تصريحات متناقضة صدرت بعد انتهاء الاجتماع غير المسبوق الذي جمع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع قادة أحزاب "الإطار التنسيقي" المعترضة على نتائج الانتخابات، في مؤشر على "فشل" الاجتماع في الخروج بحلول تنهي أزمة تشكيل الحكومة العراقية المرتقبة.
مباشرة بعد انتهاء الاجتماع، الذي عقد في منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري ببغداد، أصدرت قوى الإطار التنسيقي، بيانا قالت فيه إن "الطرفين اتفقا على استمرار الحوارات والمناقشات وصولا إلى وضع معالجات واقعية للانسداد الحاصل في المشهد السياسي".
ويضم "الإطار التنسيقي" قوى سياسية شيعية من أبرزها تحالف الفتح، المكون من فصائل موالية لإيران، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم.
لم يورد بيان الإطار التنسيقي أي إشارة بشأن شكل الحكومة العراقية المقبلة، الذي بات محل خلاف، إذ يردد الصدر الدعوة لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية" ممثلة بالأحزاب التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات. وفي المقابل تطالب الفصائل الموالية لإيران بحلول تقليدية وتسوية لجميع الأطراف في مفاوضات تشكيل الحكومة.
بعد الاجتماع مباشرة نشر الصدر تغريدة على تويتر جدد فيها الدعوة لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية".
وقال رئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري في بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية إن الصدر أكد خلال الاجتماع مع قوى الإطار التنسيقي على تشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، مضيفا أن هذه الحكومة لن تكون "توافقية محاصصاتية على الإطلاق".
ودعت تصريحات من قياديين في الإطار التنسيقي، لتشكيل حكومة توافقية، وتحدثت أخرى عن اتفاق مع الصدر بشأن شكل الحكومة المقبلة.
ونقلت وسائل إعلام محلية، بينها الوكالة الوطنية العراقية للأنباء، عن القيادي في تيار الحكمة، فادي الشمري، القول إن "القادة السياسيين الذين اجتمعوا اليوم قرروا أن يكون رئيس الوزراء القادم توافقيا، والوزراء حسب الاستحقاق الانتخابي".
وأضاف أن " المجتمعين اتفقوا أيضا على تشكيل لجنة مشتركة لإعداد ورقة موحدة تكون أساسا لبرنامج حكومي، يتم تقديمها للشركاء السياسيين وتكون ملزمة للحكومة القادمة".
كذلك أصدر ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي بيانا دعا فيه إلى "الإسراع في تشكيل حكومة توافقية".
نفي صدري
لكن عضو التيار الصدري، عصام حسين، نفى صحة هذه التصريحات جملة وتفصيلا، وأكد أن موقف زعيمه "واضح" ولا يقبل الشك.
وقال حسين لموقع "الحرة" إن "تصريحات الصدر كانت واضحة جدا بعد الخروج من الاجتماع، وأكد خلالها على تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية".
وأضاف حسين "لم يكن هناك أي اتفاق مع الإطار التنسيقي"، مشيرا إلى أن البيان الذي صدر بعد الاجتماع "قدم وجهة نظر قوى الإطار فقط، التي تريد اختيار رئيس وزراء توافقي وتقسم الوزارات حسب الاستحقاق الانتخابي".
ودأبت القوى السياسية العراقية خلال تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 على اعتماد مبدأ التوافق أو "المحاصصة" من خلال توزيع المناصب السيادية والوزارات على أسس طائفية، وإشراك جميع القوى الفائزة في الانتخابات في الحكومة.
وتعتبر "المحاصصة" عرفا سياسيا في العراق. وقد ارتبط مفهوم التوافق بين المكونات السياسية وثيقا بفكرة "المحاصصة" الطائفية والحزبية التي وسمت المشهد السياسي العراقي منذ ما بعد 2003، والتي يرى فيها عراقيون سببا من أسباب الفساد المالي والإداري.
وخلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 2019، أصبح إنهاء المحاصصة وتغيير الطبقة السياسية المتهمة بالفساد مطلبا أساسيا للمحتجين.
"فشل الاجتماع"
يرى المحلل السياسي إياد العنبر أن اجتماع الإطار التنسيقي "فشل" في تحقيق أية نتائج تتعلق بشكل الحكومة المقبلة.
وقال العنبر لموقع "الحرة" إن المجتمعين لم يخرجوا للعلن للحديث عما جرى: "الاجتماع فشل لأنه لم ينته بعقد مؤتمر صحفي واضح وصريح للصدر والعامري أو القيادات التي شاركت فيه".
