المدائح النبوية .. مسيرة قلوب إلى روح الوجود
الجمعة 10 نوفمبر 2017 الساعة 03:32
الأحرار نت / بقلم: ناجي عبداللطيف:
تعتبر المدائح النبوية فناً من فنون الشعر التي أذاعها التصوف؛ فهي لونٌ من ألوان التعبير عن العواطف الدينية؛ وباب من أبواب الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلاَّعن قلوب مفعمة بالصدق والأخلاص، والحب الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قلوب تجردت من هوى النفس ولاذت بحب الله ورسوله.

وديوان الشعر العربي حافل بهذا اللون الرائع من الشعر ألا وهو المدائح النبوية، والتي أضاءت بنورها قلوب العاشقين والعارفين، وأصبحت على مدار السنين والأعوام نورا يستضاء به في ظلمات الدهر، وزادا للطريق إلى الله الواحد الأحد.

ورغم أن أكثر المدائح النبوية قيلت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، إلا أنها لا تسمى في حق الرسول الكريم رثاء كما يحدث لغيره من البشر، ولكنها تسمى مدحاً لأنه صلى الله عليه وسلم موصول الحياة، فالمادحون يخاطبونه كما يخاطبون الأحياء.

وإذا حاولنا أن نؤرخ لمديح الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أن من أقدم من مدحه هو الأعشى في قصيدته التي مطلعها:

ألمْ تَغْتمِضْ عيناكَ ليلةَ أرْمدَا ** وَعَادكَ ما عادَ السليمَ المُسَهَّدا نبيٌّ يرىْ ما لا ترونَ وذكرُهُ ** أغارَ لعمري في البلادِ؛ وأنْجدَا لهُ صَدقاتٌ ما تَغِبُّ وَنَائلٌ ** وليسَ عطاءُ اليومِ مانعَهُ غدَا متى ماتُناخِي عند بابِ ابنِ هاشمٍ ** تُرَاحِي وتَلقىْ منْ فواضِلِهِ نَدَىْ

ويذكر د. زكي مبارك أن هذا النص لا يعد من المدائح النبوية لأن الأعشى لم يقل هذه القصيدة وهو صادق النية في مدح النبي ولو صدق في مدحه لما انصرف، وعاد ومعه إبل أبي سفيان حين صرفته قريش، وسار لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك كعب بن زهير في قصيدته: "بانت سعاد" وهي من الشعر المحكم الرصين، وإن تبدو خالية من قوة الروح، وأنها تجري على التقاليد الأدبية لشعراء الجاهلية، فيبدؤها بالنسيب كعادتهم حيث يقول:

بَانتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبولُ ** مُتَيَّمٌ عندَها لمْ يُجْزَ مكبولُ وما سعادُ غداةَ البيْنِ إذْ رحَلوا ** إلا أغَنُّ غَضِيضَ الطرْفِ مَكْحُولُ إلي أن يقول:

أُنبِئتُ أن رسولَ الله أوعَدَنِي ** والعفوُ عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ فقدْ أتيْتُ رَسُولَ اللهِ مُعتذراً ** والعُذْرُ عندَ رسُولِ اللهِ مقبولُ مَهلاً هداكَ الذي أعطاكَ نافلةَ ** القرآنِ فيها مواعيظٌ وتفضيلُ إنَّ الرسولَ لنورٌ يُسْتضَاءُ بِهِ ** وَصَارِمٌ منْ سُيوفِ اللهِ مَسْلولُ

ويأتي بعد شعر الأعشى وشعر كعب؛ شعر حسان بن ثابت وهو شاعر الرسول؛ ويمتاز بالصدق والأخلاص ولكن شعره على قوة روحه لا يكاد يضاف إلى المدائح النبوية؛ فقد كان يمدح الرسول، ويقارع خصومه على الطريقة الجاهلية كما في قصيدته "العينية" التي مطلعها:

إن الذوائبَ من فِهْرٍ وإخوَتِهم ** قدْ بَيَّنُوا سُنة ً للناسِ تُتبعُ أعطوا نبيَ الهُدىْ والبرِّ طاعَتهمْ ** فما وَنَىْ نَصْرُهمْ عَنه وما نَزَعُوا

ويظهر الروح الديني في مدائح حسان لمن يقرأ مراثيه للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي مراث مصبوغة بالصبغة الدينية يتكلم فيها عن المنبر والمصلى والوحي والمسجد ويذكر بكاء السماوات والأرض ويتشوق إلى لقاء النبي في الفردوس الأعلى؛ ويشير إلى ما ورثه المسلمون عنه من الرشد والهدى؛ وله في ذلك قصائد ثلاث (دالية) تفيض بالمعاني الرقيقة السمحه وتنم عن روح ديني مصقول؛ وهي قصائد لينة من حيث النسج فهي تقترب من شعر البوصيري لما يغلب عليها من الرقة واللين؛ حيث يقول:

أغَرُّ عليهِ للنبوَّةِ خاتمٌ ** من اللهِ منْ نورٍ يَلوحُ ويشْهَدُ وضَمَّ الألهُ إِسْمَ النبيِّ إلى اسْمِهِ ** إذْ قالَ في الخمسِ المُؤذنُ أشْهَدُ وشقَّ لهُ منْ اسْمِهِ ليُجَلَّهُ ** فذو العَرْشِ محمودٌ وهذا مُحمَّدُ بطيْبَةِ رَسْمٌ للرسولِ ومعهدُ ** مُنيرٌ وقدْ تعفُو الرسومُ وَتَهْمَدُ ولا تَنْمَحِي الآياتُ من دارِ حُرْمَةٍ ** بها مِنْبرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَدُ معالِمُ لم تُطمَسْ على العهدِ آيُهَا ** أتاهَا البِلَى فالآيُ منها تَجَّددُ عَرفْتُ بها رَسْمَ الرسولِ وَعهْدَهُ ** وقبْراً بهِ واراهُ في الترْبِ مُلْحِدُ ظللتُ بها أبكي الرسولَ فأسْعَدتْ ** عُيونٌ ومِثلاهَا من الجفْنِ يُسْعَدُ

إلى أن يقول:

ومَا فقدَ الماضونَ مثل مُحمد ** ولا مِثلهُ حتى القيامةِ يُفقدُ مَعَ المصطفى أرجو بذاكَ جِوَارَهُ ** وفي نيلِ ذاكَ اليومِ أسْعَى وأجْهَدُ

