انطلقت بعد ظهر الأربعاء مسيرات عدة في العاصمة اللبنانية بيروت، بمناسبة مرور سنة على انفجار المرفأ، الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص، ودمر أحياء في المدينة وفاقم انهيارا اقتصاديا ينهش البلاد منذ مدة.
وتطالب المظاهرات، وفق وكالة فرانس برس "بالعدالة ومحاسبة المسؤولين عن الكارثة".
وتزامنا مع ذلك، عقدت الدول المانحة عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، مؤتمرها الثالث منذ الانفجار، لدعم حاجات اللبنانيين، وعد خلاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمساعدات جديدة للشعب اللبناني بقيمة مئة مليون يورو.
ووسط انتشار لقوى الجيش والأمن، انطلق مئات المتظاهرين، بينهم محامون بردائهم الأسود وأطباء بزيهم الأبيض، من نقاط عدة باتجاه المرفأ. وستكمل بعض التظاهرات مسيرها لاحقاً إلى مجلس النواب.
ودعا أهالي الضحايا وأطباء ومحامون ومهندسون وأحزاب معارضة ومجموعات تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة، إلى التظاهر رافعين شعار "العدالة الآن".
ومن مقر فوج إطفاء بيروت، انطلق أهالي عناصر فوج الاطفاء العشرة، الذين قتلوا في الانفجار. وقالت وفاء كرم (37 عاما)، شقيقة أحدهم، "قتلونا ودمرونا.. نريد أن نعرف من قتل أشقاءنا ودمر حياتنا". وأضافت "هذه جريمة بحق الوطن.. ونحن لن نسكت".
وحملت إحدى المتظاهرات لافتة كتب عليها "ممنوع يلي فجرونا يضلوا على الكراسي".
وفي المرفأ وبحضور أهالي الضحايا، ستقام صلوات إسلامية ومسيحية. وعند تمام الساعة السادسة وسبع دقائق، أي لحظة وقوع الانفجار، ستُتلى أسماء الضحايا.
وأعلنت السلطات الأربعاء يوم حداد. لكن لا مشاركة رسمية في أي من النشاطات المقررة.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا يزال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
وحدّد أهالي الضحايا الاثنين مهلة 30 ساعة للمسؤولين لرفع الحصانات عن مسؤولين استدعاهم قاضي التحقيق طارق بيطار ليمثلوا أمام القضاء.
"لماذا قتلوا؟"
وقال جفري شرتوني (32 عاماً)، أحد موظفي إهراءات بيروت المدمرة والذي فقد عدداً من زملائه، لوكالة فرانس برس "ما زلت أتذكر كل ما رأيته في ذلك اليوم.. كان يجدر بهم أن يخبرونا بوجود تلك المواد، كان بإمكاني أن أطلب من الشباب (زملائي) المغادرة بعد اندلاع الحريق".
وأضاف الشاب "نسأل أنفسنا كل يوم لماذا قتلوا؟ وما زلنا ننتظر أن يحاسب المسؤولون الذين يسرقون البلد منذ سنوات".
على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشر مستخدمون منذ أسابيع دعوات للتعبئة من أجل المشاركة في التجمعات والتظاهرات الأربعاء، مع شعارات وأوسام مختلفة "كلنا ضحايا، كلهم مسؤولون"، "ارفعوا_الحصانات_الآن"، "لن_ننسى".
وأكدت مصادر قضائية لوكالة فرانس برس أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى.
وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن بيطار الشهر الماضي عزمه استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه، ووجّه كتاباً الى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية، كما طلب الإذن بملاحقة قادة أجهزة أمنية وادعى على قائد الجيش السابق.
لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقاً أمامه.
وأظهرت تقارير أولية أعدها جهاز أمني مباشرة بعد الانفجار أن أطنان نيترات الأمونيوم كانت مخزنة إلى جانب مواد قابلة للاشتعال والانفجار، مثل براميل من مادة الميثانول والزيوت وأطنان من المفرقعات النارية.
واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء السلطات بانتهاك الحق بالحياة وجرم الإهمال بعدما أظهرت في تحقيق خاص تقصير مسؤولين سياسيين وأمنيين في متابعة قضية شحنة نيترات الأمونيوم. كذلك اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات بعرقلة مجرى التحقيق "بوقاحة".
انهيار
وعمّقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة.
ومنذ انفجار المرفأ، يقدّم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة الى اللبنانيين من دون المرور بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والهدر، فيما يشترط تشكيل حكومة تقوم بإصلاحات جذرية لتقديم دعم مادي يساعد على اخراج لبنان من أزمته الاقتصادية.
لكن رغم الأزمات المتلاحقة والضغوط الدولية، فشل المسؤولون اللبنانيون بالتوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة دياب إثر الانفجار، والتي لا تزال تقوم بمهام تصريف الأعمال.
أشلاء
وفي الرابع من أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق (15,00 ت غ) انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دماراً ضخماً في المرفأ وأحياء في محيطه وطالت أضراره معظم المدينة وضواحيها.
نتج الانفجار عن كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ 2014 في العنبر رقم 12 في المرفأ من دون إجراءات وقاية.
وتبين أن موظفين ومسؤولين سياسيين وأجهزة أمنية وعسكرية كانوا يعلمون بمخاطر تخزينها ولم يحركوا ساكناً.

عام على كارثة مرفأ بيروت
يضرب اللبنانيون اليوم موعدهم مع الذكرى السنوية الأولى لأكبر انفجار غير نووي عرفه العالم، كانت عاصمتهم بيروت أبرز ضحاياه، ومعها 216 شخصاً سقطوا بنتيجته، إضافة إلى أكثر من 6500 جريح، فيما لم تصدر حتى الآن أي نتائج لتحقيقات ولم تحدد المسؤوليات، وسط غياب لأي مؤشرات تدل على بوادر عدالة قريبة.
وقتل الانفجار 214 شخصاً على الأقل بينهم موظفون في المرفأ وإهراءات القمح وعناصر من فوج اطفاء كانوا يحاولون إخماد الحريق، كما قضى أشخاص في منازلهم جراء الزجاج المتساقط وآخرون في سياراتهم أو في الطرق والمقاهي والمحلات.
ودفنت عائلات كثيرة مجرد أشلاء بقيت من أبنائهم.
فرانس برس