إذا أردت العثور على الإجابات الكبرى، فابحث عن التفاصيل. ولتمعن النظر على سبيل المثال في النقوش التي نحتت على بلاطات من الجبس والمرمر، وتصور حملة الملك آشور بانيبال لصيد الأسود. فقد تبدو هذه المنحوتات، التي تعود للقرن السابع قبل الميلاد وكانت تزين جدران قصر ملكي في نينوى، للوهلة الأولى كأنها فوضى عارمة من السهام واستعراض القوة.
وربما يجد الناظر لهذه النقوش البارزة صعوبة في استكشاف أي دلالات جمالية أو روحانية كبرى مختبئة في ثنايا هذه المنحوتات التي تسرد مظاهر الجبروت الملكي من خلال تصوير الملك آشور بانيبال، يمتطي جواده ثم على عربة الخيول، يتفاخر بذبح جماعات من الأسود المكشرة عن أنيابها.
لا شك أن هذه الجداريات ليست مجرد تمجيد لنجاح ملك في دحر أسود في البرية، كما قد يبدو للرائي للوهلة الأولى، (فقد وضعت منحوتتان جداريتان، تكشفان عن إطلاق الأسود من الأقفاص، حدا لهذه الحملة الإعلامية، وربما تلمح إلى أن هذه المنحوتات هي نموذج قديم للأخبار الزائفة). وبالرغم من أن براعة الفنان الذي نحت تفاصيل هذه الأعجوبة الفنية المتقنة لا تخطئها عين، إلا أن أعيننا تبحث عن شيء لافت أو مدخل لتفسير المعاني وراء هذه البرك من دماء الأسود التي تجسدها هذه الجداريات.
ووسط هذا الصخب، ترى حلية تتدلى من أذن الملك في أروع مشاهد الجدارية، على هيئة قرط ضخم لا يقل لفتا للأنظار عن الجوهرة الأخاذة التي تتأرجح بجانب وجنة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للفنان يوهانس فيرمير، فهذا القرط هو أهم التفاصيل التي تكشف عن رمزية هذه الجدارية المبهرة.
فقد عني هذا النحات القديم بإبراز شكل وتفاصيل هذا القرط الضخم الذي يتدلى من أذن الملك آشور بانيبال اليسرى، في مشهد "السهم"، الذي يعد واحدا من المشاهد الرئيسية الأربعة في المنحوتة التي تتضمن مشهد الرمح ومشهد الخنجر ومشهد التحضير. وبدا القرط واضحا وحادا إلى درجة أنك قد تخال أن الملك في لحظة ما قد يتخلى عن السهم والقوس ويأخذ القرط ويصوبه نحو عدوه على غرار محاربي النينجا.