"الجزائر".. نيران الغابات تثير تساؤلات عن "الأيادي المجرمة"
الجمعة 13 أغسطس 2021 الساعة 19:28

منذ عدة أسابيع تواجه دول مختلفة حول العالم حرائق الغابات، لكن الأزمة التي حلت بالجزائر مؤخرا اتخذت منحنا مختلفا مثيرا للقلق حينما قالت الحكومة إن الحرائق "مفتعلة" ووصفها الرئيس عبد المجيد تبون بـ"الكارثية".

وفي شمال شرق البلاد على مرتفعات منطقة القبائل، لقي عشرات المدنيين والعسكريين مصرعهم أثناء محاولتهم إخماد عشرات من حرائق الغابات الأشد تدميرا في تاريخ البلاد، والتي تستعر منذ الاثنين الماضي.

وتشهد الجزائر حرائق غابات سنويا لكن ضخامة النيران وتمددها الحالي أمر لم تعتده الدولة المغاربية من قبل، حسبما يقول العقيد الجزائري المتقاعد والخبير الأمني، عبد الحميد العربي شريف، لموقع "الحرة".

وتحدث شريف عن معلومات بشأن قيام بعض الأطراف بأعمال تخريبية "بهدف الإساءة للوطن".

وقال: "من الأعمال التخريبية الأشد فتكا بالوطن حرق الغابات التي تمتد على مساحات خضراء كثيفة جدا خاصة في الشمال"، مشيرا إلى معطيات سابقة تحدثت عنها الدولة تحذر من استهداف الغابات.

إلا إن الخبير البيئي الجزائري، رايس فضيل، لا يستبعد أن تكون ظاهرة الاحتباس الحراري، والزيادة في درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار تسببت في اشتعال الحرائق.

لكنه عاد ليقول لموقع "الحرة": "بحسب وجهة نظر الخبراء في ميادين عديدة، وليس في البيئة فقط، هناك إجماع على أن جحم وانتشار الحرائق يوحي بأن أسبابها ليست طبيعية".

في تصريحات للتلفزيون الرسمي، قال وزير الداخلية كامل بلجود: "وحدها الأيادي المجرمة يمكن أن تكون مسؤولة عن اندلاع نحو 50 حريقا في آن واحد في عدة مناطق بالولاية".

كما كشف رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن أن السلطات الأمنية والقضائية لديها "أدلة علمية بأن الحرائق إجرامية"، من دون إعطاء تفاصيل.

وفي 2020 دمرت النيران على حوالي 44 ألف هكتار. لكن حرائق هذه العام "لم تشهدها الدولة منذ  الاستقلال"، حسبما يقول شريف الذي أضاف أن اشتعال النيران في 21 محافظة في وقت متزامن يدفع إلى الاعتقاد بأن وراء ذلك أياد إجرامية، وأن الأمر لا يتعلق بالتغير المناخي أو اللامبالاة.

وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي على الهواء، قال تبون، الخميس، إن بعض الحرائق "تسبب فيها ربما الطقس المرتفع (الحرارة) جدا بالبحر الأبيض المتوسط بصفة عامة، لكن أغلبها تسببت فيها أياد إجرامية".

واعتقلت سلطات الجزائر 22 شخصا، منهم 11 في تيزي وزو إضافة إلى موقوفين في عنابة وجيجل (شرق) وعين الدفلى والمدية (غرب)، ويشتبه في ضلوعهم في إضرام الحرائق. 

وحتى الآن لم تتوفر معلومات دقيقة عن هويات المعتقلين، كما لم تكشف السلطات عن الأدلة التي قد تشير إلى أنهم فاعلين أساسين أو محرضين أو مدفوعين بدعم خارجي لإشعال الحرائق.

وكان النائب العام في تيزي وزو عبد القادر عمروش اعتبر أن الدليل على أن الحرائق فعل إجرامي هو "اشتعال النيران يوم 9 أغسطس في آن واحد وفي نقاط غابية مختلفة".

وأوضح النائب العام أن العقوبات تصل في حق "من أضرم النيران وتسبب في وفاة أشخاص أو احتراق مساكن إلى الإعدام".

وأضاف "الحرائق فعل إجرامي جاء نتيجة القرارات التي عبر عنها السيد رئيس الجمهورية خلال لقائه الأخير بالصحافة، والمتعلقة بحماية الثروة الغابية".

وخلال هذا اللقاء، تطرق تبون إلى قرارات هامة تخص حماية الثروة الغابية. وفي هذا السياق يقول شريف: "قبل شهرين، كانت هناك معلومات تشير إلى نية مجموعات لحرق الغابات، لذلك كان العمل على رفع الجاهزية وأخذ الحيطة لحماية الغطاء النباتي" لكن ذلك لم يحدث.

