بعد ستة أيام على طرح "خارطة الطريق التي وضعت لصالح النظام المرتهن لإيران"، استفاقت درعا البلاد، السبت، على تعزيزات أمنية كبيرة استقدمتها قوات النظام والفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، في محيطها ما أثار المخاوف من اقتراب عملية عسكرية، في مدينة تشهد أزمة انسانية متفاقمة.
الخارطة، التي تسلمتها اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي، الأحد، واجهت ردود فعل رافضة، على اعتبار أن بنودها تصب في صالح النظام السوري وأهدافه الأمنية والعسكرية، وفقا لما يقوله ناشطون.
وبحسب النسخة التي حصل عليها موقع "الحرة"، تنص الخارطة على تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة الموجودة بيد عدد من مقاتلي المنطقة، على أن يتم بعد ذلك إجراء "تسوية أمنية للمسلحين".
ويقول المرصد السوري إن مدينة درعا تشهد تدهورا في الحالة الإنسانية، وسط نقص بالخبز والمواد الغذائية، ومياه الشرب والأدوية والمحروقات، فيما لا يزال معبر السرايا مغلقا حتى الآن.
وأكدت وكالة "سانا" الرسمية، الموالية للنظام، قيام النظام بنشر تعزيزات أمنية في المناطق المحيطة بحي درعا البلد، ناشرة مجموعة صور للمدرعات والأسلحة.
وكان لافتا فيها وجود راجمات صواريخ قصيرة المدى، أو ما يعرف بـ"صواريخ جولان"، التي سبق استخدامها في معارك عدة، أبرزها في الغوطة الشرقية.
ويربط الصحفي، أحمد المسالمة، المقيم في العاصمة الأردنية عمّان، التطورات العسكرية الأخيرة في محيط درعا البلد، بـ"اقتراب موعد الحرب"، وذلك بسبب "تعنت نظام الأسد" و"عدم إمكانية الوصول إلى حل"، على حد تعبيره.
ويتواجد المعارضون بشكل أساسي في الريفين الغربي والجنوبي. وتنقسم مدينة درعا بين "درعا البلد" في الجنوب، ويتواجد فيها المقاتلون، و"درعا المحطة" حيث تنتشر قوات النظام.
وأوضح المسالمة أنه "في الـ 5 أيام الماضية، حصلت جولات مفاوضات عدة، ومن المقرر انعقاد جولة أخرى اليوم السبت، ولكن جميعها تتجه نحو الفشل، ولن تصل بالنهاية إلى حل يرضي الطرفين".
وعن نقاط الخلاف العالقة، يشدد المسالمة على "أن النظام يصر على أن يسلم أهالي درعا السلاح الثقيل والخفيف رافضا لأي تسوية"، مشيرا إلى عدم وجود أي مؤشرات روسية لتعديل خارطة الطريق التي وضعتها، قائلا "تم اقتراح وضع الشباب المسلح في مجموعات عسكرية كالفيلق الثامن والفرقة الرابعة، ولكن لم يتم الموافقة على ذلك".
وتعتبر محافظة درعا في الجنوب السوري إحدى مناطق "خفض التصعيد"، ويحكمها اتفاق دولي منذ عام 2018، قضى حينها بإبعاد المقاتلين المعارضين إلى الشمال السوري، مع إعادة بسط نفوذ قوات الأسد وروسيا من جديد.
وتتميز المحافظة بوضع خاص عن باقي المناطق السورية التي دخلت في اتفاقيات "التسوية"، من حيث طبيعة القوى العسكرية المسيطرة على قراها وبلداتها، وأيضا طبيعة المقاتلين.
محافظةقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأحد، إن لجنة التفاوض أعلنت بدء تسوية لأوضاع المطلوبين وتسليم سلاحهم في محافظة درعا، جنوب سوريا، وخيرتهم بين "الاستسلام أو التهجير أو الملاحقة
وينقسم المقاتلون بين تشكيلات أنشئت حديثا مثل "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس"، وأخرى "أصيلة" في المنظومة العسكرية لنظام الأسد كـ"الفرقة الرابعة" و"الأمن العسكري" والمخابرات الجوية".
بينما يصر الكاتب والمحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "المفاوضات لم تنقطع بين الدولة السورية والمسلحين عبر الوسيط الروسي، وهي في نهايتها ستصل إلى نتيجة مرضية".
وشدد يوسف على أن "موسكو تحاول عدم الإبقاء على أي صدام عسكري في درعا، ولكن هناك أيادٍ خارجية تشجع المسلحين على رفض شروط التفاوض، ولكن سيرضخون في خاتمة الأمر".
ورغم ذلك، يتمسك يوسف بأن "الدولة السورية قدمت الكثير من التنازلات، ومطلبيها الأساسين تسليم السلاح الذي يستخدم بوجه المدنيين والجيش، فضلا عن طرد مجموعة من الشباب المسلح الرافضين لوجود الجيش إلى خارج درعا".
شكلت محافظة درعا الحدودية مع الأردن وإسرائيل مهد الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011 ضد النظام السوري، وشرارة "الثورة" التي ما لبثت أن عمت معظم الأراضي السورية وووجهت بالقمع.
ومع تطور الاحتجاجات إلى نزاع دام، سيطرت فصائل معارضة على المحافظة.
لكن وعلى خلاف باقي معاقل المعارضة التي شهدت عمليات عسكرية وحصارات محكمة انتهت باتفاقات أجلي بموجبها المقاتلون المعارضون إلى شمال البلاد، حصلت تسوية في درعا رعتها موسكو وضعت حدا للعمليات العسكرية، لكن نصت على أن يسلم المقاتلون المعارضون سلاحهم الثقيل مع إمكانية الاحتفاظ بأسلحة خفيفة والبقاء في قراهم ومدنهم.
ولم تنتشر قوات النظام في كل أنحاء المحافظة.
وعن تفسيره للتعزيزات العسكرية الأخيرة، يقول يوسف: "في أي هدنة عسكرية، الكل يضع على الطاولة جميع نقاط قوته، والجيش لديه ترسانة عسكرية أدخلها إلى درعا للتأكيد على أنه جاهز للحرب وقادر على الرد في حال فشلت المفاوضات وتم اللجوء إلى العنف من قبل المسلحين".
وأضاف: "في الحروب، الجميع يفاوض حتى الوصول إلى حافة الهاوية"، مشددا على أن "خيار الحرب ليس من مصلحة أحد".
في المقابل، يرى المسالمة على أن "كل الأمور مفتوحة في جنوب سوريا"، متوقعا "الحرب بنسبة 80 في المئة"، متهما النظام بأنه "يريد الدخول عنوة إلى درعا ودون أي حل سلمي".
وأشار المسالمة إلى أن "خير دليل على إصرار النظام المتغطرس بالقوات الروسية على الحل العسكري لا السلمي، هو استقدام المركبات والجنود، فضلا عن إنشاء نقاط للطيران المسير في ضاحية درعا ومنطقة البانوراما، وكذلك استعراض راجمات جولان".
وأكد على أن "الثوار المسلحين عددهم 100، كل ما يريدونه هو العيش بكرامة والصلح بكرامة"، مستبعدا أن يكون هناك قدرة على مواجهة جيش النظام باعتبار أن "البندقية لا تحارب الدبابة"، على حد قوله.
من جهته، يستدرك يوسف قائلا: "الجيش السوري استخدم راجمات الصواريخ في أماكن متعددة من سوريا، وهو جاهز لاستخدامها طالما أنه هناك خلايا نائمة وأسلحة مخبأة في درعا".