ويقول د. زكي مبارك تعليقاً على هذه القصيدة إنها ضعيفة من الوجهة الشعرية ولكنها من خير الشواهد حين نؤرخ للمديح النبوي الشريف، ولكني أرى أن شاعرية حسان تظهر واضحة في هذا النص من خلال الروح الإيمانية العالية، وموسيقى النص، واللغة الشاعرة. كما في قوله:

أغَرُّ عليهِ للنبوَّةِ خاتمٌ ** من اللهِ منْ نورٍ يَلوحُ ويشْهَدُ

وقوله:

وشقَّ لهُ منْ اسْمِهِ ليُجَلَّهُ ** فذو العَرْشِ محمودٌ وهذا مُحمَّدُ وقوله: معالِمُ لم تُطمَسْ على العهدِ آيُهَا ** أتاهَا البِلَى فالآيُ منها تَجَّددُ ظللتُ بها أبكي الرسولَ فأسْعَدتْ ** عُيونٌ ومِثلاهَا من الجفْنِ يُسْعَدُ

وإلى جانب ذلك نجد أن عليَّاً مدح النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه؛ كذلك فعل العباس بن عبدالمطلب عم النبي، والذي أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر منها النبي ودعا له حيث قال:

مِنْ قَبْلِهَا طَبْتَ في الظلالِ وفي ** مُسْتوْدَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ ثمَّ هَبَطْتَ البلادَ لا بَشَرُ ** أنتَ ولا مُضْغَةٌ ولاعَلَقُ بلْ نُطْفَةٌ ترْكَبُ السفينَ وقدْ ** ألْجَمَ نسْرَاً وأهلَهُ الغرَقُ تُنْقلُ منْ صالبٍ إلى رحمٍ ** إذا مضى عالمٌ بدا طَبَقُ حتى احتوىْ بَيْتَكَ المُهَيمِنُ منْ ** خِنْدَفِ علْيَاءَ تحْتَهُ النُطْقُ وأنتَ لمَّا وُلِدْتَ أشرَقتِ الأرْ ** ضُ وضاءَتْ بنورِكَ الأفُقُ فنحنُ في ذاكَ الضياءِ وفي النــــــ ** ـــــــــــورِ وَسُبْلِ الرشادِ تَخْتَرِقُ

كذلك كعب بن مالك وهو من شعراء النبي وأصحابه، نشأ في المدينة، وأسلم ودافع عنه أعدائه، وروى عنه كثيرا من الأحاديث. يقول كعب:

عجيبٌ لأمْرِ اللهِ واللهُ قادرٌ ** على ما أرادَ ليسَ للهِ قاهرُ قضى يومَ بدرٍ أنْ نُلاقي معشراً ** بَغَوْا وسَبيلُ البغيِ بالناسِ جائِرُ وسارتْ إلينا لا تُحاولُ غيْرَنا ** بأجْمَعِهَا: كَعْبٌ جميعاً وعامرُ وفينا رسولُ اللهِ وَالأوْسُ حَولَهُ ** لهُ معْقلً منهُمْ عزيزٌ وناصِرُ فلما لقيْناهمْ وكلٌ مُجاهدٌ ** لأصْحابهِ مُسْتِبْسَلُ النفسِ صابرُ شَهِدْنا بأنَّ اللهَ لارَبَّ غيْرُهُ ** وأنَّ رسولَ اللهِ بالحقِّ ظاهِرُ

كذلك ممن مدح النبي أبو دهبل الجمحي رضي الله تعالى عنه وأرضاه حيث قال في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم:

إنَّ البيوتَ مَعادِنٌ فَنِجَارُهُ ** ذَهَبٌ وكلُّ بيوتِهِ ضخْمُ عَقِمَ النساءُ فما يَلدْنَ شبيهَهُ ** إنَّ النساءَ بمثْلِهِ عُقْمُ مُتَهلَّلٌ بَنَعَمٍ بلا مُتباعِدُ ** سيَّانِ منهُ الوَفْرُ والعَدَمُ نَزْرُ الكلامِ منَ الحياءِ تَخالُهُ ** ضَمِناً وليْسَ بجسْمِهِ سُقْمُ

ويظهر الصدق في المدائح النبوية واضحاعلى يد الفرزدق حيث مدح النبي وعترته في قصيدة (ميمية) يقول في مطلعها:

هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأته ** والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلهمُ** هذا التقيُ النقيُ الطاهرُ العلمُ هذا ابنُ فاطمةٍ إنْ كُنتَ جَاهلهُ ** بِجَدِّهِ أنبياءُ اللهِ قد خُتِمُوا وليسَ قولُكَ مَنْ هذا؟ بضائِرِهِ ** العُرْبُ تعْرَفُ مَنْ أنْكَرَتَ وَالعَجَمُ

ولقد قال الفرزدق هذه القصيدة الخالدة في حضرة هشام بن عبدالملك وهو يحج أيام أبيه، إذ جهد بعد طوافه بالبيت ولم يقدر على أن يصل إلى الحجر ليستلمه لكثرة الزحام فجلس، فبينما هو كذلك أقبل زين العابدين علي بن الحسين فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس في صورة من الإجلال الرائع حتى استلمه، فتساءل أحد الحاضرين من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لاأعرفه. فلم يطق الفرزدق كتمان حبه فرد عليه قائلا .. أنا أعرفه وقام وأنشد هذه القصيدة.

ويعلق زكي مبارك على هذه القصيدة والتي تظهر فيها نفحات من التصوف قائلا: بأن مدح الفرزدق للنبي وأهله هو بداية الصدق في المدائح النبوية؛ وهو عين التصوف، إذ أن مدحه لعلي بن الحسين في حضرة هشام بن عبدالملك لم يأته بخير، فقد أغضب هشاما فحبسه.

هكذا ظهرت المدائح النبوية على خريطة الشعر العربي حتى درج الشعراء على مدح النبي وآل بيته الأطهار. واستمرت المدائح بعد ذلك تفوح بها ألسنة الشعراء وقلوبهم حبا في الرسول وآله وعلى رأسهم الكميت بن زيد الأسدي في هاشمياته حيث يقول في بائيته التي مطلعها:

طَرِبْتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطْرَبُ ** ولا لَعِبَاً منِّي وذو الشوقِ يَلعَبُ .... .... .... ....

