يهدد متحور "أوميكرون" بخفض النمو الاقتصادي في العالم وزيادة التضخم، بعد أن بدأ العالم يشهد تدريجيا حالة من التعافي في الأشهر الأخيرة، إلا أن الوضع الذي كان عليه في ربيع عام 2020، عندما بدأت الجائحة في الانتشار لن يعود، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست الأميركية.
وعقب الانهيار الاقتصادي في عام 2020 مع انتشار الفيروس وحصده أرواح الملايين وما تبع ذلك من إجراءات إغلاق كلفت اقتصادات الدول مليارات الدولارات، بدء التعافي تدريجيا في 2021، لكن أزمة الإمدادات والتضخم كسرت بعض هذا الزخم، ليأتي ظهور المتحور الجديد ويزيد المخاوف.
وفي مواجهة تلك المخاوف، بشأن عمليات الإغلاق المحلية والدولية، باع المستثمرون أسهما في شركات الطيران وسلاسل الفنادق، وانخفض سعر النفط بنحو 10 دولارات للبرميل، وهو انخفاض يرتبط عادة بركود يلوح في الأفق، وفق تقرير المجلة.
ورغم أن حقيقة المتحور لم تكشف بعد، بات خطر انتشار المرض من بلد إلى آخر يهيمن مرة أخرى على الاقتصاد العالمي، مما يزيد من تفاقم مخاطر قائمة بالفعل أوردها التقرير.
أول هذه المخاطر هو إلحاق الضرر بالنمو مع تشديد قيود الإغلاق والسفر في دول العالم الثرية، بعد أن شهدت حركة السفر بعض الانتعاش وتخفيف القيود هذا العام.
والثاني أن المتحور قد يرفع معدلات التضخم المرتفعة بالفعل في العالم والتي تبلغ في المتوسط 5.3 في المئة، وفقا لبيانات بلومبيرغ. ويلوح هذا الخطر في الأفق بشكل أكبر في الولايات المتحدة التي ارتفع فيها التضخم إلى 6.2 في المئة وهو أعلى مستوى في ثلاثة عقود.
ويشر التقرير إلى أن الأسعار آخذة في الارتفاع جزئيا، لأن المستهلكين يفرطون في شراء السلع، ولكي ينخفض التضخم، يجب تحويل الإنفاق مرة أخرى نحو الخدمات، مثل السياحة وتناول الطعام في الخارج، وهو ما قد لا يحدث بسبب "أوميكرون".
وقد يؤدي المتحور أيضا إلى زيادة عمليات الإغلاق في سلاسل الإمداد مثل فيتنام وماليزيا، ما يؤدي إلى تفاقم مواطن الخلل في العرض وبالتالي زيادة التضخم، وقد يؤجل عودة العمال إلى أعمالهم بعد فترة توقف بسبب الجائحة.
ويشير التقرير إلى أن مخاوف النمو تظهر بشكل كبير في الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والمكسيك وروسيا، التي رفعت أسعار الفائدة لكبح التضخم، لكن هذا الأمر قد يؤثر على النمو.
والخطر الثالث هو تباطؤ النمو في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، التي تصارع أزمة ديون في صناعة العقارات، وتشن حمة إيديولوجية ضد الشركات الخاصة، وتتبنى سياسة لمنع انتشار الفيروس جعلت البلاد معزولة، وحتى مع تفكير الحكومة في تحفيز الاقتصاد، انخفض النمو إلى حوالي 5 في المئة، وهو المعدل الأدنى منذ حوالي 30 عاما.
وإذا تبين أن "أوميكرون" أكثر قابلية للانتشار، سوف تكون الاستراتيجية الصينية أكثر صعوبة، لأنه سيجعلها أكثر صرامة في إجراءات منع الانتشار، مما يضر بالنمو ويعطل سلاسل التوريد ويؤدي إلى إجهاد الاقتصاد ونظام الرعاية الصحية.
ورغم هذه المخاوف المذكورة، استبعد تقرير المجلة أن يشهد العالم مرة أخرى ما حدث في ربيع 2020، عندما انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الدول بشكل كبير، ففي الوضع الحالي، تكيفت الشركات مع الفيروس، ولم يعد هناك ارتباط كبير بين الناتج المحلي الإجمالي وإجراءات الإغلاق.
ورغم أن شركات اللقاحات قد تطور أنواعا جديدة قادرة على التعامل مع المتحور الجديد، أو أن البيانات الجديدة ستقول إن التطعيمات الحالية تمنع الأعراض الشديدة، فإن "أوميكرون"، أو أي متحور جديد قد يظهر في المستقبل، سيهدد بخفض النمو وزيادة التضخم.
وتقول المجلة: "لقد تلقى العالم للتو تذكيرا قويا بأن طريق الفيروس إلى أن يصبح مرضا متوطنا، لن يكون سهلا".
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت من قبل أن مخاطر انتشار "أوميكرون" عالية جدا، وحذرت شركة "موديرنا" من أن اللقاحات الحالية قد لا تكون ذات فعالية كبيرة في التعامل معه.
وحذرت وكالة التصنيف موديز من أن "كوفيد-19 سيظل يشكل تهديدا".
وتوقع صندوق النقد الدولي أن تفشل معظم البلدان الناشئة والنامية حتى عام 2024 في تلبية توقعات النمو التي حددتها قبل الوباء، خاصة وأن عددا من البنوك المركزية (في البرازيل وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها) رفعت بالفعل أسعار الفائدة لدرء التضخم المتسارع، الذي من شأنه أن يعيق تعافيها.
وحتى في الصين، قاطرة النمو العالمي، يتباطأ الانتعاش مع تراكم المخاطر، وحذر صندوق النقد مؤخرا من الاستهلاك الأسري الذي يعاني لاستعادة مستويات ما قبل الوباء، وأزمة قطاع العقارات مع الصعوبات التي واجهتها شركة "إيفرغراند" العملاقة المثقلة بالديون، وانقطاع التيار الكهربائي الذي يثقل كاهل الشركات.
وكان الاقتصاديون توقعوا انتعاشا بشكل عام، خصوصا في قطاع الترفيه والضيافة الذي تضرر بشدة من جراء الوباء، لكن انتشار "أوميكرون" هدد بعرقلة هذا التعافي.
وأظهرت بيانات وزارة العمل، الجمعة، أن الاقتصاد الأميركي وفر 210 آلاف وظيفة فقط في نوفمبر، أي نصف ما توقعه المحللون، ما يعكس الانتعاش الصعب في سوق العمل الأميركية، كما أن "التوظيف ارتفع بمقدار 18.5 مليون وظيفة منذ أبريل 2020" عندما أصيب النشاط الاقتصادي بالشلل بسبب الجائحة، لكنه ما زال أقل من مستواه في فبراير 2020 بـ3.9 ملايين وظيفة.
وأعلنت كبيرة خبراء "منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي"، لورانس بون، قبل أيام أن المتحور "يفاقم مستويات عدم اليقين والمخاطر المرتفعة أصلا"، وفق فرانس برس.
وجاء في تقرير المنظمة، ومقرها باريس، أن التعافي "خسر زخما ويختل توازنه بدرجة أكبر".