وقد عبر ياسر سليمان، رئيس مجلس الأمناء للجائزة عن هذه الفكرة قائلاً: "تطلُّ علينا القائمة القصيرة لهذه الدورة بأصواتٍ أدبيةٍ تبدع في تناولها لموضوعات رواياتها، والتي يعود بعضها إلى الماضي فيستحضره بلغة تأسر الواقع وتتجاوزه؛ لترسم صورة للحنين إلى ماض لن يعود. ويستلهم بعضها الآخر سيمياءه من مآسي الحاضر المتنوعة مآسي تَحطُّم الأوطان وانكسار إنسانية الإنسان أمام جبروت قوى تقضم ما يقف أمامها بلا شفقة".
اللغة المائهة والضياع
فالصورة التي تبدو بارعة الظهور هنا هي الانكسار أمام الجبروت وتلاشي المعنى الإنساني والشفقة على كل شيء تقريبا. إنه الإحساس بالضياع في عالم بلا رحمة. وربما كانت رسالة الأدب هنا هي تلك الانعطافة باتجاه إعادة تركيب المشهد لصالح الهدوء والطمأنينة التي قد ينسجها النص الأدبي من خلال كيمياء اللغة.
تبدو اللغة في أغلب هذه الأعمال الستة، وهي تفيض بالضياع وحيث لا يقبض فيها على الزمن أو الشخوص، فالشخصيات مائهة ومموجة غير واضحة المعالم، تشبه طبيعة زمن الانكسارات، حيث ليس للإنسان ربما حتى لو مجرد ظل يشير إليه.
مصائر منهوبة
وفي جولة بسيطة على الأفكار الرئيسية في هذه الأعمال سوف نجد أنها روايات المصائر المنهوبة، فما بين "بريد الليل" للروائية اللبنانية هدى بركات، التي تصور الصمت والعزلة وتعيد فكرة المراسلات التقليدية بحيث يذهب الخطاب إلى المجهول والمفتوح بلا تحديد لجهة معينة وحيث يموت ساعي البريد، ومن ثم رواية "شمس بيضاء باردة" للأردنية كفى الزعبي، حيث تطل قضايا الشباب وتعثر التفكير الحر حيث جمود الزمن والأفكار، ما بين هذا وذاك المشهد تأتي مشهدية الرواية الثالثة "الوصايا" للمصري عصمت عادل، الذي يعيدنا فيها بأشواق جارفة إلى الريف المصري، حيث الحياة القديمة وحيث الجد والامتداد الأزلي الذي ينظم البشر مثل عقد منثور، سرعان ما سوف نكتشف أنه يتفتت مع عالم جديد، إنها رواية البحث عن دفء الحياة في الأمس وفي حكمة الأجداد وذكرياتهم وقلقهم الوجودي الذي لا يشبه قلق اليوم حتى لو أننا نأخذ منه معين الحكمة الخالدة للعيش الإنساني المتماسك بالأمل.
ثمة قلق يقود إلى محاكمة الحاضر كما يعيد ترتيب الماضي، وفي كلتا الحالتين فالصورة لا تبدو واضحة، والحقيقة التي تهيمن على النصوص هي التلاشي وغربلة الأفكار باتجاه الظنون، حيث الشك في كل شيء.
هنا سوف نجد أن السورية شهلا العجيلي سوف تأخذ قارئها في "صيف مع العدو" إلى صورة صارخة لمشهد مدينة دمرتها الحرب في سوريا، الرقة التي تفقد هويتها مع تقلبات الزمن الجديد، ودائماً فإن سيرة المكان هي انعكاس لسير الإنسان، ومقابل هذه الصورة يأتي الضياع العراقي في رواية "النبيذة"، للعراقية إنعام كجه جي، حيث تختبر تشتت الحياة وجوهرها الغائب من خلال المرأة وتاريخ العراق ما بين حقبتين ملكية وجمهورية.
تنتهي بنا القراءات إلى الرواية السادسة في القائمة وهي "بأي ذنب رحلت؟" للمغربي محمد المعزوز التي تعيش أزمة المثقف، حكايته مع الانكسار والضياع، مع بقاء الرجاء رغم كل التيه والحكايات الآسفة التي لا تتوقف على مدى أجيال متعاقبة.
تنافر الأصوات.. والذكريات
يبدو في الروايات صوت منهوب، ضائع، تنافر في الكلمات والأصوات، كأنما رحلة الرواية أن تبحث عن صوت موحد من خلال ضياع الصوت الواحد، أو البطل المفرد، وربما لكل نص طبيعته التي تميزه في الأسلوب السردي، غير أنه يجب ألا ننسى ذائقة لجنة التحكيم التي سوف تعيدنا إلى طبيعة شبه واحدة تقريباً لهذه النصوص، تجعلنا نرى من خلالها صورة لجسد واحد للنصوص الستة.
إن الذاكرة تسيطر بشكل جلي في معظم هذه الأعمال وكما يشير الروائي المصري عصمت عادل فهو قد كتب "الوصايا" من وحي الأمس وأن غرفة الجد التي يحكي عنها في النص قائمة في الواقع.
وهنا يمكن الإشارة إلى مقال كتبه رئيس لجنة التحكيم الأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين بعنوان "كتابة الذاكرة" نشر بصحيفة العرب من لندن، ذكر فيه أن "الرواية تشتغل كمصهر لشظايا منسية أو مهملة وتحتاج الذاكرة للتطهر من ثقلها"، غير أنه أشار إلى التفريق بين "كتابة الذاكرة وكتابة الذكريات"، ويبقى السؤال هل روايات البوكر هذه السنة، هي روايات الذاكرة أم روايات الذكريات؟
تبدو وكأنها روايات الذكريات، الأوجاع والظنون والتيه! أكثر من كونها روايات الذاكرة، حيث الأخيرة تعلي من شأن المفاهيم والقيم والمعارف على التجارب الإنسانية المباشرة والواضحة!