استعاد الجيش الإثيوبي هذا الأسبوع السيطرة على الأراضي التي أحكم متمردو تيغراي قبضتهم عليها مؤخرا، ما يبدو انعكاسا لانضمام رئيس الوزراء أبيي أحمد إلى جنوده في مناطق النزاع.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال من غير الواضح تماما ما يعنيه هذا الانتصار ومآلاته على الصراع المستمر منذ عام مع دخول القتال مرحلة جديدة يشوبها اللايقين.
وقبل شهر واحد فقط، تقدم المقاتلون في جبهة تحرير شعب تيغراي بشكل متسارع مع إعلانهم الاستيلاء على مدينتي ديسي وكومبولتشا على طريق سريع رئيسي باتجاه العاصمة أديس أبابا.
وسرت أنباء عن أنهم وصلوا إلى شوا روبت، على بعد حوالي 220 كيلومترا فقط شمال شرقي أديس أبابا.
لكن بعد تأكيد أبيي الأسبوع الماضي، توليه زمام العمليات الميدانية، أعلنت الحكومة سلسلة انتصارات فيما أقر المتمردون باضطرارهم إلى تغيير استراتيجيتهم.
وطغت لهجة المنتصر على تغطية وسائل الإعلام الحكومية. ونقلت هيئة الإذاعة الإثيوبية عن أبيي قوله الخميس "العدو دُمّر وتفكك".
وقال خبير الأمن في القرن الأفريقي بجامعة كوينز في كندا، أويت ويلدمايكل، إنه لا شك في أنه يمكن للحكومة الادعاء بتمتعها بـ "اليد العليا" في مناطق معينة.
وأضاف "الوقت وحده سيحدد ما إذا كان يمكن ترجمتها إلى يد عليا في الحرب".
تحول مفاجئ
واندلع القتال في شمال إثيوبيا في نوفمبر 2020 عندما أرسل أبيي قوات للإطاحة بالجبهة في ما قال إنه رد على هجماتها على معسكرات الجيش.
وعلى الرغم من أن أبيي، الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2019، تعهد تحقيق نصر سريع إلا أن الجبهة استعادت معظم تيغراي بحلول أواخر يونيو، وسرعان ما شنت هجمات على منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين.
واستدعى تقدم المتمردين نحو أديس أبابا استنفارا دوليا، وحثت سفارات عديدة مواطنيها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.
كل ذلك فيما كانت الطبيعة الدقيقة لتقدم جبهة تحرير شعب تيغراي محل خلاف.
وأفاد مسؤول أمني غربي فرانس برس في منتصف نوفمبر "لا أعرف ما إذا كان ينبغي أن نسميه تقدما". وأضاف حينها "ليس هناك طابور ضخم من الدبابات والمدرعات يسير على الطريق نحو أديس أبابا. الأمر أكثر تعقيدا من ذلك. هناك جنود مشاة يتجهون إلى الجبال ويطلقون النار ويحاصرون مناطق معينة" ولكن لا يبدو أنهم يسيطرون بشكل كامل على المدن والبلدات.
كما لم تعلن الجبهة صراحة أبدا أنها تنوي دخول أديس أبابا، على الرغم من أنها رفضت استبعاد هذه الخطوة.
وتكشفت التحولات الأخيرة في ساحة المعركة بسرعة.
وأعلنت الحكومة لأول مرة سيطرتها على بلدات في عفر قرب طريق استراتيجي سريع مهم لوجستيا لتأمين إمدادات العاصمة، ثم أعلنت الأربعاء النصر في لاليبيلا، أحد مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو والذي سبق أن سقط في أيدي المتمردين في أغسطس.
وأعلنت وسائل الإعلام الرسمية الجمعة أنه تم "تحرير" البلدات الواقعة على الطريق المؤدي شمالا الى ديسي وكومبولتشا.
وقال الباحث الاجتماعي الذي درس خلافات الأراضي والتعبئة في إثيوبيا مهدي لابزاي "فوجئت للغاية بالهجوم المضاد الأخير الذي شنّته الحكومة". وتابع "رأيت جميع الناس الذين تمّت تعبئتهم.. لكنني لم أعتقد أنهم مدرّبون واعتقدت أنه سيجري تدميرهم".
الطريق المقبل
يحاول الاتحاد الإفريقي التوسط للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمنع مواصلة سفك الدماء، لكنه لم يحقق أي تقدم يذكر حتى الآن.
وتصر جبهة تحرير شعب تيغراي على أنها تملك الأفضلية في أي معارك مقبلة.
وقال زعيم الجبهة العسكري، تاديس ووريدي، في مقابلة بُثّت الجمعة "من المعروف أنه في المعارك تجري تعديلات وتراجع محدود وتقدّم كبير إلى الأمام أيضا".
وأضاف "قررنا أنه من أجل خفض المشاكل ومكامن الضعف في بعض المناطق التي وصلنا إليها، علينا مغادرتها طوعا".
وبالنسبة للابزاي، تعيد تصريحات كهذه إلى الذاكرة إعلان الحكومة قرارها الانسحاب من معظم مناطق تيغراي أواخر يونيو، وهو أمر جنّبها انتكاسات عسكرية وإن كان مقاتلو الجبهة احتفلوا في شوارع العاصمة الإقليمية ميكيلي حينها.
وأفاد لابزاي في معرض حديثه عن جبهة تحرير شعب تيغراي "كانوا قريبين للغاية من (أديس أبابا). لما سيتراجعون الآن؟". وأضاف "يعني ذلك أن أمرا ما أقلقهم أو بدا غير جيّد بالنسبة إليهم".
وهناك احتمال أن يكون تفوّق الحكومة جوا قد قلب المعادلة، على الأقل في الوقت الراهن، بحسب أويت.
ولفت إلى أن "هناك مزاعم بأن الطائرات المسيّرة لعبت دورا حاسما في القتال النشط، وهو أمر لم يتضح حجمه الكامل بعد". وتدارك "لكن حتى الآن، يبدو أنها ساعدت في وقف هجمات (متمرّدي) تيغراي المعاكسة وتقدّمهم".