وظلت الصين إلى وقت قريب بعيدة نسبيا عن لعب أدوار دولية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لكنها بدأت تنزل بالفعل بثقلها المالي والسياسي إلى ساحات كانت حكرا على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويعتقد محللون أن نزول الصين بثقلها الاقتصادي والسياسي في هذا التوقيت بالذات يهدف إلى حماية مصالحها الاقتصادية بالمنطقة التي تعتبر حيوية بالنسبة للاستثمارات الصينية.
وكانت بكين قد أبدت في أوج الحرب السورية استعدادها للمساعدة في التوصل إلى حل سياسي وشكلت إلى جانب موسكو جبهة معارضة داخل مجلس الأمن لمشاريع قرارات أميركية وأوروبية ضد النظام السوري، ما شكل وقتها بداية انفتاح صيني قوي على القضايا الإقليمية والدولية.
وقال الرئيس الصيني أمام مؤتمر شارك فيه ممثلو 22 دولة عربية في العاصمة الصينية بكين، إن القروض ستخصص لـ"مشاريع ستوفر فرص عمل جيدة وسيكون لها تأثير اجتماعي إيجابي في دول عربية لديها حاجات لإعادة الإعمار".
وفسر محللون سياسيون هذا التعهد بضخ مليارات الدولارات، بأنه خطوة تهدف لزيادة وتعزيز النفوذ الصيني في المنطقة.
وقال ألطاي أطلي وهو محاضر في جامعة كوتش باسطنبول إن "مصلحة الصين تتمثل في دعم دول الشرق الأوسط التي تشهد تقلبات مستمرة بسبب الحروب والإرهاب".
وأضاف أن "الصين تنتج نصف احتياجاتها من النفط والغاز ومع ذلك، فإن الطلب أكثر من اللازم"، لذلك تشتري نصف احتياجاتها من النفط والغاز من الشرق الأوسط ومن هنا تبذل جهودا من أجل أن تكون لها كلمة في مجريات الأحداث بالمنطقة".
وأشار إلى أن الصين كانت تركز في الماضي فقط على الجوانب الاقتصادية في سياستها تجاه الشرق الأوسط "لكن تغيرت الأمور بعد الربيع العربي عام 2011، حيث وجدت الصين نفسها معزولة عن المنطقة من حيث الاقتصاد".
وأضاف "الصين تواصل مساعداتها واستثماراتها للمنطقة خلال فترة تشهد تقلبات اقتصادية هناك وبينما تفعل ذلك، فإنها ترغب بالانضمام إلى عملية التأثير السياسي من خلال إبداء الرأي في السياسة والاقتصاد بالشرق الأوسط والذي سيعاد تشكيله مرة أخرى".
وتابع "الصين لم ترسل قوات أو مقاتلات إلى المنطقة رغم أنها تفكر بنفس طريقة روسيا.. تريد الصين الحفاظ على وجودها في نطاق مشروع الحزام والطريق، فهي تستخدم الوجود الاقتصادي بدلا من التدخل العسكري".
وأطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة "الحزام والطريق" وتسمى أيضا "طريق الحرير" عام 2013، وانخرط فيها إلى اليوم أكثر من 100 بلد ومنظمة دولية وإقليمية.
وتهدف المبادرة إلى دعم الاستثمارات والشراكة والتعاون في مختلف المجالات بين الشرق والغرب، في إطار مقاربة تقوم على تبادل المصالح المشتركة.
وتتطلع الصين من خلال المشروع إلى إشراك 65 دولة تحصي 5.4 مليارات نسمة (70 بالمائة من سكان العالم)، وتستأثر بـ55 بالمائة من الناتج الخام في العالم.
وغطت الصحافة الصينية المؤتمر بشكل موسع، حيث رأى بعض الخبراء أن تعهدات الصين بتقديم قروض لدول بالمنطقة "قد تعزز دور بكين في المنطقة".
كما أشار الخبراء الصينيون إلى أنه يجب النظر إلى هذه الخطوة على أنها طبيعية بالنظر إلى أن الصين بها مسلمون يبلغ عددهم 20 مليون نسمة.
ويقول خبراء صينيون، إنه من منطلق إقامة الصين علاقات وثيقة مع تسع دول عربية عبر "مبادرة الحزام والطريق"، ستجد الصين طرقا "عملية" للمشاكل الحالية في المنطقة.