وأضاف العنبر: "عدم الخروج للعلن يعني أنه لم يكن هناك اتفاق على شكل الحكومة وتقاسم السلطة".
ويشير العنبر إلى أن "الغاية الأساسية من الاجتماع على ما يبدو كانت محاولة لتذويب الجليد بين الصدر وباقي الأطراف الشيعية".
ويتفق الكاتب والباحث السياسي، فرهاد علاء الدين، مع هذا الطرح بالإشارة إلى أن الاجتماع قد يكون "بداية فك الأزمة السياسية واتفاق على توزيع الحقائب والمناصب الرئاسية".
ويضيف علاء الدين أن الاجتماع "بادرة حسن نية واسقاط فرض، وإذا لم يتفقوا فإنه (الصدر) سيمضي لتشكيل الحكومة القادمة".
"من يستسلم أولا"
وعرف الصدر بمواقفه المتغيرة على مدى سنوات في المشهد السياسي العراقي، فقد كان ينسحب تارة من الحكومة، وفي اليوم التالي يعود إليها؛ يقرر عدم المشاركة في الانتخابات، ثم بعد أيام يعدل عن قراره، لكن حتى الآن يبدو الصدر ملتزما بموقف واحد في ما يتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة.
ويبين أستاذ العلوم السياسية والباحث، فراس الياس، إن الصدر يحاول تغيير قاعدة التفاوض على شكل الحكومة "من التوافقية-السياسية إلى الأغلبية- التوافقية"، مضيفا أن خصومه قد يقتنعون في النهاية بهذه "الصيغة".
وأشار الياس إلى أن الصدر دخل "في مفاوضات الأمتار الأخيرة مع قوى الإطار اليوم، متسلحا بنتائج الانتخابات والدعم الإقليمي والدولي .."
ويقول العنبر إن "المواقف السابقة للصدر، لا تعطي انطباعا أنه سيثبت على مواقفه الموحدة"، ويشير إلى أن الصدر "يبدأ بدايات قوية وبعدها يصطدم بواقع الحال وبطبيعة تركيبة النظام السياسي التي يصعب كسرها".
بالنهاية يتوقع العنبر تشكيل "حكومة بشروط الصدر" وفي حال عدم تحقيقها من الأفضل له الذهاب لخيار المعارضة "وهذا يحتاج لكثير من الشجاعة".
وبشكل غير مسبوق، قد يتوجه الصدر لتشكيل تحالف أغلبية داخل البرلمان من خلال تحالفات مع أطراف خارج التشكيلات الشيعية، وفق محللين يشيرون، في هذا الإطار، إلى احتمال تشكيل ائتلاف مع رئيس البرلمان المنتهية ولايته محمد الحلبوسي (37 مقعدا) والحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود بارزاني (31 مقعدا).
وقال المحلل السياسي حمدي مالك من "معهد واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى، إن "الأمر يتعلق بمعرفة من يستسلم أمام ضغط الطرف الآخر"، في إشارة للقوى الموالية لطهران من جهة، والتيار الصدري من جهة أخرى.
وتابع قوله لفرانس برس "حتى الآن، لم يستسلم أي منهما للآخر، وهذا سبب في ارتفاع مخاطر التصعيد والمواجهات في هذه المرحلة".
وتصدرت الكتلة الصدرية، بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، نتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في العاشر من أكتوبر بحصولها على 73 مقعدا من أصل 329 هي مجموع مقاعد مجلس النواب.
وحصل "تحالف الفتح"، الممثل الرئيسي لفصائل الحشد الشعبي داخل البرلمان بعد اعتراضه على النتائج الأولية بدعوى حدوث تزوير، على 17 مقعدا بعدما كان يشغل 48 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته.
وأعلنت عدة فصائل موالية لإيران تعمل ضمن "قوى الإطار التنسيقي" وبينها "تحالف الفتح"، في بيان، الثلاثاء، أنها تواصل "رفض النتائج الحالية والاستمرار بالدعوى المقامة أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء الانتخابات".
واعتصم مناصرون لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران خلال الأسابيع الماضية أمام بوابات المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، احتجاجا على "تزوير" يزعمون أنه شاب الانتخابات التشريعية المبكرة، وطالبوا بفرز كامل للأصوات.
* نقلا عن موقع قناة الحرة الأمريكية