ولكن إلى أهلِ الفضائلِ والنُهىْ ** وخيرِ بني حواءَ والخيرُ يُطْلَبُ إلى النفَرِ البيضِ الذينَ بحُبِّهِمْ ** إلى اللهِ فيما نالني أتَقرَّبُ بني هاشمٍ رَهْطَ النبيِّ فإنني ** بِهمْ وَلَهُمْ أرْضَىْ مِرَاراً وأغْضَبُ خَفَضْتُ لَهمْ مِنِّي جَناحِيْ مَوَدَّةٍ ** إلى كَنَفٍ عِطْفَاهُ أهْلُ وَمَرْحَبُ

ومن الشعراء الذين اشتهروا بحب آل البيت وحبهم دعبل الخزاعي. يقول دعبل في تائيته الشهيرة والتي ألقاها أمام المأمون فأعجب بها، ومطلعها:

مَدَارِسُ آياتٍ خَلَتْ منْ تلاوةٍ ** وَمَنْزِلُ وحْيٍ مُقِفَرُ العَرَصَاتِ ... ... ... ... ... ...

مَلامَكَ في أهلِ النبيِّ فإنَّهُمْ ** أحَبَّايَ ماعاشوا وأهْلَ ثِقاتِيْ تَخَيَّرْتُهمْ رُشْدَاً لأمْرِيْ فإنَّهُمْ ** على كلِّ حالٍ خِيْرَةَ الخَيْرَاتِ فياربِّ زِدْنِيْ من يقينِيْ بَصيرَةً ** وَزدْ حُبَّهُمْ ياربِّ في حسناتي كذلك الشريف الرضي نقيب أشراف بغداد وأشعر بني هاشم حيث يقول متوجعا:

قِفْ بِي وَلَوْ لَوْثَ الإزارِ فإنما ** هيَ مُهْجَةٌ عَلِقَ الجوَىْ بفُؤادِها بِالطَّفِّ حيثُ غَدَا مِرَاقُ دِمَائِها ** ومُناخُ أيْنُقِهَا ليَوْمِ جِلادِهَا القفْرُ منْ أوْرَاقِهَا والطيْرُ مِنْ ** طُرَّاقِهَا والوَحْشُ منْ عُوَّادِهَا تَجري لها حَبَبُ الدموعِ وإنَّما ** حَبُّ القلوبِ يَكُنَّ منْ أمْدَادِهَا يا يومَ عاشوراءَ كَمْ لكَ لَوْعَةٌ ** تَتَرَقَّصُ الأحْشَاءُ منْ إيقَادِهَا

وكذلك مهيار الديلمي والذي كان مجوسيا، وأسلم على يد الشريف الرضي وتعلم الشعر على يديه، وتشيع لمذهبه، وأحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول متوجعا لفقد سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

أرىْ الدينَ منْ بَعْدِ يَوْمِ الحُسيْنِ ** عَلِيلاً لهُ الموتُ بِالمَرْصَدِ وما الشرْكُ باللهِ منْ بَعْدِهِ ** إذا أنتَ قَسْتَ بِمُسْتَيْعَدِ وَمَا آلُ حَرْبٍ جَنَوْا إنما ** أعادُوا الضلالَ عَلَىْ منْ هُدِيْ سَيعْلمُ منْ (فَاطِمُ) خَصْمُهُ ** بأيِّ نَكالٍ غَدَاً يَرْتَدِىْ ومنْ سَاءَ أحْمَدَ ياسِبْطَهُ ** فبَاءَ بقتْلِكَ ماذا بَدِيْ؟ فَداؤكَ نَفسي ومَنْ لِيْ بِذَا ** كَ لوْ أنَّ مَوْلىً بِعَبْدٍ فُدِىْ

وممن مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذلك في قصيدته التي مطلعها: يَا سّيَّدَ السَاداتِ جِئْتُكَ قاصِداً ** أرجو رِضاكَ وأحْتَمِيْ بحِماكا

ويذكر أحمد عبدالمنعم الحلواني أن من كرامات الأمام أبي حنيفة أنه كتب هذه القصيدة ليتقرب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطلع عليها أحدا، وذلك لينشدها بين يديه فلما وصل إلى المدينة المنورة سمع المؤذن ينشدها على المئذنة، فعجب من ذلك، وانتظر المؤذن فسأله لمن هذه القصيدة؟ قال: لأبي حنيفة. قال: أتعرفه؟ قال: لا. قال: وعمن أخذتها؟ قال: في رؤياي أنشدها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظتها وناجيته بها على المئذنة، فدمعت عيناه. يقول الأمام:ـ

يا سَيدَ الساداتِ جئتُكَ قاصِدَا ** أرجو رِضَاكَ وأحْتمِيْ بِحِمَاكَا واللهِ يا خَيْرَ الخلائقِ إنَّ لي ** قلبَا مَشُوقاً لا يرُومُ سِوَاكَا وبِحقِّ جاهِكَ إنني بكَ مُغْرَمٌ ** واللهُ يعلمُ أنني أهْوَاكَا ... ... ... ... ... ...

يا أكْرَمَ الثقليْنِ ياكَنزَ الغِنى ** جُدْ لِي بجُودِكَ وارْضِني بِرِضَاكَا أنا طامعٌ بالجُودِ مِنكَ ولمْ يَكُنْ ** لأبي حنيفةَ في الأنامِ سِوَاكَا فعَسَاكَ تشْفَعُ فيه عندَ حسَابِهِ ** فلقدْ غَدا مُتَمَسَّكاً بِعُرَاكَا فَلَأَنْتَ أكْرَمُ شافِعٍ وَمُشَفَّعٍ ** وَمَنِ الْتَجَىْ بِحِمَاكَ نَالَ رِضَاكَا كذلك الأمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه والذي تغنى بحب آل البيت في أشعاره حيث يقول:

يا آلِ بيتِ رسولِ اللهِ حُبُّكُمُوا ** فرْضٌ من اللهِ في القرآنِ أنْزَلهُ يَكْفِيكُمُوا من عظيمِ الفخرِ أنَّكُمُوأ ** من لم يُصَلِّ عليكُمْ لاصلاةَ لهُ

كذلك قوله:

