يوسف بكار يقرأ الرؤى المستقبلية لمجمع اللغة العربية الأردني
الخميس 27 يوليو 2017 الساعة 20:32
الأحرار نت/خاص
بقلم: محمد الحمامصي اتخذ الناقد د. يوسف بكار عنوان كتابه "فوح الشذا.. أزاهير أردنية في الأدب والنقد"، من بيت شعري للشاعر إبراهيم طوفان يقول فيه "مثْل القولِ لا يؤيده الفعلُ.. أزاهيرُ لا يفوح شذاها"، في إشارة إلى ما حمله الكتاب الصادر عن دار الآن ناشرون وموزعون من دراسات نقدية في الشعر والنثر والنقد والتعليم، قسمها إلى قسمين الأول الدراسات الشعرية، والثاني الدراسات الأدبية والنقدية. الدراسات الشعرية حلِّلت الأولى آخر قصيدة "اليوم أدركك الأفولُ" للشاعر الراحل حبيب الزيودي، الذي نظمها قبل وفاته بيومين اثنين، وتميط اللِّثام عمَّا ينداح فيها من تحليق إبداعي فنِّي وومضات مضمونيَّة واقعيَّة تبرز جميعُها عناصرَ استمراره وتطوُّره وتجديده وجديده، في ضوء آفاقه المعرفيَّة والفنيَّة وأُطُره الشعريَّة، قديمها والحديث. وتنهضُ الثانية على موضوعة فلسطين في الديوان الأول "على دروب الكفاح" للشاعر محمود الروسان، الذي شارك بنفسه، حين كان في سلك الجنديَّة، في حرب عام 1948، مما كان له أثره الكبير بما في هذا الديوان من حماسة دفَّاقة وعواطف جيَّاشة تجاه فلسطين ونكبة أهلها. فأما الثالثة، فدراسةٌ تعريفيةٌ نقدية قصيرة لديوان "أُوشوشُ هذا الزُّقاق"، للشاعر طارق مكاوي، تكشف عن أظهر سماتِ بواكيره الشعريَّة. أما الأخيرةُ، فتلقي الضوءَ على قصيدةٍ ورسالةٍ مهمَّتين للشاعر والأديب والمربـِّي الراحل واصف الصليبي، كان قد وجهها عام 1945 إلى الأمير عبدالله بن الحسين، الذي لم يبخل عليه برسالة جوابية. والصليبي يكاد يُنسى، علماً أنَّ له شعراً وعدداً من الدارسات والمقالات. فأما الدراسات الأدبية والنقدية فعمادها سبعٌ: عيسى الناعوري وعمر الخيَّام، من خلال خمسة أعمال يكاد أكثرها يكون منسيّاً؛ والمكان الأردني في أربع سِيَرٍ ذاتيَّة ومذكِّرات لعبدالمنعم الرِّفاعي وهزَّاع المجالي وعبدالسلام المجالي ومحمد نزّال العرموطي، ينصبُّ التركيز فيها على السلط وعمَّان والكرك في بداياتها جميعاً وكيف كانت؛ ودراسات نقديَّة لثلاثة كتب: "القصَّة القصيرة في فلسطين والأردن"، و"حركة النقد الأدبي الحديث في فلسطين" للدكتور هاشم ياغي، و"أبعاد العمليَّة الأدبيَّة" للدكتور عبدالرحمن ياغي؛ ودراستان تعريفيتان نقدّيتان "الرؤى المستقبليّة لمجمع اللغة العربيّة الأردني" و"أدلّة المعلمين في الصفوف الأربعة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي في الأردن: الواقع والمأمول". في قراءته لديوان "أُوشوش هذا الزُّقاق" لطارق مكَّاوي والذي يضم أربعة عشر قولاً/ نصَّاً مما يسمَّى "قصيدة النثر، قال د. يوسف بكار "اختار مكاوي عنوانه من النص التاسع "انتظرني كي أوشوش هذا الزقاق"، وهو عنوانٌ دالٌّ ينمُّ على المحتوى العام للديوان الذي يرسم صاحبه في أكثره صوراً من الواقع المؤلم المعيش والمعاناة الشديدة