هذه هي الرؤية التي يقدمها الباحث والأكاديمي سعيد اللاوندي في كتابه "الخداع الإعلامي، الرأي العام جسد المارد وعقل الطفل"؛ حيث يقدم وجهة نظره التي تعترض على المصطلحات المستخدمة في الإعلام العربي، ويرى أنها جميعًا أصبحت واحدة والمدلولات الموحية بها تكاد تكون متشابهة وهو ما يعتبره خسارة للمعركة الإعلامية مع إسرائيل والغرب بشكل عام.
يرى اللاوندي أن الغرب يعرف جيدًا خطورة الدور الذي يقوم به الإعلام (مقروءًا ومسموعًا ومرئيًا) في فرض رؤاه، وقَيّمه على الآخر، ولعل هذا ما كانت تعنيه مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة عندما قالت ذات مرة: إن شبكة C.N.N الأميركية هي العضو السادس دائم العضوية في مجلس الأمن! والمحقق أن هذه السيدة لم تكن تعبث، كما لم تكن تلقى الكلام على عواهنه، وإنما كانت تدرك أن لوسائل (الميديا) من النفوذ والتأثير ما يفوق التصور.
ويرى المؤلف أنه من الانصاف أن نعترف بأن هناك عشرات من الكلمات والأسماء والمصطلحات والأوصاف في العبرية والغربية قد تسللت إلى إعلامنا العربي سواء عن طريق استعارتها من الإعلام الصهيوني مباشرة أو نقلها نقلاً حرفيًا (أعمى) عن الإعلام الغربي – الحاضن الرئيسي للإعلام الصهيوني، كما يرى.
ويعتبر أيضا أن خلط المعاني وتشويه المصطلح يؤدي – إلى جانب نشره بين الناس – إلى خلط سياسي وتزوير تاريخي. وبالمجمل يؤدي إلى غزو ثقافتنا ولغتنا الأم وتشويه أهدافنا وقوميتنا ولغتنا وديننا.
حرب مصطلحات
ويتناول الكاتب في دراسته وكالات الأنباء الغربية الكبرى، معتبرا أنها تقوم – عن عمد مع سبق الإصرار – بإغراق الإعلام العربي بأخبار يتم اختيارها وصياغة مفرداتها وفقًا لمعايير اجتماعية وسياسية لا تراعي مصالح المجتمعات الموجهة إليها أو أولوياتها، ولكنها تحاول تمرير العبارات والمصطلحات ذات المضامين الفكرية والسياسية التي تراعي في الدرجة الأولى مصالح القوى والجهات الدولية التي تعمل على تدجين واحتواء الوطن العربي ثقافيًا وسياسياً.
يقول: "ولعل أهم مؤشر على نجاح ذلك – للأسف – هو إقبالنا على استخدام هذه العبارات والمصطلحات وكأنها نابعة من ذاتنا، ومُعبّرة عن أفكارنا ومُترجمة لثقافتنا، مع أن هذا ليس صحيحًا بالجملة، لكن ما حيلتنا وإعلامنا العربي اعتاد – منذ بدايته – على أن يعيش عالة على الإعلام الخارجي؟!
والحق أننا لكي نفهم أبعاد هذه الحرب – حرب المصطلحات والأفكار – التي انتصر فيها (الآخر) بامتياز، لا بد أن تتوقف أمام أمر ينطلق منه الإعلام الغربي عن وعي وبصيرة وهو أن الرأي العام، هذا البحر الهادر من الكتل البشرية يمكن التحكم فيه وتشكيل توجهاته وصبّه في قوالب مُعدة سلفًا كقوالب الشيكولاته. ويمكن تصنيعه بمواصفات مُحددة كحال أي سلعة قبل عرضها في الأسواق".
ويوضح المؤلف وجهة نظره من أن هناك تقنيات شتى يبرع في استجدائها واستئناسها رجال السياسة في العالم بحيث تضمن لهم رأيًا عامًا سلسًا ومُطيعًا وجاهز التصديق كل ما يُقال من أكاذيب وترهات وأضاليل وكم كان صائبًا وزير خارجية ألمانيا الأسبق (يوشكا فيشر) عندما قال في صحوة ضمير نادرة: "عندما سنعرف الحقيقة يومًا – سوف نندهش كثيرًا أنها أشد قسوة مما يمكننا تخيّله"، والحقيقة التي كان يعنيها يوشكا فيشر هنا هي حقيقة غزو أميركا للعراق في عام 2003.
تزييف الحقائق والجوسسة
لا يتوقف المؤلف عند تحليل ظاهرة المصطلحات فقط، بل يرى أن القائمين على الإعلام الغربي يعرفون جيدًا أن الرأي العام على ضخامته وعظيم تأثيره إلا أنه يكاد يكون طفلاً ساذجًا يمكن التغرير به، وتضليله على أيدي شركات كبرى تتخصص في هذا الشيء لا في غيره، وها هو كتاب شهير بعنوان: "أسلحة التضليل الشامل" لمؤلفيه شيلدون رامبتون، وجون ستوبر يذكر أن هناك شركات للعلاقات العامة وظيفتها أن تبيع الوهم للمواطنين، وبعضها تربطها عقود بأجهزة المخابرات الأميركية تَخوّل لها حق توزيع الأخبار المغلوطة عن الحرب وتصوير أفلام تليفزيونية دعائية تصوغها وتخدم أهدافها.
أيضا حدث هذا في أفغانستان عندما احتكرت إحدى الشركات بث أخبار الحرب دون منازع كما حدث في العراق، وكلنا يذكر أن مشهد إسقاط تمثال صدام حسين في قلب بغداد كان مسرحية من إعداد وإخراج إحدى هذه الشركات التي قامت بتعبئة أكثر من 100 شخص لكي يكونوا جاهزين للتصفيق، وكان من بينهم – وياللعجب – أناس يحملون عضوية مجلس الحكم الانتقالي آنذاك في العراق.
والنتيجة المؤلمة في كل هذا، كما يرى الكاتب أن الرأي العام هو الضحية دائمًا حيث تنفق مئات الملايين من الدولارات لإحكام القبضة عليه. وفي حقيقة الأمر، إن ما نسمعه عن وقائع شراء صحف وكتّاب من كل لون وصنف بغرض توجيه الرأي العام وحشو (رأسه) بأفكار ورؤى بعينها هو الآخر بات – لكثرة تكراره – مألوفًا ولا يدعو للدهشة أو الغرابة على الرغم من أنه يدخل ضمن ما يسميه المفكر الأميركي ناعوم تشوميسكي: عمليات النصب المالي والمعنوي".
يذكر أن كتاب "الخداع الإعلامي، الرأي العام جسد المارد وعقل الطفل"، صدر عن مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة، ويقع في نحو 186 صفحة من القطع الوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية).