شكل اتفاق الرياض أملاً كبيراً للمواطنين في اليمن قبل حكومتهم، حيث نصّ الاتفاق على إجراء الترتيبات الأمنية والعسكرية وتطبيع الحياة المدنية خصوصا في العاصمة المؤقتة عدن والتي شهدت أحداثا مؤسفة إلى ما قبل بدء تنفيذ وتطبيق بنود الاتفاق والذي كان لعودة الحكومة ورئيسها إلى عدن بالغ الأثر في بعث الطمأنينة في نفوس المواطنين جميعا بعدما قلقوا من التوترات التي كادت تعصف بالبلد .
وبمجرد وصول رئيس مجلس الوزراء إلى عدن بدأت تتخلق على مختلف المحاور في نفوس المواطنين بوادر أمل كاد يفقدها اليمنيون ، إذ اقترنت التصريحات المتفائلة لرئيس الحكومة مع أفعال على الإر لم تقل أهمية وخطورة وأثر عما سبقها من أحداث .. فتحركت المياه الراكدة ، بل وألقى الدكتور معين حجرا كبيرا في تلك المياه بفتحها الملف الشائك الذي يتحاشاه المسؤولون على مدى عقود من الزمن وهو ملف الفساد والمحسوبية الذي عاد الدكتور معين عبدالملك إلى العاصمة عدن متسلحا بإرادة صلبة على مواجهته ، يسنده في ذلك توجيهات ومتابعة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي خطوة بخطوة .
وهاهي الاجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة من منطلق ترجمة اتفاق الرياض على الأرض تشكل الصورة العريضة لمعنى النجاح الذي يعكس مدى الجدية والإصرار على الإنجاز وترجمة الأقوال إلى أفعال وفق نظرية الدكتور معين ذاتها والقاضية بأن الأفعال هي أقرب وأصدق محك على الأرض للأقوال ، وقليل كلام يجب ان يلحقه كثير فعل يلمس الناس أثره .
فميدانيا وكما قال رئيس الوزراء في آخر مقابلة له قبل أيام تقوم اللجان الميدانية لتطبيق اتفاق الرياض بعملها الآن، بمسؤولية كبيرة جداً في تطبيق الشق المتعلق بالترتيبات الأمنية والعسكرية.. رغم كل العوائق وشائعات الفشل مدركة ان تعقيدات المشهد وطبيعة الاجراءات ه تتطلب بعض الوقت.
وبرؤية يدرك رئيس الحكومة الدكتور معين بأنها تصب في مصلحة جميع اليمنيين تتعلق بالتنفيذ الكامل لاتفاق الرياض دون انتقائية وبشكل كامل كحزمة واحدة، مدفوعة بجهود مخلصة من فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، وكذلك المملكة العربية السعودية الراعي والضامن الرئيسي لإنجاح الاتفاق.
بالتزامن مع ذلك هذه الترتيبات السياسية والميدانية يحرص رئيس الحكومة على أن لا تعيق عمل مؤسسات الدولة، التي يجب أن تستمر في تقديم الخدمات للمواطنين بعيداً عن أي تجاذبات حتى الوصول إلى تنفيذ كامل بنود الاتفاق.
الملف الاقتصادي
بعد عودة الحكومة إلى عدن كان حيز الملف الاقتصادي وتحدي معركته الكبيرة أبرز عقبة كأداء في وجه الحكومة ، اختار الدكتور معين أن يخوض هذه المعركة بقوة وإصرار عبر فتح ملفات الفساد في إطار الحكومة، ومواجهة هذا الفساد وبؤره، ومعالجة إمكانيات القضاء عليه،
مدركا أن شبكات المصالح أو الفساد التي تكونت وتغلغلت في مفاصل الدولة كانت نتيجة النفوذ الذي كان يتعزز على حساب مصالح المواطن والوطن داخل مؤسسات الدولة، ويتعمق ويتعملق أفقيا ورأسيا منذ فترة طويلة.
