في منتصف القرن التاسع عشر تبدأ سلسلة جرائم بشعة تستهدف أبناء الطبقة الحاكمة في مصر، لكن شخصا واحدا استطاع أن يمسك بطرف الخيط المؤدي للكشف عن الجاني، ذلك الرجل هو ساكن (لوكاندة بير الوطاويط) التي اختارها الروائي المصري أحمد مراد عنوانا لأحدث رواياته.
الرواية الصادرة عن دار الشروق في القاهرة تأتي في 253 صفحة من القطع المتوسط وهي السابعة في رصيد الكاتب الحاصل على جائزة الدولة للتفوق في الآداب.
تنطلق الأحداث من عام 2019 أثناء ترميم (لوكاندة بير الوطاويط) المجاورة لمسجد أحمد بن طولون في حي السيدة زينب حيث عُثر على يوميات تعود لعام 1865 مدفونة وراء حائط الغرفة رقم سبعة بالطابق الثالث في اللوكاندة ومحفوظة بشكل جيد.
صاحب اليوميات هو سليمان جابر السيوفي الذي عمل مصورا للموتى لسنوات، قبل إنشاء جهاز شرطة منظم، وله خبرة كبيرة في تحليل الجرائم وإن كان في الوقت ذاته غريب الأطوار وذو خيال واسع.
يعود المؤلف للقرن التاسع عشر ليبدأ سرد الأحداث من واقع المذكرات التي دونها صاحبها في متوالية رقمية وليس بتواريخ الأيام ويختار لنا المذكرات من رقم 34 إلى 53 فقط وهي إن بدت قليلة فبداخلها أحداث اجتماعية وسياسية وتاريخية غاية في الإثارة.
منذ استدعاء سليمان السيوفي للمشاركة في حل لغز الجريمة الأولى يجد القارئ نفسه مشدودا للمشاركة في البحث عن الجاني بسبب الطريقة الغريبة التي يفتتن بها في تعذيب ضحاياه قبل إنهاء حياتهم بل وتركه تذكارا مميزا في مسرح الجريمة للتفاخر بفعلته.
وتتوالى الأحداث وتتفرع الرواية إلى ثلاثة مسارات لا تنفصم، الأول هو جرائم القتل التي يؤدي دأب البطل في الكشف عن مرتكبها وذكاؤه في البحث والتحليل إلى وضعه هو شخصيا في ذيل القائمة بحسب ما توعده الجاني رغم عدم صلته بالشخصيات المرموقة المستهدفة.
المسار الثاني هو القاهرة قديما في زمن شق قناة السويس وإبان حكم الخديوي إسماعيل والسلطان العثماني عبد العزيز الأول حيث تتجلى الشوارع والأزقة وتطل ”تكية المكفوفين“ ويلوح من بعيد سوق الرقيق الذي تتنافس فيه وكالة المحروقي مع وكالة السلحدار على جلب وتوريد الجواري والعبيد من أنحاء العالم. كما تظهر بين السطور أسماء بعض المهن التي اندثرت بحكم الزمن مثل ”المشاعلية“ الذين كانوا يشعلون العواميد بعصيهم ليضيئوا ليل المحروسة.
المسار الثالث هو الحياة الشخصية لسليمان السيوفي، ذلك الشخص الغريب الذي يسكن لوكاندة بير الوطاويط ومولع بالنساء ويظن أن لديه ملكات خاصة، ويربي في حجرته ”حيوانا أليفا“ ما هو إلا ذبابة ضخمة يتحدث إليها وتلهمه في حل القضايا والخروج من المآزق التي يقع فيها.
وبجانب البطل وحاشية أفندينا والقاتل العنيد تظهر الجارية قشطة، تلك الفتاة القادمة من أدغال أفريقيا والتي تضيف علاقتها بسيدها سليمان السيوفي بعدا رومانسيا عذبا للرواية.
المؤلف أحمد مراد كدأبه في أعمال سابقة استخدم وسائل التواصل الاجتماعي في نشر صور ومقاطع مصورة متخيلة لبعض أحداث وشخصيات الرواية وهو ما ساهم بشكل رئيسي في الترويج للعمل وأبقى على شغف القراء بالرواية حتى بعد الانتهاء منها ومعرفة الجاني.