"قس غامض ومجموعة مرتزقة على واتساب".. لغز اغتيال رئيس هايتي يتعقد
الخميس 5 أغسطس 2021 الساعة 18:35

لا تزال ظروف ومعطيات اغتيال الرئيس الهايتي، جوفينيل مويس، البالغ من العمر 53 عاما، غامضة رغم اعتقال السلطات المختصة لأكثر من 40 شخصا من المشتبه بهم، من بينهم 18 ضابطا وجنديا كولومبيا سابقا، أكدوا أنهم كانوا في مهمة لمكافحة المخدرات وأنهم وصلوا إلى مقر الرئيس القتيل بعد اغتياله.

ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن العقل المدبر لعملية الاغتيال أو الدوافع وراءها لا تزال غير واضحة، حيث اعتقلت الشرطة قسا حاول أن ينصب نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، ولكن الكثير من قادة البلاد والنخب السياسية أكدوا أنهم لم يسمعوا به سابقا.

ومن المعتقلين كذلك العديد من كبار ضباط الشرطة، بينهم رئيس الأمن الخاص بمويس وأفراد من فريقه بالإضافة إلى شخصين يحملان الجنسية الأميركية.

وقد استطاعت الصحيفة جمع روايات أكثر من 12 محادثة ومقابلة مع مسؤولين قانونيين ومستشارين سياسيين ودبلوماسيين وموظفين قضائيين ومحامين أطلعوا على التحقيق، علما أن العديد منهم قيد الاعتقال حاليًا، بما في ذلك جان لاغيل سيفيل، رئيس الأمن الرئاسي.

ومن هؤلاء الذين تواصلت معهم "وول ستريت جورنال" قاضي الصلح، كارل هنري ديستين، والذي كان قد وصل إلى مسرح الجريمة بعد أن جرى تعطيله لبعض ساعات، والذي شاهد عشرات الثقوب في جدران وغرف المقر الرئاسي حيث قضى رئيس البلاد، قائلا: "لقد جرى نهب غرفة النوم بالكامل.. وكان هناك الكثير من الشهود ولكن لم يبدُ أي رغبة في التحدث".

ويوضح ديسيتين أنه قد توارى مع العديد من المحققين الرئيسيين عن الأنظار عقب تلقيهم تهديدات بالقتل، مشيرا إلى أن 3 كتبة وموظفين قضائيين آخرين في القضية قد تلقوا أيضا مكالمات من مجهولين تتوعدهم بالقتل، وأن أحدهم كان مكلفا بإجراء مقابلات مع المشتبه بهم، قد سافر بعيدًا مع زوجته ولا تزال بحوزته ملاحظات وتحقيقات لم يجرى طباعتها وتوثيقها حتى الآن. 

وكشفت الشرطة عن أدلة قليلة ضد المتهمين ولم تقدم دافعًا معقولاً، مما يساعد في تغذية الشكوك بشأن الرواية الرسمية لدور  القس كريستيان إيمانويل سانون في الاغتيال، فيما جرى احتجاز عضوًا سابقًا في مجلس الشيوخ من هايتي، واثنين من مخبري إدارة مكافحة المخدرات والعديد من رجال الأعمال في ميامي ومقاول أمني سابق لسفارة الولايات المتحدة.

قصة القس

وقال رئيس الوزراء والقائم بأعمال الرئيس أرييل هنري، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا: "بغض النظر عمن كان متورطًا في القتل، سيتم تقديم هذا الشخص إلى العدالة كائنا من كان"، فيما أوضح جورج فوريول، وخبير شؤون هايتي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه "لا يثق حقًا في أي أدلة فورية لما سمعناه حتى الآن.. التحقيقات ببساطة لا تضيف شيئًا". 

ووفقًا للشرطة فإن القس، كريستيان إيمانويل سانون، البالغ من العمر 63 عامًا، والمحتجز في العاصمة، بورت أوبرنس، اعتاد أن يقدم نفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أنه يملك خطة متكاملة للقضاء على الفقر في هايتي، إذ قال في العام 2011: "نحن بحاجة إلى قيادة جديدة من شأنها أن تغير طريقة الحياة". 

