من يبحث في الأنثى عن جسد فلن تكفيه كل النساء
الهروب من جنة آدم تصور معاناة المغتربين في الخارج
الجمعة 2 فبراير 2018 الساعة 23:23
الأحرار نت / متابعات:
"الهروب من جنة آدم" مجموعة قصصية للكاتبة عبير السيد، وهي مصرية تعيش في فلورنسا بإيطاليا، والمجموهة صادرة عن دار ملتقى المعرفة للنشر والتوزيع بالقاهرة.

تحمل القصة الأولى عنوان المجموعة "الهروب من جنة آدم" وتدور أحداثها حول امرأة إيطالية رقيقة وحالمة يطلب منها زوجها العودة من العمل إلى المنزل فورا، فتلبي دعوته وتعود بالورود الصفراء، وبالطعام الذي يحبه، فتجده ينتظرها قرب الباب ويحمل شنطته ويخبرها أنها قرر الإنفصال عنها؛ لأنه يحب امرأة أخرى، أذهلتها الصدمة ونُقلت بعدها إلى المستشفى للعلاج، ولكنها بعد فترة عادت لنفسها ولجأت إلى التعليم فحصلت على الماجستير، وغيرت حياتها ودينها إلى الإسلام. تحمل القصة عدة قيم منها:

• عادة الشعوب:

طرحت الكاتبة بعض العادات المهمة لدى الشعوب، ومنها عادة رش الأرز الأبيض على العروسين، وبرز ذلك أثناء السرد، عندما كانت حواء تفحص النساء بالمركز الإسلامي في إيطاليا أثناء الزواج، ومن عادة الإيطاليين أيضًا في مثل هذه المناسبات نثر الورود على الحضور، ويقابل هذه العادة في مصر رش الملح على العروسين، والحضور؛ خوفا من الحسد، أو رش الحلوى على المعازيم لإشاعة جو من البهجة.

هذه العادات تعكس مدى ابتهاج بني الإنسان في كل زمان ومكان بفكرة الزواج بوصفه بوابة الحياة، فالمرأة هي الأرض الخصبة، والمزرعة التي تنتج الحياة، فعندما تنجب الأطفال تقدم للبشرية أجيالا جديدة، ومن ثَمَّ الاستمرار، وهذا يبرر هالة السعادة المقترنة بكل حالات الزواج فوق الأرض، بيد أن هذا الاحتفال بالحياة ما يلبث أن يتبدد بالحروب، فيقوم تجار الموت بسفك الدماء ليحولوا البهجة التي صاحبت الزواج ومن بعده الميلاد إلى ألم وعويل وحزن جرّاء فناء البشر في الصراعات الواهية.

• دلالة الورود الصفراء:

تمثل عودة حواء في فناء القصة بالوروة الصفراء لزوجها كل معاني الرقة، والصفاء، فهذه الوردة تحمل معاني الحب الحقيقي، وأيضًا تحمل معاني الغيرة وقد حدث ذلك عندما مرضت المطعونة في قلبها، فالغيرة مقترنة بالحزن الذي يغطي الوجه بمسحة من الإصفرار، وهذا اللون أيضًا يعبر عن الموت والفناء، فأوراق الشجر قبل موتها تتحول من اللون الأخضر إلى الأصفر، ثم تسقط من فوق الغصون، وكذلك البشر يذبلون لحظة الإحتضار عندما تصفر الوجوه، وكل هذه المعاني برزت في القصة عندما شعرت حواء بالغيرة، ثم المرض، ثم موت حبها الأخضر.

• الحب والغريزة:

تتجلى لحظة التنوير في القصة عندما تطرح الكاتبة على لسان حواء هذه الحكمة عندما تقول: "من يبحث في الأنثي عن جسد فلن تكفيه كل النساء" تلك الجملة لخصت مشكلة العلاقة بين الرجل والمرأة بجلاء، واوضحت الفرق بين الحب والغريزة، وتحمل في طياتها تحذيرا لكل الباحثين عن الشهوة فقط في عالم الأنوثة، لأنهم ينسون قيمة العلاقة بين الرجل والمرأة، والمتمثلة في تدفق الحياة، واستمرارية النوع البشري، ويهملون قيمة الأمومة النبيلة، والأبوة الرشيدة، والأخوة الدافئة، فكل تلك الثمار الحميدة هي نتاج العلاقة بين حواء وآدم، وهذه الثمار تمنح الإنسان أغلى الأشياء في الوجود، فيلمس الحنان، ويعرف الدفء الأسري، تنمو مشاعر الإيثار، وينتقل عبق الحياة من جيل إلى آخر.