آلُ النبيِّ ذَرِيعَتِيْ ** وَهُمْ إليهِ وَسِيلَتِيْ أرجو بِهِمْ أُعْطَىْ غَدَا ** بِيَدِىْ اليَمِينِ صَحِيفَتِيْ وله أيضا في الرد على من قال إن حب آل البيت رفضية: يا راكباً قِفْ بالمُحَصَّبِ مِنْ مِنىً ** واهْتِفْ بِساكِنِ خَيْفِهَا والناهِضِ سَحَرَاً إذا فاضَ الحَجِيجُ إلى مِنىً ** فَيْضًا كمُلْتَطِمِ الفُراتِ الفائِضِ إن كانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ** فليَشْهَدِ الثقلانِ أنِّي رافضِي

ومن أئمة التصوف الذين مدحوا الرسول الكريم سيدي عبدالقادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه وأرضاه حيث يقول في مديحه للنبي صلى الله عليه وسلم في قصيدته التي مطلعها: فؤادِي بِرَبْعِ الظاعِنينَ أسيرُ ** يُقيمُ على آثارِهِمْ ويسيرُ .... .... .... .... .... ....

وَمَدْحُ رسولِ اللهِ فَأْلُ سعادتِي ** أفوزُ بهِ يومَ السماءُ تمُورُ نبيٌّ تَقِيٌّ أرْيَحيٌّ مُهَذَّبٌ ** بشيرٌ لكل العالمينَ نَذيرُ إذا ذُكِرَ ارْتاحَتْ قلوبٌ لذكْرِهِ ** وطابتْ نفوسٌ وانْشَرَحْنَ صُدورُ عَدِمْنا على الدنيا وُجودَ نَظِيرِهِ ** لقدْ قَلَّ موجودٌ وعزَّ نَظِيرُ مُحمدٌ قُمْ بيْ في الخطوبِ فإنَّ لي ** تجارةَ مدْحٍ فيكَ ليْسَ تبُورُ كذلك القطب الكبير سيدي أحمد الرفاعي والذي قال عند زيارة النبي عليه الصلاة والسلام مخاطبا ذاته الشريفة:

في حالةِ البُعْدِ رُوحِي كُنتُ أرْسِلُهَا ** تُقَبَّلُ الأرضَ عَنِّي وهْيَ نائِبَتِي وهذهِ دوْلةُ الأشْباحِ قدْ حَضَرَتْ ** فامْدُدْ يمينَكَ كي تحْظَىْ بِهَا شَفَتِي

كذلك المحب الصادق الأمام الصرصري العراقي والذي كان عالما جليلا وتقيا ورعا وأديبا بارعا، ولع بمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم وله ديوان كبير حيث يقول:

ألا يارسولَ اللهِ أنتَ وسِيلَتِي ** إلى اللهِ إنْ ضاقتْ بما رُمْتُ حِيلَتِي وأنتَ إذا ما حِرْتُ نُورِي وحُجَّتِي ** وأنتَ إلى التقوى إمامي وقبْلَتِي وأنتَ نبِيِّيْ باتِّبَاعِكَ أهْتَدِي ** وَمِلَّتُكَ الزهراءُ ديني وَملَّتي وأنتَ نصيري في خطوبٍ تَتابَعَتْ ** عليَّ وَذُخْرِي عندَ فقرِي وَعِيْلَتِي وأنتَ الذي أرجوهُ يومَ نُشُورِنا ** يُرَوِّي الصَدَىْ مِنِّي وَينْفعُ غُلَّتِي فَلا تُخْلِنِي منْ حُسْنِ عَطْفِكَ وأسألِ الْـــــــــ ** ــــمُهَيْمِنَ ربَّ العرْشِ في سدِّ خُلَّتِي

كذلك ممن مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم الشاعر المعروف محمد بن العفيف التلمساني والمشهور بالشاب الظريف حيث يقول:

فيا خاتَمَ الرُسْلِ الكِرَامِ ومَنْ بهِ ** لَنَا مِنِ مَهُولاتِ الذنوبِ تَخَلُّصُ أغِثْنا أجِرْنَا منْ ذنُوبٍ تَعَاظمَتْ ** فأنْتَ شفيعٌ للْوَرىْ وَمُخَلِّصُ وَمَالَيَ منْ وَجْهٍ وَلا منْ وَسِيلَةٍ ** سِوَىْ أنَّ قلْبيْ في المحبَّةِ مُخْلِصُ إذا صَحَّ مِنْكَ القُرْبُ ياخَيْرَ مُرْسَلٍ ** علىْ أيِّ شيْءٍ بَعْدَ ذَلكَ أحْرِصُ؟ وَلَيْسَ يَخافُ الضيْمَ مَنْ كُنْتَ كَهْفَهُ ** فَعَنْ أيِّ شَيْءٍ غَيْرِ جَاهِكَ يَفْحَصُ؟ عَليْكَ صَلاةٌ يَشْمَلُ الآلَ عَرْفُهَا ** ولِلْجُمْلَةِ الأصْحَابِ مِنْهَا تَخَصُّصُ

ونأتي إلى غرة المادحين وأمامهم، المادح الأعظم للحضرة المحمدية، الأمام البوصيري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فبردته المسماة بـ "الكواكب الدرية في مدح خبر البرية" مازالت تحمل بين جوانحها تلك الروح الإيمانية العالية التي دفعت بها إلى آفاق الزمان فلا زالت تحيا بيننا شابة نضرة رغم مرور الزمن. ومن أشهر مدائحه النبوية والتي جرت على ألسنة العامة من الناس ورددوها وتغنوا بها: البردة المباركة والهمزية والمضرية.

يقول البوصيري في همزيته:

كيفَ ترْقـــــىْ رُقِيَّكَ الأنبياءُ ** ياسَماءً ما طاوَلتْها سَمَـاءُ لمْ يُسَاوُوكَ في عُلاكَ وقدْ حَا ** لَ سَنَاً مِنْكَ دُونَهُمْ وسَناءُ إنما مَثَّلُوا صفاتِكَ للنــــــــا ** سِ كما مثَّلَ النجومَ الماءُ ... ... ... ... ...