وبحلول العام 2015، أكد بعض معارف وأصدقاء، سانون،  أنه قد بدأ يتحدث عن حكومة انتقالية لهايتي من شأنها أن توفر الأمن والازدهار، حيث عقد أكثر من 10 اجتماعات عبر الإنترنت منذ العام 2020 مع بارنيل دوفيرجر، أستاذ الاقتصاد المتقاعد في كلية بروارد في فورت لودرديل، ليضعا خطة تنمية اقتصادية تحت عنوان "مارشال هايتي" بقيمة 83 مليار دولار  تشمل الطرق ومحطات الطاقة الكهرومائية والبنية التحتية لإزالة النفايات وغير ذلك.

وفي مايو، قال دوفيرجر إن سانون اجتمع مع مجموعة صغيرة من الأشخاص مدينة فورت لودرديل بولاية فلوريدا وكان بينهم المهاجر الفنزويلي أنطونيو إنترياغو، رئيس شركة أمن CTU Security، ووالتر فينتيميلا، المولود في الإكوادور، رئيس مجموعة Worldwide Capital Lending Group ومقرها فلوريدا.

وتزعم السلطات الهاييتية أن شركة الأمن استأجرت الجنود الكولومبيين السابقين المحتجزين الآن، وأن شركة القروض التابعة لفينتيميلا قد قدمت الأموال اللازمة للعملية.

ومنذذلك الحين أغار مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي على ممتلكات يملكها الرجلان في جنوب فلوريدا، بما في ذلك منزل في ويستون، كجزء من التحقيق في الاغتيال، دون اعتقالهما.

وأكد محامي إنترياغو أن موكله بريء نافيا له أن له أي علاقة في عملية الاغتيال، فيما أوضحت شركة Worldwide Capital، أن القس سانون تواصل معها لتوفير التمويل لمشاريع البنية التحتية وأنها ساعدت في تقديم قرض بحجم غير محدد لتمويل هذه الجهود، مؤكدة أنه لم يكن هناك نقاش بشأن مؤامرة اغتيال أو استخدام العنف لإحداث تغيير في قيادة هايتي.

وفي نفس السياق، أوضح دوفيرجر أن سانون أراد أن يصبح رئيسًا للوزراء يومًا ما، لكن لم يكن هناك نقاش في الاجتماعات بشأن الإطاحة بالقيادة السياسية في هايتي بطرق غير دستورية، منوها أنه لايستطيع أن يستوعب أن يكون القس هو العقل المدبر لعملية الاغتيال.

لكن المسؤولين الهايتيين أكدوا عندما داهموا غرفة سانون في فندق في بورت أوبرنس، أنهم عثروا على مخبأ يحتوي على أسلحة نارية، وهنا يرد ستيفن بروس، وهو طيار يبلغ من العمر 65 عامًا وكان جارًا للقس في ولاية فلوريدا، أن الجميع كان يعلم مدى كره سانون للأسلحة النارية وعدم امتلاكه لها.

وتابع بروس: "مصدر الدخل الرئيسي لسانون كان عبارة جهاز رنين مغناطيسي يملكه في بلاده"، فيما أشارت سجلات ولاية فلوريدا إلى أن القس كان قدم في العام 2013 طلبا لإشهار إفلاسه قبل أن يجرى رهن منزله.

ونوه بروس إلى أن جاره يعتبر شخصا ساذجا وطيبا ومن السهل استغلاله، ويتفق في ذلك لوران لاموث، رئيس الوزراء السابق والحليف المقرب لمويس، الذي يرى أن إلقاء التهم على سانون  يهدف إلى صرف انتباه المسؤولين عن العقل المدبر الحقيقي.

وشد لاموث على أنه لم يسمع من قبل باسم سانون مردفا: "من الصعب على هكذا شخص أن يمول عملية اغتيال على هذا المستوى". 

جدل وتضارب

وفي غضون ذلك، في كولومبيا، كان دوبرني كابادور، وهو جندي سابق يبلغ من العمر 40 عامًا، يجند ضباطا وجنود لهم باع في حرب العصابات، مستخدما مجموعة على تطبيق "واتساب" بغية تشكيل  فصيل مكون من 400 رجل بموجب عقد مدته خمس سنوات مع شركة مقرها الولايات المتحدة لم يذكر اسمها لحماية النخبة السياسية لبلد في أميركا الوسطى.

وبحسب الرسائل المرصودة على مجموعة "الواتساب" فإن كل عنصر سيحصل على حوالي 3000 دولار شهريًا، مما جعل 300 من المحاربين القدامى يعلنون عن موافقتهم على الفور.