أما الغريزة فهى وسيلة لكل ذلك، ومن الجنون أن يجري الإنسان وراء الوسيلة مضحيًا بالهدف؛ لأن خطورة الإسراف في الرغبة يؤدي إلى تنامي ظاهرة الجوع العاطفي، وتدهور المجتمعات، وأكبر غُبن للمرأة هو اختصار دورها كوعاء للرغبة، وهذا المعنى هو ما طرحته الكاتبة، كرسالة تحذير للبشرية لوقف هذا العبث عند التعامل مع حواء.

• تراتيل السلام:

هي القصة الثانية من قصص المجموعة، ومقسمة على ستة أجزاء، وتناقش العلاقة بين الرجل والمرأة، والمرأة والإسلام، وتطرح مدى تلاقي الحضارات في المركز الإسلامي بفلورنسا في إيطاليا حيث تدخل المسيحيّات تستمع للقرآن للتعرف على دين المسلمين، وهذا الإنفتاح على الآخر يعزز ثقافة التسامح بين البشر، ويدعم فكرة حوار الحضارات على المستوى الشعبي، ويؤكد أن الشعوب بفطرتها تميل نحو الحوار وترفض التطرف، وكل أشكال الصدام، والعنف.

• آلام الغربة والأمل:

تشير تراتيل السلام 2 إلى معاناة المغتربين في الخارج، وقسوة الحياة، حيث تعرضت بطلت القصة المصرية للطرد من السكن لعدم قدرتها على دفع الإيجار، وخرجت في الشارع تصارع البرد والأمطار الثلجيّة، فهذا المناخ القاسي قد ذكرها برياح الخماسين المتربة في مصر، مع الفارق أن رياح الوطن قادمة من الصحراء القاحلة، أما رياح إيطاليا الباردة قادمة من فوق ققم الجليد.

ورغم مكابدت العوز، وآلام الحاجة كانت بطلة القصة مبتسمة، وتحمل بين قلبها أجنحة الأمل، فلم تعرف اليأس رغم قسوة الظروف، فإذا كان السفر تغرَّبْ عن الأوطان، ففي الأسفار سبع فوائد: َتفَرُّج همٍّ، واكتساب مــعيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد، واستجابة الدعوة، وزيارة الأحباب من أقارب وأرحام وأصحاب. كل هذه الفوائد سوف تبعث الأمل لمقاومة آلام العوز في بواكير الغربة، حتى يتحقق الاستقرار بالعمل والنجاح.

• سوق الكانتو وأهمية التراث:

تعرض تراتيل السلام 3 أهمية المحافظة على التراث والآثار الوطنية، وبرز ذلك عندما قفز كلب الجدة وكسر تمثال دانتي رمز الثقافة الإيطالية، فهو أهم شاعر إيطالي من فلورنسا، وأعظم أعماله "الكوميديا الإلهية"، وحبًا في التراث هرعت الجدة إلى إصلاح التمثال وترميمه في سوق الكانتو، والغريب أن هوس الشمال في المحافظة على تراثه يعكس إزدواجية في المعايير، ففي نفس الوقت التي تسعى الجدة لإصلاح تمثال مقلد يقود جورج بوش ابن الغرب لتدمير وسرقة آثار العراق منذ احتلالها عام 2003.

ولكن كيف نلوم الغرب وبعض تجار التاريخ من شعوبنا هم من يقومون بسرقة وبيع الثراث الحضاري، فإذا كان من بيينا كعرب من يطرح ماضي أمته ووطنه للبيع كيف لنا أن نلوم الآخر؟ ربما كل اللصوص كبعضهم البعض لا فرق بين أجنبي ومحلي، ولكن حماية التراث ستبقى مسؤلية كل الشرفاء في هذا العالم.