وشدد الخبراء على أن ضمان الأمن والسلامة، يجب أن تكون الأولوية في المنطقة التي تعاني من النزاعات والحروب الأهلية.
وحذروا من أن المصالح الوطنية للصين، قد تتعرض للخطر إذا ما تم قطع مصادر النفط أو طرق التجارة فجأة.
ويقول جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجموعة الدولية للأزمات، إن الصين اضطلعت بدور مالي واقتصادي في المنطقة مع الابتعاد عن القضايا السياسية.
وأضاف "إذا كان الوضع الأمني يضع المصالح التجارية والاستثمارات الصينية في خطر، فإن بكين في النهاية، لن يكون لها خيار آخر سوى التدخل العسكري وستكون هذه فترة عصيبة ستتخذ فيها بكين بعض القرارات الصعبة".
وتابع "مثل تلك القرارات ستجعل للصين بعض الأصدقاء، لكنها ستصنع أيضا بعض الأعداء".
وخلال المؤتمر الذي شارك فيه ممثلو 22 دولة عربية، تعهدت بكين بتقديم قروض ومساعدات إنسانية من بينها 91 مليون دولار سيتم إرسالها إلى سوريا واليمن والأردن وفلسطين ولبنان.
وقال الرئيس الصيني "يتعين على بكين والدول العربية خلق التضافر في الجهود لإظهار استراتيجيات تقدمية سعيا للتحديث"، مشيرا إلى أنه سيتم التعهد بمبلغ منفصل قدره 151 مليون دولار لمشاريع المساعدات.
كما أكد شي على أن بكين تسعى إلى زيادة التعاون في مجالات مثل مصادر الطاقة المتجددة والهيدروكربونات.
وقال "الصين ترغب في الانضمام إلى الدول العربية بهدف دعم التنمية المشتركة، باعتبارها داعما للسلام والاستقرار وتدعو إلى المساواة والعدالة".
ونظرا للاحتياطيات الضخمة من النفط التي تتمتع بها دول في الشرق الأوسط، أصبحت المنطقة جاذبة للموردين الرئيسيين للصين.
ولم تدفع التحولات في ديناميات الطاقة الجيوسياسية، حكام الصين إلى زيادة وجودهم في المنطقة فقط، لكن سعى المنتجون الخليجيون تدريجيا أيضا للاستفادة من القوة العالمية المتزايدة للصين.
ومع تزايد اعتماد الصين على النفط إذ تعد أكبر مستهلك له، تغير أيضا مع مرور الوقت الدور البعيد والسلبي الذي احتفظت به بكين في المنطقة سابقا.
وبخلاف تأمين النفط لاحتياجاتها، فإن الصين لديها أسباب متعددة لتعزيز موقفها في الشرق الأوسط، بدءا من زيادة معدلات التجارة ونقل الأسلحة وصولا إلى الفوائد الجيوسياسية وغيرها من المزايا النقدية.
ورغم امتلاك الصين واحدا من أكبر احتياطيات النفط في آسيا، فإن الإنتاج المحلي لم يكن كافيا لمواجهة الزيادة المفاجئة في الطلب ومن ثم جاء حوالي ثلثي إمدادات النفط الصينية من الشرق الأوسط بما في ذلك السعودية وإيران والعراق.
وتعززت العلاقات بين السعودية والصين منذ 2001 بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول.
وبفضل رغبة السعودية في تنويع تحالفاتها العالمية، زادت التجارة بين الطرفين بمقدار عشرة أضعاف في الفترة من 2002 إلى 2012 لتصل إلى 74 مليار دولار.
وعلى الرغم من تردد الشركات النفطية الصينية في الاستثمار بالمشاريع التي تمضي ضد التيار العام في المنطقة، لكن بدعم من مؤسسات الدولة، ازداد عدد العقود الموقعة في العراق وإيران لتطوير حقول النفط الكبيرة.
وأصبحت شركة النفط الوطنية الصينية أحد أكبر المستثمرين في صناعة النفط بعد الحرب في العراق.
وتملك شركات النفط الصينية أكثر من 20 بالمائة من مشاريع قطاع النفط قبل الإنتاج (المنبع) في العراق. وفي 2013 وقعت الصين والعراق عقدا لمضاعفة تصدير النفط الخام.