ما شجع الحوثيين مؤخراً على محاولة طمس هوية النظام الجمهوري، بدءاً من عدم الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، وانتهاءً بحذفها من المناهج الدراسية، كما حصل مع حذف الوحدة السادسة من كتاب تاريخ الصف التاسع التي تتحدث عن الثورة اليمنية والوحدة.
وليس أدل على أن كل الهواشم عنصريون وأعداء للجمهورية من سكوتهم على هذه الخطوة الخطيرة التي تتعلق بطمس هوية النظام الجمهوري.