• التناقض في الغرب:

وتأتي صورة الرفق بالحيون وعدم معاقبة الكلب الذي كسر التمثال في القصة صورة جيدة، فالشعوب الغربية تمتلك من الرقي الكثير، ولكن بعض الحكومات هناك على طرفي النقيض؟ فقد خاضوا أبشع الحروب، ففي الحربين العالميتين الأولى والثانية سفكوا أنهارًا من الدماء، فمن يقتل عشرات الملايين من بني الإنسان هل يكون صادقًا في مشاعره مع الحيوان؟

وهل تقع مسؤلية قتل البشر على اليمين المتطرف فقط؟ لأنه يشعل الحروب على عكس رغبة الشعوب المسالمة، كل تلك التساؤلات ضرورية، ومهمة كخلفية ثقافية فجرتها القصة بشكل غير مباشر، وله فائدة في السعي نحو تعزيز ثقافة السلام بالتعاون مع الأخيار من داخل الشعوب، بهدف تكوين تكتل جماهيري ضد دعاة الدمار، فالظهير الشعبي الذي يحترم حق الحيوان في الحياة هو بالتأكيد يحترم روح الإنسان ويرفض الظلم والعدوان، ولذا يجب تشكل جبهات شعبية عبر العالم من أجل السلام.

• فطرة التعاون بين البشر:

تطرح قصة ترانيل السلام فطرة التعاون بين البشر، فعندما تزوج المصري من الإيطالية ماريا، أو مريم كما أطلق عليها المصريون عندما حضرت الى الشرق مع زوجها المصري، وأندمجت مع الفلاحات بالقرية، وشاركتهم في صناعة حلوى رمضان، ونقش كعك العيد، كل هذا يؤكد أن فطرة البشر هي التعايش مع الآخر، ولذا علينا أن نعمل مع الأفراد العاديين لتعزيز فكرة التعاون العالمي، بعيدًا عن أوهام القهر والسيطرة لدى بعض الساسة الذين يهددون الاستقرار بالحروب. • استغلال الأنثى:

طرحت قصة تراتيل السلام ضياع فكرة السلام بين الرجل المستغل والمرأة المقهورة، وقد تكرر ذلك عندما خدع الذكر المهاجر للدراسة في الغرب أنثاه الأيطالية بكلام معسول وحصل على ثمرة جهدها من مال، وبعدما أتم دراسته عاد إلى بلاده، وترك طفلته بلا أب، ودون اكتراث بالمشاعر الإنسانية، وأحاسيس الأبوه، وهذه المشكلة متكررة وخاصة من المهاجرين للعمل في أوروبا، وتُعد عدوانا على مشاعر المرأة، وانتهاكًا لحق الطفولة البريئة.

• القواسم المشتركة:

وتكرر نفس الأمر مع فتاتنا ياسمين ابنة الأم إيطالية والأب المصري، فقد طلقها الزوج، وذاقت لوعة الفراق كأمها في مسلسل التعامل مع حواء كجسد. كانت ياسمين تحمل خصائص الشمال والجنوب، أو طباع شعوب البحر الأبيض المتوسط، هي ابنة مريم، التي كانت تحب التمر، وعموما اسم مريم، والتمر، من بعض الطباع المشتركة بين المسلمين، والمسسحيين، فالطرفان يقدسان العذراء، ويجب تعزيز ثقافة التقارب، والإندماج، وهذا ما تدعو إليه الكاتبة في تراتيل السلام، لقد كانت ثمرة الزواج غير المستقر هي روح ياسمين التي تحمل دماء الغرب والشرق في عروق واحدة، وهنا تأتي ذروة العمل الأدبي الذي يعزز ويؤسس للمحبة بين الجميع، لأن السلام العالمي ينطلق من فكرة عدم استغلال آدم لحواء، ترى هل يتحقق هذا الحلم، وتنعم البشرية والنساء والدول بالأمن والآمان، ليت الكل يستجيب لدعوة الكاتبة عبير السيد.

صلاح شعير

كاتب من مصر

متعلقات