وَسِعَ العالمينَ علماً وَحِلْماً ** فَهْوَ بحْرٌ لم تُعْيِهِ الأعْباءُ مُعْجِزُ القوْلِ والفِعَالِ كريمُ الــــــــ** ــــــــــخَلْقِ والخُلْقِ مُقْسِطٌ مِعْطَاءُ شَمْسُ فضْلٍ تَحقَّقَ الظنُّ فيهِ ** أنَّهُ الشمسُ رِفْعَةٌ والضياءُ لا تَقِسْ بالنبيِّ في الفضْلِ خَلْقاً ** فَهُوَ البحْرُ والأنامُ إضَاةُ وقال أيضا في مدحه للمصطفى صلى الله عليه وسلم:

وافاكَ بالذنْبِ العظيمِ المُذْنَبُ ** خَجَلاً يُعّنِّفُ نَفْسَهُ ويُؤنَّبُ لمَ لا يشُوبُ دُمُوعَهُ بدِمَائِهِ ** ذُو شَيْبَةٍ عَوْرَاتُها ما تُخْضَبُ وَقَفَتْ بجاهِ المُصطفىْ آمالُهُ ** فكأنَّهُ بذنُــــــوبِهِ يَتَقــــرَّبُ وَبَدَا لهُ أنَّ الوقوفَ بِبَابِـــهِ ** بابٌ لغفْرَانِ الذنــوبِ مُجَرَّبُ صلىْ عليِّهِ اللهُ إنَّ مطامِعِيْ ** في جُودِهِ قدْ غَارَ منها أشْعَبُ

ولم يقف ركب المديح النبوي على الشعراء الأقدمين فقط، بل لحق به الشعراء المحدثون أيضا فزادهم تيها وشرفا ورفعة بين أقرانهم. يقول ناظر المعارف الأسبق عبدالله باشا فكري في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم:

نَبِيٌّ هَدَىْ اللهُ العِبَادَ بِهَدْيِهِ ** لِتَوْحِيدِهِ مِنْ بَعْدِ غَيِّ حُلُومِ وأوْضَحَ نَهْجَ الحقِّ مِنْ بَعْدِ مَا عَفَتْ ** مَعَالِمُ آياتٍ لهُ وَرُسُومُ وَهَذا كتابُ اللهِ جلَّ ثَناؤهُ ** يَفيضُ بِمَدْحٍ في عُلاهُ عَظيمُ بهِ يغْفرُ اللهُ الذنوبَ وِيَرْتَجِي ** شَفَاعَتَهُ في الحَشْرِ كلُّ أثِيمُ وَتَزْدَحِمُ الآمالُ حَوْلَيْهِ عُوَّذاً ** بِبابِ كَفِيلٍ بالنجاحِ زَعِيمِ بِحَقٍّ مُبينٍ مُؤْمنٍ ومُهَيْمَنٍ ** رءُوفٍ رَحِيمٍ بالعِبادِ كَرِيمِ

وممن مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم شاعر الثورة العرابية محمود سامي البارودي باشا حيث يقول في قصيدته المسماة "كشف الغمة في مدح سيد الأمة":

(مُحمَّدٌ) خَاتَمَ الرسْلِ الذي خَضَعَتْ ** لهُ البَريَّةُ منْ عُرْبٍ ومنْ عَجَمِ سَميرُ وَحْيٍ وَمَجْنَىْ حَكْمَةٍ وَنَدَىْ ** سَمَاحَةٍ وَقِرَىْ عَافٍ وَرِيُّ ظَمِ أكْرَمْ بهِ وَبآبَاءٍ مُحَجَّلَةٍ ** جَاءَتْ بِهِ غُرَّةً في الأعْصُرِ الدُّهُمِ قدْ كانَ في مَلَكُوتِ اللهِ مُدَّخَرًا ** لدَعْوَةٍ كانَ فيهَا صَاحَبَ العَلَمِ ياليْتَنِيْ وَالأمانِيْ رُبَّمَا صَدَقَتْ ** أحْظَىْ بمُعْتَنَقٍ مِنْهُ وَمُلْتَزَمِ أكْرِمْ بِهِ وَازِعًا لوْلا هِدَايَتُهُ ** لمْ يَظْهَرِ العَدْلُ في أرْضٍ وَلَمْ يَقُمِ

ونأتي إلي كوكب الشعر في العصر الحديث، من سار على نهج الأمام البوصيري في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، أمير الشعراء أحمد بك شوقي والذي رَصَّعَ ديوانه بالعديد من المدائح النبوية التي أعادت إلى المديح النبوي حيويته وازدهاره فأحيت النفوس بالروح العالية وزكتْها بأنوار الحضرة المحمدية.

يقول شوقي في ذكرى المولد النبوي الشريف: تَجَلَّىْ مَوْلِدُ الهَادِىْ وَعَمَّتْ ** بَشَائِرُهُ البَوَادِيَ والقِصَايَا وَأسْدَتْ لِلْبَرِيَّةِ بنْتُ وَهْبٍ ** يَدًا بَيْضَاءَ طَوَّقَتِ الرِقَابَا لقَدْ وَضَعَتْهُ وَهَّاجًا مُنِيرًا ** كَمَا تَلِدُ السَّمَاواتُ الشَّهَابَا فقَامَ على سَمَاءِ البيْتِ نُورًا ** يُضِيئُ جِبَالَ مَكَّةَ والنِقَابَا وَضَاعَتْ يَثْرِبُ الفَيْحَاءُ مِسْكًا ** وَفَاحَ القَاعُ أرْجَاءً وَطَابَا أبَا الزهْرَاءِ قدْ جَاوَزْتُ قَدْرِيْ ** بِمَدْحِكَ بَيْدَ أنَّ لَيَ انْتَسَابَا فَمَا عَرَفَ البلاغَةَ ذُو بَيَانٍ ** إذا لمْ يَتَّخِذْكَ لَهُ كِتَابَا مَدَحْتُ المَالكِيْنَ فَزِدْتُ قَدْرًا ** وَحينَ مَدَحْتُكَ اقْتَدْتُ السَحَابَا سَالْتُ اللهَ في أبْنَاءِ دِينِيْ ** فَإنْ تَكُنِ الوَسِيلَةَ لِيْ أجَابَا وَمَا للمُسْلمِينَ سِوَاكَ حِصْنٌ ** إذا مَا الضُّرُ مَسَّهُمُو ونَابَا

كذلك الشاعرالكبير محمد عبدالمطلب ابن (باصونة) إحدي قرى مديرية جرجا بصعيد مصر والذي تعلم بالأزهر ثم انتظم في سلك طلبة دار العلوم، ثم أصبح مدرسا بالمدارس الإبتدائية بسوهاج حتى ذاع صيته فانتقل إلى القاهرة وعمل بها حتى انتهى به الأمر أستاذا وعالما بدار العلوم.

