في أواخر نوفمبر الماضي، أبلغ قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، الميليشيات المسلحة الموالية لطهران في العراق، بضرورة إيقاف الهجمات على المصالح الأميركية في الدولة العربية الممزقة، وفقا لما كشفه مصدر سياسي عراقي لـ "الحرة".
لكن التهدئة التي تسعى إليها طهران في العراق، لم تستمر سوى أسابيع قبل أن تعود عمليات استهداف المصالح الأميركية مرة أخرى بهجمات صاورخية جديدة، على الرغم من استنكار النظام الإيراني الهجوم على البعثات الدبلوماسية.
في مؤتمر صحافي، الإثنين، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن "الهجوم على المباني الدبلوماسية والسكنية غير مقبول، لكن نوع الهجوم يظهر أن التوقيت مشبوه للغاية (...)".
وكانت خلية الإعلام الأمني، أعلنت عن إطلاق 8 صواريخ "كاتيوشا" في المنطقة الخضراء التي تقع فيها السفارة الأميركية، واعترضت السفارة الصواريخ معلنة وقوع "أضرار خفيفة" في المبنى ورجحت وقوع جرحى في صفوف المدنيين.
وكان مصدر سياسي مطلع، كشف الشهر الماضي تفاصيل تتعلق بزيارة سرية لقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني للعراق وتقديمه طلبا يتعلق باستهداف المصالح الأميركية في البلاد، لكن المصدر أشار ايضا إلى وجود خلافات في صفوف الميليشيات بهذا الشأن.
وفيما تأتي الهجمات قبيل أيام من الذكرى الأولى للغارة الأميركية التي قتلت قائد فليق القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد، ندد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في تغريدة الأحد، بالهجوم الصاروخي الذي شنته "جماعات خارجة عن القانون"، قائلا: "المليشيات المدعومة من إيران قامت مجددا بشكل صارخ ومتهور بالهجوم على بغداد، وجرح المدنيين العراقيين".
وأضاف أن "الشعب العراقي يستحق أن تتم محاكمة المهاجمين وعلى المجرمين والفاسدين الكف عن أعمالهم المزعزعة للاستقرار".
كما حمل مسؤولون غربيون وعراقيون جماعات متشددة بينها "كتائب حزب الله"، وهي الجماعة الأكثر ولاءا للنظام الإيراني، مسؤوليتها عن هذا الهجوم الصاروخي.
ضوء أخضر خافت
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن توقيت الهجمات الجديدة على السفارة الأميركية يحمل دلالات مختلفة.
وقال الشمري لموقع "الحرة" إن الضربات الصاروخية الأخيرة "قد تكون جزء من ضوء أخير خافت إيراني لتوجيه رسائل متقاطعة إلى إدارة بايدن الجديدة.
وأضاف: "رغم أن طهران تسعى لترسيخ مبدأ التهدئة بشكل حقيقي وتهيئة الأرضية الصلبة والمقبلة للإدارة الأميركية الجديدة للذهاب نحو طاولة المفاوضات، إلا أنها أيضا تضع في حساباتها أهمية أن يأتي بايدن سريعا لهذه الطاولة".
وأشار الشمري إلى أن الإدارة الأميركية الجديد ربما لا تعطي الملف النووي الإيراني أولوية وفق ما يقول المحللون، وهذا ما يزيد الضغط على إيران عقب حملة "الضغط القصوى" التي تبنتها إدارة ترامب.
في نوفمبر الماضي، قالت صحيفة "التليغراف" إن عودة بايدن للاتفاق النووي الإيراني "ليست خيارات سهلا"، مضيفة: "موضوع الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران هو موضوع شائك خاصة أن إيران متهمة بخرق الاتفاق الآن، وأن أولوية بايدن الأولى بدت في اختيار إدارة قادرة على إصلاح العلاقات مع حلفاء واشنطن التقليديين".
وخلال تصريحات سبقت وأعقبت الانتخابات الأميركية، تعهد بايدن بمعالجة ملفات كبرى خلال الأيام المائة الأولى من ولايته منها محاربة فيروس كورونا المستجد وإنعاش اقتصاد البلاد والعودة إلى اتفاق باريس حول المناخ.
وتعرضت المصالح الأميركية في العراق خلال عام إلى أكثر من 90 هجوم استهدفت سفارة الولايات المتحدة في بغداد، وقواعد عراقية تضم جنودا أميركيين وقوافل لوجستية لمقاولين من الباطن عراقيين يعملون لصالح الجيش الأميركي.
انقسامات وخلافات
وقال الشمري، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، إن "هناك أسباب أخرى داخلية تتعلق بالمليشيات ومدى الخلافات الكبيرة التي وصلت إليها (...)، إضافة إلى توجيه رسائل من هذه التنظيمات التقليدية بأنها قادرة على القيام بضربات أقوى من خلال الاعتماد على ميليشيات الظل في مثل هذه الأعمال".
بدوره، يرجح المحلل السياسي العراقي غانم العابد الرأي السائد بوجود انقسامات داخل هذه المليشيات المسلحة الموالية لإيران.
وأكد لموقع "الحرة" وجود انشقاقات داخل قيادات الصف الثاني في هذه المليشيات، مستدلا باعتقال القيادي حامد الجزائري الذي "لم تكن الحكومة تستطيع الوصول له دون أن ترفع الميليشيات يدها عنه"، على حد قوله، إضافة إلى اختطاف القيادي حسين أبو خميني المالكي الشهر الماضي.
وقال العابد إن قائد فيلق القدس قاآني، فشل في فرض شخصيته على هذه الفصائل التي باتت تشكل "أذى" على طهران، مردفا: "هذه الجماعات تعتقد أن أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة سيكون على حسابها، ولهذا تحاول إثبات أنفسها بمثل هذه الهجمات".
أسباب داخلية
وتوقع العابد أن تصعد الميليشيات أعمالها في المرحلة المقبلة من خلال هجمات مختلفة لا تتعلق فقط بالبعثات الأجنبية الموجودة في بغداد.
وأضاف أن "هناك خسائر لابد لهذه الجماعات إيقافها بأي ثمن حتى لو كان ذلك الثمن هو العبث بأمن البلاد، خصوصا وأن التيار الصدري المسلح بدأ يستحوذ على كل شيء ويهدف أيضا للوصول لمنصب رئيس الوزراء".
ووضع لومه على الحكومة إزاء موقفها "الضعيف" تجاه هذه الأعمال، مشيرا إلى أن بيان خلية الإعلام الأمني وصف هذه الميليشيات بـ "جماعات خارجة عن القانون"، في حين أن هذه الضربات هي عمليات "إرهابية" أسوة بما يقوم به تنظيم داعش.
كذلك، يقول الشمري إن المليشيات المسلحة تواصل ضغطها على حكومة مصطفى الكاظمي "ووضعها داخل دائرة الحرج وإظهارها عاجزة عن حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية، وعدم قدرتها على حفظ الأمن العام في العاصمة، وهذا يتزامن مع ضغوط سياسية يواجهها الكاظمي نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها حكومة الفصائل المسلحة برئاسة عادل عبدالمهدي".