ما هو الفن؟ في محاولته لٌلإجابة عن هذا السؤال يطرح د. صلاح قنصوة رؤيته حول العلاقة بين الفن من ناحية، وبين الفلسفة من ناحية أخرى، على صفحات كتابه "في فلسفة الفن" حيث يعتبر أن ما أهم ما يميز الفن بالدرجة الأولى هو أن الفن ليس علما بالضرورة، كما أن الفن ليس له حدود فلسفية تضع قيودا تقيده في إطار فروض علمية أو منهج علمي يقيد عمل الفن أو حدود الفنان، بينما يبقى الفن قادرا على تجاوز أي حدود منطقية أو فلسفية.
ويضم الكتاب بين دفتيه مقدمة وخمسة فصول، حيث يصف قنصوة المقدمة بأنها "مقدمة شخصية جدا"، ويعرض فيها قصته مع الفن في بدء التكوين، واستخدامه لخامات بدائية من البيئة المحيطة به لصنع تماثيل صغيرة، بالإضافة إلى محاولات للعزف على الفلوت أو حتى الضرب على طشت الغسيل النحاسي بديلا عن آلات الطبل، حتى استطاع بعد ذلك استكمال دراسته والتعرف أكثر إلى معارف أكثر حول الفن بمختلف صوره وأشكاله.
في الفصل الأول من الكتاب، والذي جاء بعنوان "الإبداع الفني تشكيل لوجود جديد" يحاول المؤلف تقديم ما يصفه بـ "أنطولوجيا العمل الفني"، ويحاول الإجابة عن سؤال، ويعترف بأنه قد يبدو ساذجا، وهو: ما هو الفن؟ وما طبيعة العمل الفني؟ وما الذي يميز الإبداع الفني عن الواقع؟
•خصوصية فنية
وفي الفصل الخاص بالخصوصية الفنية يعرض لـ "معنى الجمالية"، حيث يذهب المؤلف إلى أن العمل الأدبي أو الفني يجب ألا يكون مباشرا حتى لا تعتبر هذه المباشرة نقيصة في العمل الفني، لكن يجب في نفس الوقت أن يكون متضمنا سمات جمالية يشعر بها المتلقي، وحيث يؤكد المؤلف في نفس الوقت على أن العمل الفني ليس بديلا أو منافسا يزاحم مجالات أخرى.
وفي هذا الصدد يطرح التساؤل: لماذا لا يكون للعمل الفني هدف محدد كغيره من الفعاليات؟ ولماذا يفقد العمل الفني جماليته إن كشف بسهولة عن الهدف أو أصبح وسيلة مباشرة إلى إنجاز هذا الهدف؟
ويقدم المؤلف الإجابة عن هذا السؤال بقول بأن للفن أو الأدب خصوصيته واستقلاله وتميزه عن سائر المجالات، ولذلك فإن الأدب أو الفن يجب أن يحقق أهدافه بطريقة جذابة وممتعة وبدون أن يتقمص الفنان أو الأديب دور الواعظ أو المعلم للجمهور.
وفي هذا الفصل يطرح أيضا تصوره للرؤية الفنية، وهي الرؤية التي لا يشرع الفنان أو الأديب في عمله إلا إذا استغرق في رؤية فنية للعالم أو للواقع أو لجانب منهما، وحيث يوظف المؤلف رؤيته الفنية وعن طريق إعمال الخيال لإنتاج موضوعه الفني أو الأدبي، ومن ضمن العمليات المرتبطة بالرؤية الفنية يتعرض المؤلف لما وصفه بالإضاءة الداخلية، وهى العملية الثانية التي تتجسد فيها الرؤية الفنية لتصير إبداعا.
•الفن والدين
وفي الفصل الثالث بعنوان "الفن والدين" يتناول لقضية شائكة لم تحسم حتى الآن، وهي العلاقة بين الفن من ناحية، وبين الدين من ناحية أخرى، وحيث يتفق الفن مع الدين في أن الاثنين يسعيان إلى تحرير الإنسان وجعله أكثر قدرة على تحقيق ذاته ومعرفة العالم الذي يعيش فيه والتعامل معه.
ويتعرض المؤلف لما يقوله بعض المتشددين من أن الفن يعارض الدين ويقرر بتحريمه، وذلك بزعم أن الفن يشغل عن ذكر الله ويحض على الفسق والفجور!.
ويؤكد في هذا الصدد على أن الفن يعمل على خلخلة الجمود والثبات في الأشياء التي تحيط بالإنسان، وحيث إن الفن هو في جانب من جوانبه ارتياد لمناطق مجهولة أو مساحات لا يمكن أن يتجرأ غير الفنان على ارتيادها.
وفي هذا الإطار فإن المؤلف يذهب إلى وجود تأثير من الفن على الدين، حيث يعتبر أن مثل هذا التأثير فيما يتعلق بانتظام الصلاة ومناسك الحج والطواف، كما أن القرآن الكريم يستخدم التصوير الفني في طريقة التصوير والتشخيص بواسطة التخييل والتجسيم، كما استخدم القرآن الكريم في نفس الوقت للصور الحسية والحركية.
كما يشير في نفس الوقت إلى ما يصفه بالإيقاع الموسيقى في القرآن الكريم متعدد الأنواع، وبما يتسق مع الجو النفسي لتأدية وظيفة أساسية في البيان القرآني، وذلك من خلال الموسيقى الداخلية والتي تتبين في الفواصل المتقاربة.
وفي هذا الإطار أيضا يستشهد بفتوى للإمام محمد عبده حول التصوير، وهى الفتوى التي تقول بأن هناك فائدة من التحقق من الرسم لا نزاع فيها، وأن معنى عبادة التماثيل أو الصور قد محي من الأذهان تماما، فليس من المتصور أن الناس في عصر ظهور الأديان السماوية سوف يعودون إلى عبادة الصور والتماثيل مرة أخرى.
وفي الفصل الخاص بالفن والشكل والحداثة تطرح فكرة مفادها أن الفن يفجر الجمود والثبات في الأشكال الراسخة، كما أن الفن يفتت أحد عناصرها أو يذروها ليستخلص منها مادتها الأولى، ريثما يعيد تأليفها في تكوين جديد، وهو الأمر الذي يتصل بتفاصيل العلاقة بين الفن والشكل والحداثة.
أما في الفصل الخاص عن الحداثة، فيطرح رؤيته التي تؤكد على أن الفن ليس محاكاة للواقع، ولكن على الرغم من ذلك فإن الفنانين قبل الحداثة يعمدون إلى كل القيام بكل ما يمكن من خلاله لفت نظر المتلقين لفنهم.
أما الحداثيون فهم على العكس من ذلك، فهم لا يعمدون إلى البحث عما يلفت نظر المتلقي لأعمالهم، بل هم يفترضون أن المتلقين لأعمالهم سوف يستجيبون ويلتفتون لأعمالهم الفنية مهما كانت غرابة هذه الوسائل الفنية التي يستخدمها من يطلق عليه وصف (الفنانون الحداثيون).
يذكر أن كتاب "في فلسفة الفن" للدكتور صلاح قنصوة، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في 136 صفحة من القطع المتوسط.