يقول الشيخ محمد عبدالمطلب في قصيدة له بعنوان "في حضرة سيد المرسلين" سنة 1899: إليْك َأجلَّ المرسلينَ مَدائحُ ** تُوافيكَ ما غَنَّى على الأيْكِ صائحُ مَدائحُ يُهدِيها أمْرؤٌ عَبَرَاتُهُ ** على ما مَضىْ منهُ غَوَّادٍ روائحُ ولا عُذْرَ يا خيْرَ النبيينَ عنْدَهُ ** سوىْ أنَّهُ قدْ أخْجَلتْهُ القبائحُ أتفْضحهُ يومَ الحسابِ ذنوبُهُ ** وقد رُفعَتْ عنْ تابِعَيْكَ الفضائحُ فكُنْ يا شفيعَ المُذْنبينَ شَفِيعَهُ ** إذا شَهِدَتْ يوماً عليهِ الجوارحُ فأنتَ لنا يا أكرَمَ الرُسْلِ عُدَّةٌ ** إذا هالنا يومٌ من الحشْرِ فادحُ وضاقتْ بناالأرضُ الفضاءُ وحَلَّقَتْ ** بنا زَفَرَاتٌ للجحيمِ لوافحُ

ومن السادة الأشراف نجد الأمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزايم أستاذ الشريعة الأسلامية بجامعة الخرطوم وشيخ آل العزايم، وأمامهم والمتوفى عام 1937 يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:

عَلىْ قدْرِيْ أصُوعُ لكَ المَدِيحَا ** وَمَدْحُكَ صَاغَهُ ربِيْ صَريحَا وَمَنْ أنا يا أمامَ الرُسْلِ حتىْ ** أُوَفِّيْ قَدْرَكَ السَّامِيْ شُرُوحَا ولكنِّي أحبُّكَ مِلْءَ قلبي ** فأسْعِدْ بالوِصالِ فتىً جَريحَا وَدَاوِ بالوِصَالِ فَتىً مُعَنىً ** يرُومُ القُرْبَ مِنْكَ ليَسْتَرِيحَا فَمُوسىْ رُدَّ بَعْدَ سؤالِ ربِّي ** وأنتَ رأيْتَهُ كَشْفاً صَحيحَا ألمْ نشْرَحْ، وربِّى اشْرَحْ بيانِيْ ** لِقَدْرِكَ سيِّدِيْ أضحىْ مُبِيحَا ويقول أيضا في محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومودة آل بيته: سِرُّ الوصولِ إلى الجنابِ العاليْ ** حُبُّ النبيِّ مُحمَّدٍ والآلِ تُعْطىْ القبولَ وَتُرْفَعَنْ لجَنابهِ ** وَتنالُ ما ترجوهُ منْ آمالِ والفضلُ فضلُ اللهِ يُعطىْ مِنَّةً ** بالحُبِّ في طهَ العزيزِ الغاليْ بُشرىْ لمَنْ عَشِقوا جَمالَ مُحمَّدٍ ** نالوا القبولَ من الوَلِيِّ الواليْ أنا يا حبيبيْ في هواكَ مُتَيَّمٌ ** وشُهُودُ وَجْهِكَ بُغْيَتِيْ وَنَوَاليْ

كذلك العارف بالله الشيخ صالح الجعفري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذي يقول في مدحه للمصطفى صلى الله عليه وسلم:

مَدْحُ النبيِّ هوَ الوسيلةُ يا فتىْ ** أقْبلْ عليْهِ وكُنْ بهِ مُتَصبَّبَا واسْمَعْ مديحَ المادحينَ لأحمدٍ ** ولآلهِ، أهلُ الطهارةِ والعبا مَتَّعْ لقلْبِكَ في رياضِ مَدِيحِهِ ** إنَّ المديحَ عن المحبةِ أعْرَبَا واشرَبْ شرابَ العارفينَ بمَدْحِهِ ** فيه الوصولُ لمنْ يكونَ يكونُ مُهذبا فمديحُ خيرِ الخلقِ خيرٌ كلهُ ** للسامعينَ ومنْ تلاهُ فأطرَبَا قلْ يارسولَ اللهِ إني مُذْنبُ ** والجاهُ منكَ يَعُمُّ منْ قدْ أذنَبَا ياربِّ مَتّعْنا بخيْرِ مديحِهِ ** وافتحْ لنا بابَ الوصولِ لنشرَبَا

كذلك الشاعر التلقائي والقطب الرباني صاحب الفيوضات الصمدانية، والعلوم اللدنية، والإلهام العالي صاحب ديوان الإلهام الشيخ علي عقل المتوفى بالإسكندرية عام 1948 حيث يقول:

المصطفى مازالَ يعْلُو قَدْرهُ ** فَسَمَا الزمانَ أَوائِلاً وأواخِراً طَهِّرْ فؤادَكَ منْ شوائِبِ غَيِّهِ ** حتى تقابلهُ فؤادًا طاهراً واللهِ ماطرأَ العناءُ وَسَاءَنِيْ ** إلا وأذْكُرُهُ فأصْبِحُ ظافِراً ... ... ... ... ... ...

نورُ النبيِّ إذا تمَكَّنَ منْ فَتىً ** ألْفَيْتَهُ بينَ البرِيَّةِ ظاهراً فإذا رُزِقْتُ مَحبَّةً فبفضلهِ ** وإذا كَسَبْتُ فقدْ كَسَبْتُ جواهِراً مازال فضلُكَ في البريَّةِ سائراً ** يَسْمُو ويزْكُو بالنفوسِ ضمائِراً وَلَكَمْ أراهُ في العوالمِ صاعِداً ** حتى غدا في الكونِ مسْكاً عاطِراً

كذلك الشاعر الكبير السيد عبدالحميد الخطيب أحد رجال الحجاز الأعلام، معروف بالأدب وولع به وله عدة مؤلفات وتم تعيينه مدرسا بالمسجد الحرام ثم وزيرا مفوضا من قبل المملكة السعودية لدى دولة الباكستان الإسلامية في أربعينيات القرن الماضي.