وكانت ولاية تيزي وزو، وهي الإقليم الرئيسي في منطقة القبائل شرق العاصمة، هي الضحية الأبرز بتضررها بشكل هائل.

القبائل وغياب الإمكانيات

وكشفت حرائق الغابات التي أودت بحياة أكثر من سبعين شخصا في شمال الجزائر غياب إمكانيات التكهن وثغرات لدى السلطات العامة في مواجهة الحرائق التي تعود كل صيف، حسب ما يقول الخبيران البيئي والأمني لموقع "الحرة".

ويقول شريف: "المشكلة أن الدولة لم تكن مستعدة لهذا الكم الهائل من الحرائق، في السابق كانت النيران تندلع في محافظة أو اثنتين فقط، إنما هذه المرة اشتعلت في 21 محافظة فدمرت غطاء نباتيا واسعا ومئات الآلاف من الهكتارات".

وأضاف "تنقصنا وسائل مواجهة الحرائق، خاصة الطيران المكلف بالإطفاء في المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب التدخل فيها".

والأربعاء، أعرب المغرب عن الاستعداد لمساعدة الجزائر في مكافحة الحرائق في وقت تشهد فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين توترا كبيرا. ولم ترد الجزائر على العرض، الأمر الذي فسره البعض بالرفض.

ويقول مصطفى: "هناك تقصير. لا بد أن تكون لهذه الدول سياسات استباقية، نحن نعلم أن المغرب عرض إمكانياته العسكرية والبشرية واللوجيستية لأنه يمتلك طائرات مكافحة الحرائق، لكن سمعنا رفضا جزائريا".

وأضاف "الغابات هي ملك للإنسان، واحتراقها في الجزائر يؤثر على المغرب وتونس وليبيا. لا يمكن أن نتوقف ونرى جنودا يحرقون ومنديين يموتون وكائنات حية أخرى يتم الإجهاز عليها بسبب الإمكانيات المتواضعة لدولة الجزائر".

ولم يعلق شريف على رفض بلاده للمساعدة المغربية، لكنه قال لموقع "الحرة": "العلاقات منقطعة بين الدولتين ولا تنسيق بينهما (...) نحن لسنا في حاجة لمساعدات".

مغربي في الأمم المتحدة، عمر هلال،  خلال اجتماع دول عدم الانحياز يومي 13 و14 يوليو الماضي، إلى "استقلال شعب القبائل" في الجزائر.

ويعود توتر العلاقات إلى عدة أسباب، أبرزها دعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

وعن عدم استجابة السلطات الجزائرية للمساعدة المغربية، يقول الكاتب الجزائري علي بوخلاف لـ"الحرة" إن السبب سياسي، مضيفا "لا تريد الجزائر أن تعطي انطباعا أنها تتسول المساعدة".

وردا على الانتقادات لبطء استجابة الدولة، قال تبون، في خطابه المتلفز، إن الجزائر حشدت كل الوسائل العسكرية والحماية المدنية وخدمات الغابات، لكن كل هذه الوسائل لم تكن كافية نظرا لتعدد الحرائق.

ويشارك 800 رجل و115 شاحنة في إخماد الحرائق، بمساندة مروحيتين من المجموعة الجوية التابعة للحماية المدنية ومروحيات تابعة للجيش.

وكان بن عبد الرحمن قال للتلفزيون الحكومي إن الحكومة طلبت المساعدة من المجتمع الدولي وتجري محادثات مع شركاء لاستئجار طائرات لإطفاء الحرائق.

وتعززت فرق الإطفاء بطائرتي إطفاء وصلتا، الخميس، على أن تبدأ العمل فورا، بعدما "توصلت الجزائر إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي يقضي باستئجار طائرتين كانتا قيد الاستغلال في اليونان"، بحسب بيان للحكومة.

كما وصلت طائرتان أخريان أرسلتهما فرنسا، وفق ما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة.

المناخ واستهداف الغابات 

وكانت نشرة خاصة لمصالح الأرصاد الجوية بالجزائر حذرت، الأحد الماضي أي قبل اندلاع النيران، من ارتفاع درجات الحرارة في المناطق التي شهدت حرائق الغابات.

وقالت إن درجات الحرارة ستصل إلى 46 أو47  درجة مئوية خاصة الثلاثاء وهو اليوم الذي شهد اندلاع أكبر الحرائق. 