وفي اتصال مع شقيقته، جيني كابادور، أكدت أن أخيها دوبرني كان تولى المهمة لجمع الأموال لتطوير مزرعته، وأنها على بقيت على وتواصل على معه بعد سفره إلى هايتي في 11 مايو قبل أن تضيف: "أؤكد لكم أن شقيقي بريء".

وفي 9 يونيو، جرى دعوة 100 متقدم من المحاربين القدامى للانضمام إلى مجموعة واتساب أصغر أصغر تسمى، الرحلة الأولى "First Flight"، حيث أخبرهم كابادور أنهم كانوا من القلائل المحظوظين الذين أدرجوا في هذه المجموعة، وقد وأوهم الجنود الكولومبين السابقين أنهم يحظون بـ"دعم وزارة الخارجية الأميركية" دون تحديد أن أطر للمهام التي ستلقى على عاتقهم، أو أنهم سيشاركون في عملية اغتيال رئيس هايتي.

وردا على تلك المزاعم أكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية أن التقارير التي تفيد بأن الجنود السابقين كانوا يتصرفون نيابة عن الحكومة الأميركية، سواء كانت وزارة الخارجية أو مكتب التحقيقات الفدرالي أو إدارة مكافحة المخدرات هي تقارير كاذبة، علما أن واشنطن أرسلت عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي وضباط آخرين إلى هايتي للمساعدة في التحقيق.

"لا شيء منطقي"

وقال ميغيل بينتو، الذي يقود جمعية للجنود المتقاعدين كانت تعمل مع أسر الجنود الكولومبيين السابقين لإعادة جثث أولئك الذين لقوا حتفهم في هايتي والتأكد من مصير المحتجزين "لا شيء من ذلك منطقي.. فلو أراد جندي متقاعد كسب المال من خلال اقتراف جرائم القتل، فلا داعي أن يغادر بلاده  من أجل ذلك".

وكان ما لا يقل عن 24 من الجنود الكولومبيين السابقين قد دخلوا  إلى هايتي في أوائل يونيو قادمين من جمهورية الدومينيكان، وكانوا يقضون وقتهم بالاستجمام في منزل كبير فيه حوض سباحة بانتظار الحصول على تفاصيل مهمتهم، وفي هذا الصدد قالت لوز كاسيريس، شقيقة الجندي المعتقل نيل كاسيريس إن أخيها لم يكن يتحدث عن أي متاعب أو مشاكل وأنه كان يردد على الدوام أن وضعه جيد للغاية في الغربة.

ولاحقا، جرى إعلام الجنود أن قائدهم سيكون ضابطا كولومبيا مخضرمًا، يدعى جيرمان أليخاندرو ريفيرا، ويعرف بالعقيد مايك، وقد وصلهم عبر مجموعة الواتساب الخاصة بهم أن معلومات مهمة ستصلهم وتتعلق بأمن رئيس هذه البلاد وبالتالي عليكم أن تكونوا على أتم الجهوزية".

وأخبر الجندي الكولومبي السابق غيرسين مينديفيلسو، زملائه عبر واتساب: بضروة إرسال مقاسات ثيابهم وأحذيتهم لتوفيرها لهم مؤكدا أن الأسلحة ستكون كلها أميركية على حد قوله. 

"اتفاق شراكة"

وفي 22 يونيو، قال إنترياغو، في تسجيل صوتي، إن شركته الأمنية قد عقدت اتفاق شراكة طويل الأمد مع وزارة العدل الأميركية للمساعدة في تقديم المجرمين الدوليين إلى العدالة، مشيرا إلى أن شركته نفذت عمليات في مناطق بعيدة مثل العراق والبرازيل والبيرو. 

وأشار إنترياغو في حديث بحضور سانون الجنود السابقين الكولومبيين سيكون لهم دورا بارزا في حماية وحراسة العديد من المشاريع الكبرى في البنية التحتية وغيرها من الاستثمارات في هايتي، موضحا: "أن المستثمرين لن يشعروا بالأمن بدون وجود غطاء أمني يحميهم ويصون مشاريعهم".

مهمة لمكافحة الجريمة

وقبل أسبوعين من عملية الاغتيال، استقبل رينالدو كورفينغتون، مؤسس شركة تعتبر نفسها أكبر شركة أمنية في هايتي، زيارة من جوزيف باديو، المسؤول السابق من وكالة مكافحة الفساد في هايتي.

وحضر الاجتماع عدة أشخاص من بينهم إنترياغو؛ ونائب هايتي معارض هو السناتور السابق جون جوزيف جويل، والكولومبي الملقب بالعقيد مايك، ومسؤول في إدارة مكافحة المخدرة، فنسنت جوزيف.