التي تبعث جميعاً على الأسى واليأس، دون أن يوصد كُوى الأمل والتفاؤل بأساليب شتى وصور فنيَّة تجمع بين التشبيهي المألوف الذي لا يخلو من طرافة وغرابة، والتشخيصيِّ البعيد الذي ينفخ في روح "الاستعارة المكنية" بنحو يميل إلى ما يُدعى في النقد الحديث "تفجير اللغة" والإفادة من طاقاتها الإبداعيَّة والدلاليَّة إفادة بعيدة المدى والغور، كقوله من القصيدة عنوان الديوان: وكيف أسقفُ كلامَها بالنبيذ الذي لا يفيقُ من الانتشاء؟ وقوله من "المعاني لا تجف من الارتعاش" تأتي كسيفٍ غريب تحزُّ فروة صمتي أما الصور التشبيهية الأخرى، فقول الشاعر: وظلَّت البيوتُ عاكفةً على الذكريات كصدور العجائز تحمل رموزاً غائرة في الحنين وبعيدة عن غربتنا الطازجة كالشُّوحات ظلَّت مناديل الكتابة تتزاول في أفقٍ طافحٍ بالسواد. وأضاف "يبدو أن النصوص كُتبت في أوقات متفاوتة، كما يتضح من تفاوت مستواها الفني ومدى تمثُّلها لسمات قصيدة النثر ومعاييرها (الخراب مثلاً نص ذو مستوى راقٍ)، إذ لم يؤرخ منها إلاَّ النص الأول "اقتفاء لدهشة سارقة" (10/4/1994). لعل الشاعر يؤرخ النصوص ويرتِّبها وفقاً لتأريخ نظمها كي يمكِّن النقاد والدارسين من ملاحظة مكامن تجريبه ومتابعة خطوات تطوره الفني. المهم أن النصوص تكاد تجمع أكثر سمات قصيدة النثر ومعاييرها الفنيَّة بمستوى مؤهل للتطور والنضج، لاسيَّما أن اقتباساته القرآنية جيدة، كقوله: الخراب ينمو فوق براعم الشجرة ورقاً "يحسبه الظمآن ماء". وأن الشاعر يوظف اللغة الشعبية والألفاظ المهجورة والمعرَّبة من اللغات الأخرى لاسيَّما الشرقيّة توظيفاً فنيَّاً صورياً وغير صوري، من مثل: "تفرك" العصافير أصابعها ـ والجنود يطحنون الهواء "ببساطيرهم" ـ يُستدرج أبل القمح لملاهي الريح مكترثاً بطلقتها القاسمة، "ونياشينه" التي "تلصف" تحت ثياب الهدوء المدجَّج ـ وينمو الخدر حوله "كالهشير" ـ "بقجتي" موضوعة على كتف ـ واترك "العيصلان" يتعربشها، ويسلي خليج منازلها. وحول الرؤى المستقبليَّة لمجمع اللغة العربيَّة الأردني قال د. يوسف بكار باعتباره عضواً منتخبا في المجمع "مسؤولية المجمع كبيرة وعسيرة وخطيرة لاسيَّما في هذا الزمن الذي أضحت العربيَّة فيه، بتقاعُس أهلها وليس لعيبٍ فيها، لا سمح الله، غريبة أو تكاد، وغدت في مسيس الحاجة إلى "من يدفع عنها الهجمات التي تتعرض لها من الإكثار من استعمال اللغة الإنجليزية في غير ضرورة ولا حاجة، ومن استعمال العاميَّات المبتذلة، وخاصة في إعلانات الصحف ولوحات المحال التجاريَّة والحديث في الندوات والمؤتمرات". وأكد أن الأنكى أنه جعل يشيع في قطاع من الشباب في الأردن ما يطلق عليه لغة "العربيزي" - وهو مصطلح منحوت من العربيَّة والإنجليزية - التي غزت الفكر قبل اللُّغة. حُجَّة هؤلاء، مع الأسف الشديد "أن اللُّغة العربيَّة لا تستحقُّ الحياة لأنها لغة مملَّة وقديمة، وأن الإنجليزية تمثِّل الحياة والرغبات"، في حين أنهم "لا يتقنون لا العربيَّة ولا الإنجليزية، وإنما