خلفية زمانية مفتوحة
'متاهة الهامش الأخير' .. صراع لا ينتهي بين المتن والهامش
الأحد 17 ديسمبر 2017 الساعة 03:46
الأحرار نت / بقلم: السيد العربي:
صدرت رواية "متاهة الهامش الأخير" للكاتب المصري ناصر خليل عن دار يسطرون للنشر والتوزيع منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وتحكي الرواية عن الصراع الذي لا ينتهي بين المتن والهامش، المسيطرون علي المتن وهم قلة ورغبتهم المحمومة في الاستحواذ علي المزيد من رقعة المتن والاستفادة من كل معطياته بأنانية مقيتة يدفعون الكثير إلي الهامش الضيق فتبتلعهم متاهاته ويتيهون في مسالكها اللانهائية والتي إن أفضت تفضي إلي لا شيء.

ماذا عن حياة هؤلاء في متاهاتهم الهامشية عذاباتهم، آلامهم، آمالهم وأحلامهم وهل من سبيل لعودتهم إلى متن الحياة أم أنها النهاية في متاهة الهامش الأخير؟

يجسد تلك المعاني بطلا الرواية؛ البطل الأول بركة ماء منسية والبطل الثاني "حساني" إنسان بسيط معدم.

البطل الرئيسي والذي يمسك بزمام خط القص الأول، يتحكم في تطور واطراد السرد هي "بركة ماء أسن"، "النزة" من بدء الرواية حتى نهايتها فهي الرواي. البركة التي لفظتها الحياة وانقطعت الشرايين التي كانت تمدها بالماء في الماضي - حيث كانت ترعة تصحو وتنام في أحضان حقول غناء - وصارت الآن بركة وسط خراب ويباب ولا تعرف لها مصيراً في المستقبل رغم وضوح النهايات المحتومة في متاهة هامشها الأخير.

يقتحم محيطها هامشي آخر بطل رئيسي في الرواية "حساني" الفلاح الفقير المعدم المطرود هو وعائلته بظلم بشع من أهل القرية قرية "سعداوي" يلتقي الاثنان وتتطور العوامل الدرامية لتحكي مأساتهما في هذه الحياة وخطوط التماس النفسية مع بعضهما، يعيش حساني في هامشه مع عائلته في ظروف عدمية لا تمكنه من حد الكفاف وتبدأ صرا عات الحياة ويفقد حساني كل شيء حتى أنه فقد أحد أبنائه بالموت في ظروف مأساوية في ثنايا السرد إلي أن تحدث واقعة عبثية قدرية وصول عربة "كارته" تحمل أحد الأعيان وابنته المريضة جداً عن طريق الخطأ إلى محيط النزة القاحل ويقابلان حساني الذي يتكلم دون وعي متأثراً بفقد ابنه وبضيق طريق الخروج ويزل لسان حساني بكلمات تشعل النار في جسد الأب.

في غياب الجميع يعود الأب وينفذ كلمات حساني ويغمس ابنته في النزة طلباً للشفاء الذي عجز عنه الجميع حتى "قرون" شيخ قرية سعداوي الضلالي.

يختفي حساني في ظروف غامضة. ويعود الأب ومعه ابنته وقد برئت تماماً ويبدأ في نشر أخبار شفائها في كل القرى.

تتبدل الحال في محيط النزة وتبدأ الشخوص من قرية سعداوي بالتوافد علي محيط النزة وفي هذه اللحظة نراهم عن قرب ونكشف خفاياهم النفسية وتسجل لنا النزة اعترافاتهم وما اقترفوه في حق حساني في دراما عبثية ومليئة بروح السخرية الهادئة والتي تنتجها الواقف المتضادة والمتناقضة.

لا يقتصر الأمر علي هذا بل يأتي العلماء لدراسة تأثير الماء ويأتي رجال السياسية ورجال الدين ويبدأ صراع خفي بين الخرافة والعلم.

مازال حساني مختفياً. تبدلت حال عائلته من الفقر إلى الغني بكلمة سر عبثية "حساني الولي" فالكل يتقرب بالمال والأرض والسكن لأبناء الشيخ حساني حتى إذا عاد قضي له حاجته.

طال الغياب وتمر السنون ولا يعود حساني والكل في انتظاره.

يتغير الحال حول النزة التي تصير قرية كبيرة عامرة بالدور والمتاجر و...و..... وتحمل اسم "قرية الشيخ حساني". لا يستطيع حساني الفكاك من متاهة هامشه الأخير، لا يعود حتى نهاية الرواية لكنه يعيد آخرين إلى متن الحياة في عبثية ومفارقة لاذعة انعكست علي السرد وسيره داخل النص.

يترك لعائلته حياة رغدة، تعود الحياة للنزة وتصير ترعة كبيرة كما كانت، يمنح سعداوي طفله الذي انتظره طويلا، يمنح المساكين والفقراء الأمل في الخروج من الهامش الضيق إلي رحابة المتن الواسعة.

تتحرك الشخوص في فضاء روائي مكاني "أي قرية في صعيد مصر" ومسرح الأحداث المكان الذي تدور فيه معظم الأحداث بركة الماء ومحيطها. كما تتحرك الشخوص في فضاء روائي مكاني "أي قرية في صعيد مصر" تتزامن مع فضاء زمني والذي هنا هو أجواء الستينيات من هذا القرن. لكن هذا لا يمنع أن الشخصيات لها خلفية زمانية مفتوحة ويمكن أن تجدها في أي وقت وزمن ونفس الأمر ينسحب علي الأحداث غير متقيدة بالزمن العقاربي.

متعلقات