قبل الفتح الإسلامي لمصر كان الفن القبطي مزدهرا، ولما قام الصحابي عمرو بن العاص بفتحها عام 18 ه /639 في خلافة عمر بن الخطاب، لم يلبث أن شرع بعد ثلاثة أعوام في بناء أول مسجد في مصر، فكان الأثر الإسلامي الأول فيها، ثم أعقبه بناء العديد من العمائر الإسلامية الأخرى في القرون اللاحقة، وازدهرت فنون الإسلام على يد الأسر الحاكمة إبتداء من الطولونيين والفاطميين والأيوبيين، حتى المماليك، ثم العصر العثماني.
• أول كاميرا في مصر
مع القرن التاسع عشر، الذي شهد إختراع فن التصوير الفوتوغرافي كانت مصر تواصل مسيرتها الثقافية والفنية خلال ولاية محمد علي باشا وأسرته، منذ عام 1805، إذ كان يبذل جهودا حثيثة لإلحاق مصر بركب الحضارة المعاصرة. فلما تحقق حلم التصوير الفوتوغرافي بشكل علمي خلال العام 1839. بعدما أعلن فرنسوا أرجو في أكاديمية العلوم في باريس النجاح الذي حققه لويس جاك داجيري عن إمكانية إنتاج صورة قياسية دائمة عن طريق آلة تصوير فوتوغرافي مع أول آلة تصوير فوتوغرافي مع أول مصور فوتوغرافي على أرض مصر؛ فقد كانت تجلب أنظار الغربيين، ولا سيما بعد طبع كتاب "وصف مصر".
وبمجرد سماع محمد علي باشا بخبر آلة التصوير الجديدة قرب إليه المصور الذي جاء بأول كاميرا إلى مصر وهو المستشرق الفرنسي الرسام أميل جون هوراس فيرنيه، وكان محمد علي باشا متحمسا لهذا الإختراع، حتى إنه طلب من فيرنيه أن يعلمه فن وأسس التصوير.
وخلال الأربعينيات من القرن التاسع عشر وفد إلى مصر سبعة مصورين معروفين منهم بريطانيان وخمسة فرنسيون كان من أهمهم المصور الفرنسي مكسيم دوكامب الذي صور مصر من سنة 1849 إلى سنة 1851.
وفي الكتاب الذي بين أيدينا، ومن ضمن المجموعة المنشورة في هذا الألبوم توجد عدة صور لكل من المصور باسكال صباح والمصور هنري بشار، تم إلتقاطها في عهد الخديو إسماعيل في فترة السبعينيات من القرن التاسع عشر، وهي تمثل ذروة نشاطهما الفني.
كما نشاهد صورا لكل من المصورين دوما وأرنو والإخوة عبدالله. وقد أمكننا التعرف على أسماء المصورين وتاريخ الصور من قراءة تواقيعهم على الصور الخاصة بهم – إن وجدت هذه التواقيع – وبالتالي معرفة التواريخ التقريبية لهذه الصور.
يقدم كتاب "مصر في عيون مصوريها" مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تظهر المعالم الحضارية في مصر خلال تلك الحقبة، حيث توجد أصول هذه الصور في مجموعة ألبومات قصر يليز بمقر المركز ”أرسيكا” في إستانبول، وركز الكتاب على صور مدينة القاهرة التي تتميز عن غيرها من المدن المصرية القديمة بأنها المدينة العالمية القديمة التي مضى على إنشائها عشرة قرون ونصف القرن، وأصبحت مسرحا لأحداث تاريخية وسياسية وفنية على مر القرون، كما يوجد صور خاصة لمدن أخرى مثل الإسكندرية وبورسعيد وغيرها، وجميعها يحكي لنا الفارق الكبير بين الأمس واليوم، فلم يعد ميناء بورسعيد كما كان عليه أيام إفتتاح قناة السويس، ولم تعد ترعة المحمودية كما كانت في أول عهدها، ولم تعد أسوان بعد السد العالي موطنا للتماسيح.
يكشف الكتاب أيضا كيف فقدت مدينة القاهرة على امتداد مئات السنين الكثير من قصورها التاريخية ومساجدها الأثرية وعددا من عمائرها.