وقال جوزيف إنه كان يعمل مع مكتب التحقيقات الفدرالي في مهمة مدعومة من وزارة الخارجية لاعتقال 34 مسؤولاً حكومياً لارتكابهم مجموعة من الجرائم، بما في ذلك غسل الأموال والفساد وتهريب المخدرات وبيع جوازات السفر الدبلوماسية في الشرق الأوسط، بحسب المحامي، الذي أضاف أن الرجال كان يريدون نصيحة كورفينغتون حول رد فعل الشعب الهاييتي بشأن تلك الاعتقالات المزمعة والتي لم يجرِ الكشف عن أسماء المستهدفين منها.

ومنذ ذلك الحين تم إلقاء القبض على كورفينغتون وجوزيف، كما أصدرت الشرطة الهايتية أوامر اعتقال بحق السادة باديو وجويل.

"ليلة ساخنة"

وفي ليلة الاغتيال، ظهرت طائرة صغيرة بدون طيار تحوم فوق منزل الرئيس الهاييتي، وفقًا لفيلوجين تشارلز، وهي أم عاطلة عن العمل تعيش في حي على قمة تل حيث يعيش الفقراء والأثرياء فيه جنبًا إلى جنب.

وقالت إنها اعتقدت في البداية أن الضجة بالخارج قادمة من مشجعي كرة القدم، حتى سمعت طلقات نارية ودويًا قويًا قادمًا من منزل الرئيس مويس، قائلة إنها اختارت السكن بقربه على الأمل الابتعاد عن الأماكن التي تسود فيها حروب العصابات.

ووفقا للجيران وعناصر من الشرطة فإن  خمسة إلى سبعة رجال كولومبيين قد دخلوا منزل الرئيس بسرعة قبل أن يسمعوا أصوات الرصاص وانفجار واحد على الأقل.

وبحسب التحقيقات فإن مويس كان قد اتصل بمدير الأمن الرئيسي، جان لاغيل سيفيل عند الساعة 1:34 صباحًا بجان لاغيل سيفيل، حيث أيقظه من النوم ليرسل التعزيزات.

وأوضح سيفيل أن الرئيس قال له " أرسل تعزيزات وتعال لكي تنقني"، مشيرا إلى أنه أمضى نحو نصف ساعة في طلب تلك التعزيزات، وأنه تواصل مع مسؤول أمني أخر هو، ديميتري هيرارد، والذي خارج الخدمة في تلك الليلة ولكنه رد على اتصال سيفيل وأخبره أنه في طريقه إلى مقر إقامة مويس. 

بعد ذلك، قال سيفيل، اتصل بالضابط الآمر الذي كان مناوبا في تلك الليلة دون أن يرد، مشيرا إلى أنه تأخر في الوصول لأنه لم يكن قادرا على الحضور بمفرده وأنه عندما وصل 20 كولومبيًا يرتدون أحذية بنية اللون وكان بعضهم يصوبون بنادق هجومية نحوه مما جعله يتراجع ويبتعد عنهم.

وقال شهود إن مجموعة أخرى من الكولومبيين كانت خارج المنزل وأحدهم وهو من أصول هاييتية كان يصرخ عبر مكبر للصوت باللغة الإنكليزية "ابتعدوا.. ابتعدوا هذه عملية لإدارة مكافحة المخدرات" قبل أن يضيف باللغة المحلية "لاداعي للذعر".

وخلال اندلاع معركة بالأسلحة النارية في الحي، كتب كابادور، الجندي الكولومبي السابق الذي جند مواطنيه، رسالة نصية إلى أخته  أن مهمته قد تعقدت، وأنهم "وصلوا متأخرين جدًا" لإنجازها.

وبعد ذلك سعى أحد عشر من الجنود السابقين لاحقًا للاختباء في السفارة التايوانية، حيث أرسل أحدهم لزوجته عبر تطبيق واتساب: "يريدون أن يلصقوا موت ذلك الرجل بنا.. لقد خدعونا"، ولكن السفير التايواني أعطى الإذن للشرطة باعتقالهم لاحقا.

وفي وقت لاحق جرى العثور على جنديين آخرين مختبئين في حي قريب بعد أن عثر عليهما بعض السكان الذين انهالوا عليهما بالضرب المبرح قبل تسليمهما إلى الشرطة.

متعلقات