في ظل هكذا واقع وهذه المعطيات بدأت حكومة الدكتور معين عبدالملك فعلا بفتح عدد من الملفات لتحقق نتائج جيدة في فترة وجيزة ، لعل من أبرزها الفارق الملموس مثالا فيما يتعلق بوقود الكهرباء الشهري الذي تحتاجه عدن ، والذي كان في حدود 40 مليون دولار، وكانت هناك مشكلة كبيرة في طريقة شراؤ المشتقات بشكل عام ووقود الكهرباء خصوصا كهرباء عدن بشكل أدق ، فتم وفق إجراءات حثيثة وعملية محاصرة هذا الخلل، وتصحيح الاختلال، وتخت توجيهات من فخامة الرئيس هادي وإطلاعه بشكل كامل على كافة تفاصيل هذا الملف الذي وفر الكثير على ميزانية الدولة.
ملف المرتبات
ظل ملف الرواتب محل شد وجذب يرفعه هذا وذاك كقميص عثمان لكن فقط في وجه الحكومة التي لم تتنصل عن واجباتها ، فقد اتخذت فور وصولها عدن عدة قرارات واتخذت آليات كان من شأن التسريع بها لو تعاونت القوى المحلية مع جهد رئيس الحكومة وحكومته فيها أن تؤتي ثمارها بشكل أسرع .. خصوصا بعد الاجراءات التي اتخذتها كل من المالية والبنك المركزي والتي وفرت بشكل كبير جداً الوقت والجهد عبر آليات مبسطة خصوصا تلك المتعلقة برواتب المؤسسات الأمنية بشكل كامل عبر التحويلات.
وكانت مشكلة المرتبات قد أرهقت المواطن بشكل كبير جداً، وكانت هناك إشكالية في انتظامها ، وخصوصا مرتبات القطاع الأمني والعسكري ، وهي المشكلة الكبيرة التي ظلت مؤرقة لفترة طويلة، فقامت الحكومة بعد عودتها من تلرياض بتحركات عاجلة شملت نقاشات واسعة مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي في موضوع إصلاح بنود المرتبات.
قرار حازم لفخامة الرئيس هادي
ففيما يتعلق بالقطاع المدني في اليمن حُلَّت الإشكالية ، لكنها ظلت في القطاع الأمني والعسكري مشكلة دائمةً، وزاد أن تفاقمت بفعل تراكمات الأحداث وانعكاساتها السلبية عليها خلال الـ 3 سنوات الماضية، فكان هناك قرار حازم اتخذه فخامة رئيس الجمهورية الرئيس عبدربه منصور هاي - حفظه الله - بتحويل مرتبات القطاع الأمني كاملاً عبر التحويلات المالية أو البنكية ، والذي وفّر هذا القرار بدوره في حدود مليار و300 مليون ريال يمني في شهر واحد، وهو ما ترى الحكومة وفق رؤية رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك أنه يمكن توظيف ذلك الوفر في تطوير المنظومة الأمنية بشكل كبير، وهذا أحد بنود الإصلاحات الحقيقية، وبالتالي ووفق المقترحات والحلول التي تقدمها الحكومة يمكن كل ذلك أن ينعكس في صالح دفع جميع مرتبات العسكريين والأمنيين المتأخرة.
نشاط واجتماعات حكومية متواصلة
لم يخل نشاط رئيس الحكومة منذ عودته الى عدن من أي توجيهات واجتماعات وورش عمل دؤوبة تتعلق بتطبيع الاوضاع وتقديم الخدمات الحكومية وتشغيل المشاريع وتفعيل مؤسسات الدولة في المحافظات وخصوصا المناطق المحررة منها ، وذلك مع كل الهيئات والمؤسسات ومكاتبها التنفيذية لتقديم كل ما من شأنه تعزيز ارتباط المواطن بمؤسسات الدولة التي لا ضامن سواها للأمن والاستقرار والخدمات والبناء والتنمية .
جهود الحفاظ على بنية الدولة
يتفق الجميع على أن من المهم جداً إنجاح الحكومة في هذه المرحلة، بإسنادها بالأفعال وليس فقط الأقوال، إذ ما تزال الحكومة تواجه سعيا حثيثا من متربصين بها لإفشال عملها، أو أحياناً للاستهداف الشخصي لرئيسها.