• الأهرامات وأبو الهول
يقدم الكتاب بالإضافة إلى الصور لمحات تاريخية عن أهم الآثار في مصر مثل تمثال أبي الهول وهو في الأصل كتلة صخرية ضعيفة على حافة هضبة الجيزة، تركها بناة الأهرام الذين إختاروا أجود وأصلب الأحجار، ولما كانت تلك الكتلة الصخرية تعوق النظر إلى الهرم الثاني، فقد أمر صاحبه أن تنحت تلك الصخرة على شكل أسد رابض له وجه آدمي يحمل ملامح الملك نفسه. وكان الأسد في الأساطير المصرية القديمة يعتبر حارس الأماكن المقدسة وبوابات العالم السلفي.
أما هرم الجيزة الأكبر فيعتبر أضخم مقبرة شيدت لشخص واحد وأشهر الآثار على الإطلاق. يشهد هذا الهرم على عظمة وروعة البناء ويشير إلى قمة التفوق والإقتدار لكمال التخطيط وكبر الحجم.
ويعتقد أن بناة هذا الهرم المائة ألف شخص أقاموه على مدى عشرين 20 عاما. توجد في الوجه الشمالي للهرم الأكبر فتحة كبيرة مستطيلة ثقبها الخليفة المأمون إبن هارون الرشيد في القرن التاسع الميلادي معتقدا من وجود كنوز بداخل الهرم. فبدأت تؤخذ منه الأحجار لتستخدم في العديد من الأبنية في الجيزة والقاهرة بعد هذا التاريخ. ثم استخدم الهرم نفسه فيما بعد مقلعا للحجر.
وفيما يتعلق بأهرام الجيزة فقد بنيت أهرام الجيزة الثلاثة وتعتبر أولى عجائب الدنيا السبع القديمة، لثلاثة ملوك من الأسرة الرابعة وهم خوفو (الأب) وخفرع (الابن) ومنكاورع الحفيد وذلك بين القرنين السادس والعشرين والخامس والعشرين قبل الميلاد.
يقع الهرم الأكبر إلى اليمين، والذي سمي (أخت – خوفو) أي (أفق خوفو)، وفي المنتصف يقع هرم الجيزة الثاني والذي سمي (ور – خفرع) أو (بناء خفرع العظيم) وإلى اليسار يوجد الهرم الثالث والأصغر الذي بناه منكاورع وأسماه (حر) والتي تعني (البعيد). إلا أن هذين الهرمين الأخيرين (المتوسط والصغير) يبدوان أضخم من هرم الملك خوفو إذا شوهدا من بعيد، وذلك لأنهما شيدا على مستوى أكثر إرتفاعا.
• معبد الأقصر
بالإضافة إلى آثار مدينة القاهرة قدم الكتاب صورا وشروحات للعديد من المعابد، ولعل من أهمها معبد الأقصر وهو جزء من معبد الأقصر الذي شيده الملك أمنحتب الثالث من الأسرة 18 على الضفة الشرقية للنيل، ثم أستكمل في زمن توت عنخ آمون وحور محب ورمسيس الثاني.
ويوضح الكتاب أن هذا الفناء الذي شيده أمنحتب الثالث يعتبر من أجمل الأماكن المعمارية في ذلك الوقت، حيث يتكون من صف مزدوج من أعمدة ذات تيجان على شكل براعم البردي ومصفوفة على الجانبين والمقدمة. خصص معبد الأقصر لثالوث طيبة المقدس: الإله الأكبر آمون – رع، وزوجته موت وابنهما خنسو.
وتوجد عدة نقوش جميلة على جدران المعبد منها تلك التي تصور التفاصيل الإحتفالية للزواج المقدس.
يذكر أن كتاب "مصر في عدسات القرن التاسع عشر"، صدر في طبعة فاخرة أنيقة عن منظمة المؤتمر الاسلامي (مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية باسطنبول)، ويضم مجموعة كبيرة ونادرة من الصور الفوتوغرافية التي تجسد الحياة والآثار في مصر في القرن التاسع عشر، والتعليق على كل لوحة (عربي – انجليزي) أعده وأشرف على إخراجه: أكمل الدين حسين اوغلو، ومحمد ابو العمايم، وأحمد محمد عيسى وإبراهيم النواوي.