أشادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تقرير تحليلي بتجربة كازاخستان الملهمة في إعادة جميع رعاياها من مخيم الهول، شمال شرقي سوريا، ويضم حوالي 62 ألف شخص معظمهم من عوائل تنظيم داعش الإرهابي.
وقالت الصحيفة إن كازاخستان دولة غير ساحلية تقع في آسيا الوسطى، وهي أبعد ما تكون عن كونها "لجنة لحقوق الإنسان" وتصفها منظمة "فريدوم هاوس" الحقوقية بأنها تخضع لـ"نظام حكم استبدادي"، ولكنها ورغم ذلك قدمت درسا ملهما لدول أوروبا في إنقاذ رعاياها مما بات يوصف بـ"جحيم مخيم الهول".
وطالبت الصحيفة أن تسير بقية الدول الأوروبية على خطى كازاخستان التي اتخذت "نهجا أكثر إنسانية" في الإقدام على إعادة مواطنيها من ذلك المخيم المترامي الأطراف والذي بحسب الكثير من منظمات حقوق الإنسان يعاني قاطنوه من الأطفال والنساء أوضاعا صحية ومعيشية قاسية للغاية.
ويتواجد حاليا في المخيم أكثر من 62 ألف شخص معظهم نساء وأطفال من عوائل تنظيم داعش، وبينهم أعداد كبيرة ممن يتبعون لدول غربية مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا والمملكة المتحدة والدنمارك والسويد.
مراكز تأهيل.. ومحاكمات
وكانت الحكومة الكازاخستانية قد أعادت 607 من رعاياها الذين كان متواجدين في مخيم الهول عبر برنامج حكومي أطلق عليه اسم "عملية زوسان".
وقد أرجعت كازاخستان إلى أراضيها 157 امرأة و413 طفلا، في حين يواجه 37 مقاتلا بالغا المحاكمة عقب إرجاعهم إلى أرض وطنهم.
وقبل ذلك، كانت 32 امرأة كازاخستانية قد عدن مع 89 طفلا إلى البلاد بعيدا عن البرنامج الحكومي.
وأرسلت الحكومة الكازاخستانية النساء والأطفال إلى مراكز إعادة التأهيل، حيث يخضعون لعملية طويلة لمساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع.
وبحسب بعض التقارير الإعلامية، فإن بعضهم تمكن من الاندماج نوعا ما بعد جهد وتعب، فيما لا يزال بعض منهم يتمسك بالفكر المتطرف، إذ وجدت السلطات المختصة منشورات دعائية لتنظيم داعش كانت قد أخفتها إحدى العائدات في لعبة لطفلها.
وقال نائب وزير الخارجية السابق، يرزان أشيكباييف، في وقت سابق من هذا العام للصحيفة الأميركية إن حكومته تبذل قصارى جهدها لمساعدة النساء والأطفال العائدين، مردفا: "نحاول إعادتهم إلى طبيعتهم.. ونود أن نراهم كأناس عاديين".
وفي نفس السياق، أوضحت نائبة وزير التعليم، بيبيجول أسيلوفا، إن المشرفين وجدوا صعوبة في البداية الأمر للتواصل مع الأطفال.
وأضافت: "عندما كنا نطلب منهم أن يرسموا كانت لوحاتهم ورسوماتهم تتمحور حول الحرب والقصف، ولكنهم أصبحوا قابلين للتأهيل بشكل أسرع".
وقدرت أسيلوفا أن أكثر من نصف الأطفال العائدين إلى المدرسة صاروا تلاميذا متفوقين بين أقرانهم.
من جانبها، رحبت واشنطن بالخطوة الإنسانية التي أقدمت عليها الجمهورية السوفياتية السابقة، وقال كريس هارنيش، المسؤول بوزارة الخارجية الأميركية الذي عمل على هذا الملف، "اتخذت كازاخستان خطوة جريئة للغاية من خلال كونها أول دولة تعيد أعدادًا كبيرة من مواطنيها إلى أوطانهم".
"أريد لأطفالي نعمة النسيان"
وفي حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال"، قالت سيدة تدعى، سابينيلا أيازباييفا، إنها عاشت حياة مليئة بالأحداث أكثر من معظم الشابات من كازاخستان.
فهي قد ولدت عام 1990، وتزوجت في سن التاسعة عشرة، وبعدها انتقلت إلى سوريا مع زوجها وأطفالها في عام 2014 لتنضم إلى تنظيم داعش الإرهابي.
ولاحقا، أصبحت أرملة عقب غارة جوية للتحالف الدولي في العام 2017، لتجد نفسها في نهاية المطاف مع أولادها الخمسة في مخيم الهول الذي تشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية بموارد محدودة للغاية.
بعد أكثر من عام من عدم "التيه" في الصحراء السورية، قفلت أيازباييفا عائدة إلى بلادها وقد بلغت من العمر 29 عامًا.
وتتابع حديثها عبر مترجم من خلال تطبيق زووم: "أريد أن ينسى أطفالي ما حدث لهم وأن تعود حياتي إلى طبيعتها".
وهنا يقول ناثان سيلز، منسق مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب: "كرست الولايات المتحدة الكثير من الجهود لمساعدة الكازاخيين في تصميم وبناء، ومن ثم تنفيذ برامج إعادة التأهيل الخاصة بهم".
وأضاف: "البلدان عملا معا لبناء برامج تستند إلى أحدث المعارف في العديد من المجالات مثل معالجة صدمات الطفولة عبر الاستعانة بخبراء تربويين ورجال دين معتدلين".
ولفت سيلز إلى أن "المؤشرات جيدة حتى الآن"، لكنه حذر من أن الأمور لن تنجح دون متابعة واهتمام مستمرين.
وبالمقابل، يعترف المسؤولون الكازاخستانيون أن بعض المشاركين في برنامج إعادة التأهيل يحتفظون بآراء راديكالية، وفي هذا الصدد يقول أشيكباييف إن تطبيق القانون يمكن أن يساعد في تخفيف المخاطر، مستدركا: "من المحتمل ألا نحقق نجاحًا بنسبة 100 في المئة وسنواجه بالتأكيد مشاكل".