ووصلت الحرائق إلى البلد المجاور تونس التي تشهد بدورها درجات حرارة قياسية وصلت إلى 50,3 درجة في القيروان، واندلع أكثر من 155 حريقا منذ الاثنين. وقال الرئيس قيس سعيد أيضا إن بعضها "مفتعلة".

ويقول شريف: "بعض الأطراف الناقمة والحاقدة يمكن أن تستغل الأوضاع الحالية في تونس وتقوم بذلك. هذا أحد أهداف الأطراف المعادية لضرب دول بعينها".

لكن الخبير البيئي المغربي، عيسات مصطفى، يقول لموقع "الحرة" إن جزءا من الحرائق التي تشهدها عدة دول حاليا، يرتبط بالتغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة، مضيفا "نحن نعيش الاستشرافات التي أنذرت منها التقارير المناخية منذ عشر سنوات".

واندلعت حرائق الجزائر في نفس اليوم الذي حذرت فيه لجنة معنية بالمناخ تابعة للأمم المتحدة من أن تغير المناخ بات قريبا من الخروج عن السيطرة، وأن من المؤكد بالفعل أن يواجه العالم مزيدا من اضطرابات المناخ لعقود مقبلة إن لم يكن لقرون.

ويتوقع الخبراء أن تتضاعف موجات الحر وتشتد وتطول مدتها، مما يشكل خليطا مثاليا لاندلاع الحرائق وتوسعها.

وفي ما يتعلق بقدرة التدخل البشري على التسبب في الحرائق التي تشهدها الجزائر، يقول مصطفى: "قد ترتبط الحرائق بخلل في سلوكيات الإنسان مثل ترك النار مشتعلة في الغابات وغيرها من الأمور غير الاحترازية للحفاظ على الغابة، مما يؤدي إلى اندلاع الحرائق إما عن قصد أو غير قصد".

لكنه عاد ليقول: "ليست الجزائر وحدها التي تشهد حرائق، فهناك بلدان متعددة منها المغرب وتركيا ودول في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، شهدنا حرائق الغابات في الأمازون، ولم يكن ذلك مفتعلا".

خسائر كبيرة

وتضم الجزائر 4,1 ملايين هكتار من الغابات فقط، مع نسبة إعادة تشجير متدنية بلغت 1,76 في المئة.

ومع ذلك، أظهرت الصور والفيديوهات من تيزي وزو مساحات شاسعة من الغابات أتت عليها النيران. ويقول مصطفى إن الخسائر كبيرة ولا تقدر بثمن.

وأسفرت الحرائق المستمرة حتى الآن عن تفحم الغطاء النباتي ونفوق رؤوس الماشية ومحاصرة القرى. ووعد رئيس الوزراء بـ"تخصيص ميزانية خاصة لتعويض الضحايا"، كما نقل عنه التلفزيون الحكومي.

ويقول مصطفى: "الغابات تعد مستوطنا للكائنات الحية؛ فالأشجار ليست المكون الوحيد لها إنما تحوي تنوعا بيولوجيا غزيرا من حيوانات وزاحف وطيور وحشرات لا يمكن تعويضها إلا بعد مئات السنين".

وأضاف "فقدان آلاف الهكتارات من الغابات خسارة جسيمة للبيئة المحلية في الجزائر وبالتالي شمال أفريقيا، وخسارة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، حيث يعتاش سكان على الغابات ومكوناتها وثمارها وأشجارها وكل المخارج الإنتاجية المرتبطة بها".

ولم يتوقف الأمر على الخسائر التي تسببت فيها الحرائق، بل امتدت إلى توقيف سكان (دائرة الأربعاء ناث إيراثن) في تيزي وزو، الأربعاء الماضي،  الشاب إسماعيل بن جمال الذي اتهموه بأنه وراء إشعال الحرائق، "وقاموا بالاعتداء عليه قبل أن يضرموا فيه النار حتى مات"، بحسب بيان الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.

والخميس فتح القضاء تحقيقا في قضية إقدام مجموعة من الأشخاص على إحراق بن جمال حيا، بتهمة "القتل عن طريق الحرق" حتى "لا تمر هذه الجريمة البشعة دون عقاب".

ويعتقد العقيد الجزائري المتقاعد أن هذه الواقعة منفصلة عن الأطراف الإجرامية التي تقول الحكومة إنها تقف وراء الحرائق. 
وفي هذا الإطار، أوصى تبون في خطابه التلفزيوني، شعبه بـ"الوحدة الوطنية"، قائلا إنها "البداية وهي النهاية".

ويشير بوخلاف إلى أن تركيز تبون على وحدة الصف يأتي في سياق الخطابات العنصرية التي شهدتها منطقة القبائل بعد حرق الشاب إسماعيل بن جمال حيا.

متعلقات