وكما قال دولة رئيس الحكومة في لقاء تلفزيوني مؤخرا إنه يتحمل الكثير في هذا الخصوص لكنه يضع نصب عينيه دائما المسؤولية الملقاة على عاتقه ، وما يجب بذله من جهود يجب عليه ان يقوم بها لإنجاح المرحلة، وحتى يعبر الجميع إلى مرحلة الأمان.. واقفا على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، مدركا أنه في مرحلة تحديات اقتصادية صعبة يجب أن يتكاتف الجميع ويركزوا جهودهم على إنقاذ البد جنبا إلى جنب مع جهود الحكومة.
فترة طوارئ
وبوعي شديد الحساسية تعتبر الحكومة نفسها في وضع طواريء كما يردد دوما الدكتور معين ، كون البلد ليست في وضع اعتيادي بل في حالة حرب، وهو الامر الذي يراه محتما على الجميع وخصوصا الحكومة ان يتحمل الجميع في هذا الوضع المسؤولية ، وخصوصا في تعزيز موارد الدولة ، ومكافحة الفساد أو غيرها ، كون الموارد قليلة، والوضع استثنائي وصعب، وبدون الإصلاحات التي تمضي فيها الحكومة لا يمكن لأي حكومة أن تحصل على أي دعم خارجي.
بموازاة ذلك جاءت زيارة البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن كثمرة من ثمرات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري ، حيث كانت زيارة استثنائية من حيث الحجم والأجندة المتنوعة للمشاريع، مع كل الهيئات والمؤسسات اليمنية التي تلمست احتياجاتها.
وتبذل الحكومة الكثير من الجهد لترتيب أولويات المرحلة القادمة، خصوصا وعدن تنتظر الكثير، فالبنية التحتية فيها مدمرة بشكل كبير، وموارد البلد قليلة، والاستثمار في البنى التحتية ضعيف، وبالكاد تستطيع الحكومة دفع المرتبات، وكما هو معروف ما لم يكن هناك دعم حقيقي داخلي وخارجي فيما يتعلق بالاستثمار في البنى التحتية ، والنقل ، والكهرباء ، وغيرها من المؤسسات ، سيكون من الصعب تقديم خدمات في المرحلة القادمة ولن تأتي أي استثمارات خارجية للبلد.
اتفاق ستوكهولم
تحاول حكومة الدكتور معين على مدى عام كامل تحريك ملف اتفاق السويد الذي ظل يراوح مكانه طوال السنة بسبب تعنت الانقلابيين الحوثيين في جميع ملفاته، ووتحركت الحكومة على أكثر من صعيد ، وأكثر من مسار لتخطي عقبة الركود والتوقف في هذا الملف الذي يسبب الكثير من الأسى والألم لقطاع عريض من المواطنين يقطنون الساحل والبر التهامي الغربي في اليمن ، إلا أن الحوثيين لم يسلكوا أي خيار يتيح التقدم في تنفيذ الاتفاق، بل وبشكل واضح عرف العالم كله ماهي دوما العراقيل التي يضعها المتمردون الحوثيون في كل مساراته ، حتى في الجانب الاقتصادي الذي اقترحته الحكومة وحاولت من خلاله المضي في دفع المرتبات عبر الإيرادات التي تأتي من ميناء الحديدة، لكن الحوثيين بدل أن يتقدموا فيه اتخذوا قراراً بمنع العملة المتداولة وهذا أثر حتى على دفع المرتبات في المناطق التي تُدفَع فيها الآن من قبل الحكومة.
وبالرغم من كل ذلك لم يقطع رئيس الحكومة الطريق أمام السلام بل قال في تصريحات صحفية مؤخرا إن الحكومة تأمل بالسلام، وأن خطوة واحدة تتخذها المليشيا الحوثية في اتجاه السلام ، ستقابلها الحكومة بعشر خطوات مماثلة في هذا الاتجاه.. وبالتالي فالأمر معقود بنية الانقلابين، ويعتمد على سلوكهم في المرحلة القادمة، يعتمِد فيماىلو أدركوا أنه يكفي الدماء التي سفكوها وسفكت في هذه الحرب العدمية التي أوقفت المشروع السياسي لليمنيين، وأصبح الحوثيون بالتالي مع سلوكهم العدواني هذا ضد الشعب، أداة لانتهاك سافر للسيادة اليمنية، وأوقفوا مسار العملية السياسية.
