الأكاذيب والفبركات والشائعات التي نسمعها كل يوم ما هي إلا ردة فعل من المنتفعين والراضين على بقاء لوبي الفساد الذي ينهش في جسد المواطن منذ بعد الحرب والانقلاب الحوثي .. فأعجبني خبر في صفحات صحيفة الأيام أن من يسكن عدن إما متسول أو مجنون أو مسؤول فاسد، وهذه هي الحقيقة التي نراها ونعيشها.
لكن بن مبارك أراد أن يكشف الفساد والمسؤول الفاسد ويغير بعضًا من الواقع المؤلم، وحتى لا تصبح شوارع عدن كلها متسولين ومجانين .. وأصبح أمام خيارين: إما الوقوف مع معاناة المواطن والواضح من يسرق قوته وثروات بلده، ويملك آبار نفط ومناجم ذهب في حضرموت وشبوة، أو السكوت كما فعل الذين سبقوه في رئاسة الحكومات المتعاقبة.
لكن بن مبارك لم يخن قسم المسؤولية وانحاز لخدمة المواطن لتجفيف منابع الفساد الذي أصبح ثقافة لدى البعض .. وها هو اليوم بن مبارك رئيس الحكومة، كلما كبس وكر فساد ظهر له وكر آخر من المنتفعين للبحث عن مبررات تعيق تجفيف منابع أوكار الفساد التي تجذرت، متناسين أن الفساد عمل على تفكيك المجتمع وتفسخه أخلاقيًا.
يجب أن ندرك أن مكافحة الفساد بحاجة إلى تضافر كل الجهود ورسم استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وتجفيفه من أعلى الهرم الرئاسي .. سمعنا عن تشكيل هيئة مكافحة الفساد، لكن الجبل تمخض فولدت فأراً .. وكلام العام: تشكيل الهيئة مسؤولية، أفيدونا، لماذا الاستهبال بمعاناة المواطن؟.
يفترض أن يكون الجهاز المركزي وهيئة مكافحة الفساد كالمواعيد، تكون أدوات الحكومة للمساعدة في تجفيف الفساد .. إذا أراد الحاكم بناء دولة مؤسسات، لأنها لا تستقيم تنمية مع تفشي الفساد، لأن موارد الدولة تذهب إلى الجيوب .. الفساد الذي أصبح ظاهرة أشد فتكًا بالمجتمع ولم ترحم معاناته.
على كل الخيرين ومنظمات المجتمع المدني تنظيم وقفة وطنية وجهد شعبي لحماية المجتمع ضد أفيون الفساد، الذي تذهب موارد البلد لصالح جماعة طفيلية ظهرت واستفادت من الحرب وانعكاساتها السلبية على المواطن.
الفساد هو عبارة عن تحالف، لأن الساكتين والمنتفعين كثر، وهم من تجردوا من القيم الأخلاقية، ولا يهمهم المواطن وآلامه ومعاناته، لأن أيديهم امتدت للحرام .. الفساد صار ثقافة لفئة ظهرت بعد الحرب، وهي من تتحكم بمعاناة المواطنين، ولسانها يمتلك المال والثروة غير المشروعة على حساب السواد الأعظم من الشعب.
هذه الفئة تعيش على الأزمات وتديرها، للحروب، لو عم الاستقرار، تتفقد مصالحها، بمعنى افتعال الأزمة وإدارتها .. إنسانية بن مبارك، عرفناه من أول وهلة، تحمله دراسة الحكومة، وهو يترجل في حواف وشوارع عدن ومرافقها للاستماع لمعاناة أهلها .. فأمر مرافقيه بنقلهم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وطلب من شؤون المواطنين صياغة طلباتهم وتقديمها لرئيس الوزراء، وتم بالفعل.
عندما وجد أمام معاشيق ثلاث نساء طاعنات في السن منتظرات، هذه حالة لم يألفها المواطن من قبل، بل ألف أن المسؤول يهرب من مقابلة المواطن .. بمعنى أوضح، أن البلد يعاني من انعكاسات سلبية من الانقلاب في الشأن الاقتصادي والسياسي الخارجي، وعدم تفهم المجتمع الدولي لخطورة المليشيا الحوثية الانقلابية، وأن له أبعاد طائفية وعقائدية إيرانية، واختزلت القضية في البعد الإنساني فقط، ومحددات أي حلول يجب أن تأخذ في الحسبان أن الانقلاب يعمل كجهة تعطيل كل ما تقوم به الشرعية.
ينبغي في العام الجديد رسم سياسة خارجية وداخلية لمواجهة الانقلاب وبنفس أساليبه، عكسها في السياسات العامة للدولة .. وكذا ترهل الشرعية وعدم حسم ملفات الفساد وتأجيلها، بفقدانها المصداقية لدى المجتمع الدولي وتناقضاتها، مما جعل العالم متمسكًا بالحوثي على مضض، لأن البديل لم يقدم نفسه إيجابيًا .. وأيضًا يجب تفعيل دبلوماسية في الشأن الخارجي بما يوازي تحدي الانقلاب الحوثي للأوضاع الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
إذا كان صانع القرار لا يستطيع حسم ملف الفساد، كيف سيحرر وطنًا من انقلاب الحوثي؟ وكذا ما يجب التركيز عليه هو توحيد الجبهة الداخلية بشقيها السياسي والعسكري.