يعبِّرون عن ذواتهم من خلال لغة سريعة، لغة الوجبات السريعة التي تخلو من كلِّ مقومات الهُويَّة التي ينتمون إليها". وللّه در صاحب المقال الساخر "لغتنا الإنجليزية!" حيث يقول: إننا دخلنا عصر "هلو" و"هاي" و"باي باي"، وتفننا فيها أكثر من أهلها! فأما موروثات العربية فأهم ما يجبهها القطيعة المعرفيَّة معها إزاء الحداثة و"العصرنة" وما إليهما من وشائج وأسباب، في حين أن الحداثة لا يتسنَّى لها أن تكون قوية صلدة، إلَّا بروافد جمة من "القدامة" الصالح كثيرها لكلِّ زمان ومكان. وأشار د. بكار إلى أن المجمع يتطلَّع في رؤاه المستقبليَّة إلى أن يحقِّق مزيداً من النجاح في خدمة العربيَّة وموروثها، بيد أن هذا مرهونٌ بعواملَ يتصدَّرها عاملان رئيسيَّان مهمَّان: الإمكانات الماديَّة الأوسع، والدعم الرسمي المؤسسي الجاد من أعلى المستويات، قولاً وفعلاً، ينبجسان من الإيمان برسالة المجمع وأهدافه ومهمَّاته، وبالعربيَّة وأهميتها ودورها العام والخاص وتنفيذ القوانين والأنظمة التي تنصُّ على هذا في مختلف المؤسسات الرسميَّة والخاصة؛ ناهيك بحزمة عوامل داخلية منوطة بالمجمع نفسه وأعضائه. فإذا ما توافر له كلُّ هذا أو جلُّه، في الأقل، فأنا زعيمٌ بأنه قادرٌ على تحقيق مزيدٍ من الإنجازات والنجاحات في عددٍ من مشروعاته وطموحاته غير المحدودة. وأوضح: المجمع معنيٌّ بجديَّة بمواصلة رسالته في مشروعه المهم الذي عُرف به واشتهر وأضحى إمارة من إماراته العلميَّة، وهو تعريب التعليم الجامعي بالإصرار على التدريس باللغة العربيَّة، لغة الدولة الرسميَّة وفق الدستور، ولغة التدريس الجامعي، باستثناءاتٍ قليلة، وفقاً لقوانين الجامعات الأردنيَّة كافة، دون أن يعني هذا إهمال اللغات الأخرى والاستغناء عنها والتقليل من شأنها، بل لا بد من أن تكون رادفاً ومسانداً، أو ليس كلِّ لسانٍ في الحقيقة إنساناً، كما يقول الشاعر؟ ويستتبع هذا بالضرورة الاستمرار في ترجمة الكتب العلميَّة المهمَّة وإعادة طبع ما نفد منها على ألَّا تظل حبيسة المخازن، ودعم تأليف الكتب العلميَّة اللازمة ونشرها، ورصد مكافآت مُجزية للمترجمين والمؤلفين والمحققين، وتخصيص جوائز دوريَّة للعلماء في مجالات العلم والمعرفة. فالمجمع قادر على النهوض بأكثر ممَّا قدَّم في نشر الكتب المترجمة والمؤلَّفة والمحقَّقة، إذا ما زِيْدَ دعمه المادي وتحقَّقت له الضمانات الرسميَّة العليا. فالإرادة السياسيَّة، والرَّفد المادي، حكوميّاً وغير حكومي، كفيلان بتعضيد ما أُنجز وإنجاز ما لم ينجز مما يستحق أن ينجز. وأكد د. بكار أن المجمع يصبو، إذا ما أُتيح له هذا، أن تصبح مجلَّته "مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة الأردني" فصليَّة بدلاً من "نصف سنويَّة"، لكي يكون ثمة مجالات أرحب للباحثين في اللغة وتقنياتها وتراثها، لاسيَّما أن مجلات الجامعات الرسميَّة تحديداً في العربية وآدابها وعلومها قد وحَّدت، تقريباً، في مجلَّة واحدة تصدر عن جامعة مؤتة.
متعلقات