الاقتصاد بين اجراءات مليشيا وحزم دولة
بقرار ميليشيات الحوثي منع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية في المناطق التي يسيطرو عليها، أعلنوا بكل وقاحة الحرب الواضحة على الاقتصاد اليمني، وبالتالي منعت الميليشيات، مرتبات الموظفين أن تصل إلى صنعاء، ومن شأن هذا الأمر ان يوقِف النشاط الاقتصادي في صنعاء بشكل كامل.
واعتبر الدكتور معين في إحدى تصريحاته مؤخرا أن هذا القرار ينم عن عدم خبرة وضعف قدرات لدى المتمردين الحوثيين، بل واعتبره قرارا انتقاميا من المواطنين، إذ أن العملة هي أساس الاقتصاد في اليمن، بالاعتماد بشكل كبير على التداول النقدي ، إذ لا يوجد أي تحويلات الا بالتداول النقدي المباشر.
ورأت الحكومة في مشروع العملات الرقمية التي وضعها الحوثيون، بأنه قرار انتقامي ليس من الحكومة اليمنية بل هو انتقام من الشعب، ولن بحظى القرار بأي ثقة أو قبول شعبب، ولن يكون له أي قيمة فعلية..
في المقابل ما قامت به الحكومة خلال ثلاث سنوات، أعاد الحياة للنظام المصرفي، حيث كانت المصارف توشك على الإفلاس وكان ذلك سيسبب كارثة اقتصادية كبيرة.. فتدخلت الحكومة لإنقاذ الوضع ، وأصبح لتلك التدخلات نتائج إيجابية لمسها المواطن ، وانعكست على الاقتصاد الكلي للبلد بما في ذلك المناطق التي ما تزال تحت سيطرة الانقلابيين ، فقد بلغ حجم التداول النقدي الآن في اليمن قرابة الـ 3 تريليون ريال يمني، بعد أن كان بلغ قبل ذلك حوالي تريليون و400 مليار، أضافت الطبعة الجديدة والإصدار الجديد حوالي تريليون ونصف.
قبل أن تنزل العملة الجديدة كانت البنوك لا تستطيع دفع أي مستحقات، ولا توجد دولة في العالم صمد فيها النظام البنكي كما حدث في اليمن، لأنه لا يمكن أن تسحب مدخراتك من البنوك. ما جعل الإجرءات الحكومية بهذا الشأن تؤثر بشكل مباشر على كامل الدورة الاقتصادية وعلى التجار والاعتمادات المستندية.
وقبل إجرتءات الحوثيين الانتقامية الخيرة من الشعب ، كانت المرتبات تُدفَع من قبل الحكومة في القطاع الصحي والجامعات وغيرها في مناطق سيطرة الانقلابيين... وبتلك الاجرءات المليشاوية الغبية صعبت المليشيا من حركة تنقل المواطنين واستقدام العملة والاقتصاد، وبات القرار كارثي على المواطن ، وتبعاته الإنسانية كبيرة، التي للأسف عادة ما تستخدم ُالمليشيا الحوثية ذريعة الحالة الإنسانية لدى المواطن للمتاجرة به لدى المجتمع الدولي.
وبإطلالة سريعة يتضح كيف كان الوضع في شهر نوفمبر العام الماضي، حيث كان الوضع الاقتصادي صعباً ، واستطاعت الحكومة بعده، وبعدد من الإجراءات توفير السلع الأساسية وفقاً للوديعة السعودية، التي دعمت بصورة ملحوظة النظام المالي واستقراره في اليمن، وهو ما يعني أن الوديعة السعودية عمليا كانت الغطاء النقدي من العملة الصعبة لذي واكب ورافق الإصدار النقدي، بمعنى أن الوديعة مثلت الغطاء الحقيقي لقيمة العملة المصدرة، وهذا هو الذي حقق الاستقرار طوال العامين الماضيين.. إذ أنه وخلال 4 سنوات حرب تضاعف سعر الصرف ، وفي دول أخرى شاهدنا انهيارات كثيرة وهي دول مستقرة.