في وقت يظهر الاقتصاد العراقي مؤشرات "تعافي تدريجي" بحسب بيان لوزارة المالية، نقل عن البنك الدولي مؤشرات تبين "مكاسب" حققها الاقتصاد، لا يزال اقتصاديون عراقيون يرون أن "التفاؤل مبكر جدا" بحالة الاقتصاد العراقي.
وبحسب البيان، يظهر النمو الاقتصادي تعافيا تدريجيا في أعقاب الانكماش الذي أصاب الاقتصاد نتيجة جائحة كورونا في العام الماضي.
وتقول وزارة المالية إن هذا جاء جزئيا نتيجة "زيادة النشاط غير النفطي"، وتوقعت أن "يؤدي التحسن في ظروف سوق النفط العالمية إلى تعزيز النمو الاقتصادي على المدى المتوسط، وتحويل الأرصدة المالية والخارجية إلى فوائض من عام 2021، لتواجه الارتفاع الأخير في الديون.
وعزا تقرير البنك الدولي مخاطر الهبوط الرئيسية إلى التطورات الوبائية المحتملة، وتقلب أسعار النفط، وانتكاسات الوضع الأمني، وتعرقل تنفيذ الإصلاح الاقتصادي.
أرقام "مبشرة"
ويقول الخبير الاقتصادي فضل المعموري لموقع "الحرة" إن "الدين العام العراقي تراجع بشكل واضح، بحسب بيانات الحكومة، ويعود هذا بشكل كبير إلى تحقيق وفرة في العائدات النفطية خلال العام الحالي بعد تحسن أسعار النفط".
وعادت أسعار النفط العالمية لتحقق مستويات مرتفعة بعد انخفاض حاد نتيجة نقص الطلب في عام 2020.
وبحسب مستشار الحكومة العراقية الاقتصادي، مظهر أحمد صالح، فإن "الدين العام الخارجي للعراق في انخفاض، وهو بحدود الـ20 مليار دولار".
وأضاف صالح لوكالة الأنباء العراقية أن "الدين الداخلي ما زال هو الأكبر في الوقت الحاضر، ويفوق الدين الخارجي 3 مرات، لكنه يبقى محصوراً في إطار النظام المالي الحكومي حصرياً، وليس له صلة بالجمهور".
وتوقع صالح أن يكون عام 2022 خالياً من الضائقات المالية والقيود التمويلية، مضيفا أن هذا يعود "لانتعاش سوق الطاقة وازدهار الطلب على النفط، فضلاً عن ارتفاع حصيلة إنتاج العراق من النفط بواقع 400 ألف برميل يومياً".
ويقول المحلل المعموري إن "الاقتصاد العراقي حصل على فرصة أخرى بعد أن اقترب من الانهيار، إذ أن العام 2020 هدد بشكل كبير قدرة الدولة على دفع الرواتب، وهي – الرواتب- المحرك الأكبر للسوق الداخلية ولدورة الأموال، مما يعني المخاطرة بدخول العراق في دورة تضخم وكساد هي الأكبر".
واعترفت وزارة المالية العراقية في بيانها إن "الأزمة المالية الخانقة هددت قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المثقلة اصلاً بأعباء تركة كبيرة متمثلة بتضخم معدل الإنفاق العام وارتفاع فاتورة الأجور ، الأمر الذي هدد تأمين رواتب موظفيها".
انتعاش "غير مضمون"
لكن الاعتماد الكبير للعراق على الموارد النفطية يجعل من الانتعاش الاقتصادي أمرا غير مضمون، بحسب المحلل الاقتصادي حسين خليل الزبيدي.
ويقول الزبيدي لموقع "الحرة" إن "ارتباط العراق بالسوق العالمية للنفط بشكل رئيس، يهدد أمنه الاقتصادي"، مضيفا أن "الوفرة المالية التي تحققت بسبب ارتفاع أسعار النفط ليست أمرا مطمئنا بالضرورة".
ويضيف الزبيدي أن "الوباء أثبت أن الاعتماد على الطلب العالمي على النفط مقامرة كبيرة، قد تفشل في أي لحظة"، مؤكدا أن "التفكير بأن الحاجة إلى النفط – حتى لو لم يحصل وباء جديد – ستكون مستمرة خلال السنوات المقبلة هو قصر نظر"، على حد تعبيره.
ويقول تقرير البنك الدولي إن عائدات النفط مثلت خلال العقد الماضي، 99 بالمئة من صادرات العراق، و85 بالمئة من موازنة الحكومة، و42 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول التقرير إن هذا "اعتماد مفرط على النفط يعرض البلاد لتقلبات اقتصادية.
الاحترار المناخي
وبحسب الخبير الاقتصادي علي عطية فإن "العالم يتجه بشكل جاد بعيدا عن الوقود الأحفوري الملوث للبيئة، مما يعني أخبارا سيئة للاقتصادات المعتمدة على تصدير النفط وغيره من أشكال هذا الوقود".
ويضيف عطية لموقع "الحرة": "يبحث العالم الآن عن تطبيقات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح والمياه لتوليد الطاقة، وهو يحقق اختراقات جديدة كل يوم".
وبحسب عطية فإن "الوعي العالمي المتنامي بمخاطر الاحترار المناخي، والآثار المدمرة للوقود الأحفوري على البيئة، لن يجعل من النفط الخيار المفضل خلال السنوات المقبلة".
ويقول عطية إن "العالم يحرق نحو مليار غالون من الوقود النفطي يوميا، والتوجه نحو الطاقة النظيفة يعني إن هذا الرقم قد يقل بنسبة 80-90 بالمئة حتى سنة 2050، مما يعني انخفاض الطلب العالمي بنفس النسبة".
ومع ظهور كورونا، انخفض الطلب بمقدار 40-50 بالمئة في "أسوأ الأوقات"، وأدى هذا الانخفاض إلى آثار مدمرة على اقتصادات الدول النفطية مما يجعل "من المنطقي التفكير ببدائل عاجلة".
ويشير تقرير البنك الدولي إلى أنه "بدءا من يناير 2021 زادت نسبة البطالة اكثر من 10% عما كانت عليه قبل الجائحة والتي كانت 12.7 بالمئة"، مضيفا أنه "في الوقت الذي تتحسن فيه الأوضاع الاقتصادية في العراق تدريجيًا مع تعافي أسواق النفط الدولية ، الا ان هذا الانتعاش محفوف أيضًا بالمخاطر الرئيسية التي تشكلها المعوقات الهيكلية.
ويشمل ذلك قيود إدارة الاستثمار العام التي أثرت على تقديم الخدمات العامة، والتسديد البطيء للديون المتأخرة، خاصة تلك المتعلقة بالأجور العامة وتحمل المصارف للمملوكة للدولة والبنك المركزي العراقي لأعباء الديون السيادية، فضلا عن هشاشة الوضع السياسي، وضعف نظام الرعاية الصحية، والفساد المستشري الذي يستمر في إثارة الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد.".
ويقول المحلل الاقتصادي فضل المعموري إن "هذا يعني إن على العراق حل تلك المشاكل سريعا والاستفادة من الفورة النفطية الحالية في الاستثمارات الزراعية والصناعية والاستثمارات الخارجية".