يقول في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم:

نَبِيُّنا خَيْرُ منْ يَهْدِيْ إليْكَ بما ** آتَيْتَهُ مِنْ بليغِ القَوْلِ والحِكَمِ هُوَ البشيرُ بجَنَّاتٍ وَمَرْحَمَةٍ ** هُوَ النذيرُ بما أعْدَّتَ مِنْ نِعَمِ طابَتْ أرُومَتُهُ عَزَّتْ سُلالَتُهُ ** عَفَّتْ أمومَتُهُ عنْ سائِرِ الحُرَمِ سَمَتْ مَنَازِلُهُ سَادَتْ عَشِيرَتُهُ ** في كلِّ وقْتٍ هُمُو مِنْ سَادةِ الأمَمِ بَيْتُ الزعامَةِ والإحسانُ طَبْعُهُمُ ** والمَجْدُ والنُبْلُ منْ أجْلَىْ صِفاتِهِمِ رَبَّيْتَهُ أنتَ يا رَبَّاهُ مَنْ ضِغَرٍ ** على الفضائِلِ والإخْلاصِ والكَرَمِ فكان سَيِّدَ أهْلِيهِ وأرْحَمَهُمْ ** بالناسِ بَلْ هُوَ زَيْنُ الخلْقِ كُلِّهِمِ

كذلك الشاعرالصوفي السكندري المطبوع محمد زكي عبدالسلام الحلواني حيث يقول في مولد الرسول عليه الصلاة والسلام:

يا نفحةَ الرحمنِ في هذا الوَرىْ ** وأجَلَّ مَنْ فيهِ يَسُودُ نَشِيدُ مَا الشِّعرُ يَبْلُغُ بي مَداكَ وإنَّما ** هاجَ الحنينُ فَرَدَّدَتْهُ قَصِيدُ كالدُّرِ إلا أنَّهَا مَقْرُوءَةٌ ** والجوْهَرُ المكْنُونُ مِنْهُ عُقُودُ مِنِّي التحيةُ مَا تَبَلَّجَ مَوْلدٌ ** لِزَمَانِهِ التعْظِيْمُ والتمْجِيدُ

وله أيضا في ذكر مولد المختار صلوات الله تعالى عليه وتسليماته حيث يقول: في يَوْمِ مَوْلِدِكَ المُبارَكِ أخْصَبَتْ ** أرْضٌ وَسَالَتْ رَبْوَةٌ وَنُجُودُ لَوْ بَاتَ يَحْسِبُ في صفاتِكَ حاسِبٌ ** أعْيَتْهُ أعْدَادٌ وَعزَّ رَصِيدُ يمشيْ الزَمَانُ ومنْ شِرَاعِكَ مَنْهَجٌ ** ضَافٍ على هَامِ الزمانِ جَدِيدُ

ومن الشعراء المعاصرين الذين تغنوا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بشكل حُداثي يواكب ما تحياه الأمة الأسلامية من صراعات وانقسامات في الوقت الحاضر الشاعر الكبير فاروق شوشة والذي كتب من وحي زيارته للمدينة ومن أروع كتاباته وعيون شعره قصيدة بعنوان "مُحمَّدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلم" والتي يقول فيها:

للهوىْ أنْ يُحِيلَنِي كيفَ شاءَ ** وأنا عابرٌ إليْكَ الضياءَ صاعدا، والفضاءُ عندي مسافا ** تٌ سماءٌ تطوي إليكَ سماءَ وأديرُ البشرىْ التي تملأ الدنيا ** وأرويْ بها القلوبَ الظماءَ قاصداً ساحَكَ الطهور المرجّىْ ** ذائباً خشيَةً لهُ وحياءَ تلك مشكاتُكَ التي تتجلى ** تجتليهَا عُيونُنا لألاءَ سجدَ الضوءُ عندَ بابِكَ واهْتزَّتْ ** قلوبٌ تَلَهَّفَتْ إصْغَاءُ لهفةٌ تسبقُ الخطىْ وارتعاشٌ ** حينَ أدنو وألمَحُ الأضواءَ أيُّ نجْمٍ لهُ كمثلِكَ أفْقٌ ** حينَ أشرَقْتَ تُدْحَضُ الظلمَاءَ فيغطي شِعابَ مكةَ سَمْتٌ ** من شُعاعاتِكَ التي تتراءىْ وتميسُ الهضابُ نشوَىْ من البشْ ** رِ خِفَافَاً تُعانقُ البيْدَاءَ وتفيضُ الوديانُ منْ بعدِ جَدْبٍ ** سلْسَبِيلاً يَنْثَالُ طِيبَاً وماءَ وَتنادتْ أسماعُ مكةَ هيَّا ** إنهُ المصطفى من الخلقِ جاءَ للهوىْ موعدٌ فيا عينُ بُشرَا ** كِ ..، ويا شمسُ قبَّلِي البطْحَاءَ .... .... .... ... ...... .... ....

ما الذي غيَّرَ الزمانَ فصارتْ ** أمةُ الحقِ أمةً عسراءَ؟! أمةٌ .. غالها المرابونَ في الأرْ ** ضِ وَوَدُّوا ابتلاعها أشلاءَ بَعُدَتْ عَنْكَ حينَ ضاقتْ عقولاً ** واسْتشَاطَتْ قلوبُها أهْوَاءَ وكأنيْ بصوتِكَ اليومَ يعلوْ ** أيها الناسُ قد خلقتُمْ سواءَ يا نبيَ الأسلامِ إنَّا على عهْـــ ** دِكَ نسعى جنودَكَ الأوفياءَ نرفعُ اليومَ مِشْعَلاً منْ سجايَا ** كَ مُضيئاً وَعَزْمَةً وَمَضَاءَ ونصونُ الأرضَ التي كرَّمَتْهَا ** صَنْعَةُ اللهِ نَفحَةً و رُواءُ ونَرىْ ساحةَ النضالِ على الدرْ ** بِ طريقاً بالتضحياتِ مُضَاءَ

في فلسطينَ كلُّ حبَّةِ رمْلٍ ** كَبَّرَتْ عزَّةً وَصلَّتْ إباءَ إنْ نكنْ للسلامِ سِرْنَا فإنَّا ** قدْ حَمَلْنَا لواءَهُ أقوياءَ فالسلامُ العظيمُ لايعرفُ الذلَّ ** ولا نرْتضِيْ إليهِ انحناءَ!

