هذه العلاقة الوثيقة التي تدل على انخراط الشعراء في الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي في تلك المرحلة، من خلال انتماء الكثيرين منهم، أيديولوجيا وفكريا، إلى الحركات السياسية والتيارات الفكرية، التي كانت تقود هذه التحولات أو تؤثر فيها، ما يعني أنهم كانوا شهودا على تلك المرحلة، ويمتلكون المعرفة الوافية عن طبيعة علاقة السياسي بالثقافي، وبالدور الذي لعبه كل واحد من هؤلاء الشعراء في هذا السياق.
ما كتب عن هذه العلاقات التي تجاوزت هذا السياق، إلى العلاقة بجهات دولية خلال العقود الماضية ظل في إطار المناكفات والتسريبات، التي لم يجرؤ الشعراء المعنيون بها على تدوين اعترافاتهم حولها.
والسؤال هو لماذا لم يكتب الشعراء في الأمس القريب أو اليوم، سيرهم الذاتية، التي تقدم شهاداتهم عن هذه المرحلة الملتبسة، التي كانت خلالها هذه النخب الشعرية محل تجاذبات كبيرة من قبل الأحزاب والتيارات الثقافية السائدة، في إطار الصراعات التي كانت تدور محليا ودوليا.
إن غياب كتب السيرة الذاتية لهؤلاء الشعراء يبقي الجوانب المخفية في هذه العلاقة وما صاحبها من أخذ ورد بعيدة عن دائرة الضوء، كما يبقي أي كتابة عن تلك المرحلة ناقصة وقابلة للأخذ والرد بسبب غياب هذه الشهادات، التي كان يمكن لشعراء الحداثة العربية أن يقدموها عبر كتابة سيرهم الخاصة.
إن أهمية كتابة هذه السير تتعدى قيمتها الأدبية إلى الإضاءة على الحياة الثقافية العربية، والعلاقة الملتبسة التي كانت قائمة بين السياسي - الأيديولوجي والثقافي آنذاك.
فهل كان غياب هذه السير دليلا على غياب الشجاعة والصدق مع الذات والواقع في مرحلة مواراة، لعبت فيها الأحزاب المهيمنة آنذاك دورا مهما في صناعة شهرة العديد منهم.
إن مثل هذه السير كان يمكن لها أن تقدم للباحثين والدارسين مادة غنية، لدى قراءتهم في إطار قراءة مشروع الحداثة وخلفياته الثقافية والسياسية، لا سيما من خلال الكشف عن المسكوت عنه في هذا التاريخ الحافل، وما يمكن أن يميط اللثام عنه من جوانب مهمة مخفية، تتعلق بالدور الذي لعبه السياسي داخل هذه التجربة، في ظل حالة الاستقطاب السياسي والثقافي التي كانت سائدة عربيا ودوليا في ذلك الوقت.