كذلك من الشعراء المعاصرين الذين مدحوا النبي الكريم صلوات الله وتسليماته عليه الشاعر الكبير محجوب موسى - شيخ شعراء الأسكندرية ومعلم الأجيال - حيث تناول الموضوع برؤية جديدة وسياق جديد يتفق مع المعاصرة والواقع المعاش، فنجده يتحدث إلى محبوبه ويصفه وكأنه سر غامض دفين في سويداء قلبه، فلا يعرف أحد من هو ذلك الحبيب حتى نهاية القصيدة فنجده في البيت الأخير يبوح بحبه من وراء ستائر كثيفة، ومن غير ان يذكر اسمه صراحة ليعرف القارئ ان محبوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:

هُنا فوقَ هذا مُذْ تَرَنَّمْتُ باسمِهِ ** عليهِ سلامُ اللهِ مارَفَّ طائرُ يقول الشاعر في قصيدة له بعنوان "وفوق هذا": هُنا الصمتُ أنغامٌ، هُنا الليلُ دوحةٌ ** منَ النورِ ترجُوهَا الشموسُ الزواهرُ وشلالُ أشذاءٍ ..، ولا زهْرَةٌ هُنا ** فكيْفَ إذا جاءَتْ عليْنا الأزَاهرُ إذا سَارَ أعمَىْ، فاقدُ السمْعِ يَهْتَدِيْ ** وَيلْثُمُ سَمْعَيْهِ النشيدُ المُسامرُ وَكمْ منْ دَفينٍ لمْ يَعُدْ غَيْرَ هيْكَلٍ ** سَعَىْ وَهْوَ مَوْفورُ البشاشاتِ ناضرُ وكَمْ راحَت الذُئْبَانُ تَحْنو بلا نَدَمٍ ** وَعادت الحمْلانُ منها تُحاذَرُ وسَبَّحَ باسمِ اللهِ منْ كانَ مُلْحَدَاً ** وَأوْرَقَ بَخَّالٌ وأنْسَلَ عاقرُ وأثْمَرَت البغْضاءُ حُبَّاً قليلهُ ** يُغطي الدُنَىْ حتى تُحبُ الكوَاسِرُ وعَزَّ ذليلُ النفسِ حتى كأنما ** غذاهُ لبانَ العزِّ، والعُمرُ بَاكرُ وعَفَّ فسُوقٌ، والذي طالَ جُبْنُهُ ** غدَا فارسا تخشى لقاهُ العساكَرُ هُنا فوقَ هذا مُذْ تَرَنَّمْتُ باسمِهِ ** عليهِ سلامُ اللهِ ما رَفَّ طائرُ

كذلك من الشعراء المعاصرين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر الإسلامي الكبير أحمد محمود مبارك يقول في قصيدة له بعنوان: "شقَّ غيْمَ الدجىْ بمكة نورُ":

شقَّ غَيْمَ الدُجىْ بمكةِ نُورُ ** وسَرَىْ يُنْعَشُ الربوعَ عبيرُ

يا بنيْ هاشمٍ رُزقْتُمْ ببدْرٍ ** تسْتَقِيْ النورَ منْ ضِياهِ البدورُ

يَكْتَسِيْ سَمْتُهُ بآياتِ يُمْنٍ ** وعلى الحقِّ والهُدَىْ مَفْطُورُ ما هَفا قلبهُ لدعْوَةِ لهْوٍ ** وَهْوَ شابٌ ذو عُنْفوَانٍ يَمُورُ يعْبدُ اللهَ، يَقتَفِيْ الخيْرَ دَرْباً ** كلُّ شرٍ منْ خطْوِهِ مَهْجُورُ أشرَقَ الدينُ فانْطَوَتْ ظلماتُ ** وبنورِ الهُدَىْ أضيئَتْ صُدُورُ وَسَرَىْ يفتَحُ البلادَ أذانُ ** رَاحَ يَحْمِيْ مَنْ آمنُوا ويُجِيرُ كلُّ سيْفٍ سَلَلْتَهُ كانَ عدْلاً ** لسْتَ بالمُعْتَدِيْ، وَلسْتَ تَجُورُ رَحْمَةٌ منكَ ظلَّلَتْ كلَّ طاغٍ ** وَهْوَ في ساحةِ الوَغىْ مقْهُورُ إنها سيرةٌ مُضَمَّخَةٌ بالــــــْــــ** ــــــــفَخْرِ تزْهُو بها، وَتزْكو السطورُ

وأخيرا وليس بآخر الشاعر د. محمد شحاتة أستاذ الشريعة الأسلامية بجامعة الإسكندرية والذي يقول في مدحه للحبيب "محمد" في قصيدة له بعنوان العلم والإيمان:

طَهَ الحبيبُ المُصطفىْ أمْسَىْ علىْ ** أرضٍ غَدَا مِسْكَاً وطِيباً رِيْحُهَا مِنْ مَوْلِدٍ للمُصْطَفىْ منْ سِرِّهَا ** باتَ الضِيَا في آيةٍ في باحِهَا خَيْرٌ وَمِدْرَارٌ جرَىْ منْ رَاحِهَا ** تَرْوِيْ حَيارىْ الخلقِ تهْدِيْ سَبْحَهَا منْ مكةَ النورُ ارْتَقَىْ القصْواءَ يَـبْـــــــــــــــ** ــــــــــــــــــنِــيْ دولةً للعَدْلِ يُعْلِيْ قوْلَهَا والصدْقُ والإيمانُ صاغوا أمَّةً ** بنْتَ الهُدَىْ تَهْدِيْ الوَرَىْ منْ سَهْلِهَا هذيْ لُبَيْنَاتُ الحبيبِ المصطفىْ ** بَثَّ التُّقىْ روحاً ودِيناً شدَّهَا

وبعد .. فتلك كانت سياحة على ضفاف المديح النبوي، ذلك المعين الذي لا ينضب أبدا إلى قيام الساعة، جعلنا الله من مادحي الحضرة المحمدية، وجازى عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ما جازى نبي عن أمته، ورسول عن رسالته.

متعلقات