"ناديتكَ من مخاض الروح، وهززت إلي جذع الذاكرة"
حيث خاطت شاعرتنا المغتربة "شرارة" ثوبها الغزلي "بصمة روح" بمغزلها الفني العضوي المتداخل عبر لغتها الشعرية، وظل الشوق والوجد في قصائدها قلما يفترقان، ولهذا تجد أنهما يمتزجان امتزاجا ًنادراً في أغلبية تلك القصائد بصورة سريعة وبسيطة، وهكذا تمر أيامها الاغترابية وهي لاهية برسم أفكارها التي أشعلت عندها هذا التواصل الروحي والمعرفي لأن الشعر لديها هو ما فيه من جمال الجرس وكذلك من جمال الأخيلة والصور.
"مولدي عدٌ عكسي لموت ٍمؤجل، ومولدُ حبنا عدٌ متواصل ٌللحياة".
ليس هذا فقط فقصائدها كما تعلمتها من الذين سبقوها أنها مشروعٌ منفتح على اللا نهاية التي وضعت لها أسسا ًخاصة في عالمها الشعري، والتي أرادتها كمشروع شعري صوري فيه من التمني والحلم الكثير، لذلك تدخل لغتها عالماً رومانسيا ًتعيش فيه الشاعرة، وصورتها التي ظلت تشتغل عليها في شكل أدبي وتقني موحد.
"للروح بلقاء الروح ربيع مسافر، والجسد عابر له ُبقايا صور، على شتاء الجدران، وخريف المقابر".
إن العلاقة بين العناصر الإيقاعية في القصيدة والمعوقات الفنية الأخرى فيها هي علاقة ضدية في أغلب الأحوال، إذا طغت الأولى انحسرت الثانية والعكس بالعكس.
"ثم يطعنُ صدرَ الضجر، ويرسل كواكب حواسًي لتتوه".
ولأننا امام استجابة للحياة الجديدة التي نعيشها، دخلنا في مرحلة الإبتعاد التدريجي عن الإيقاع ووصلنا إلى مرحلة جديدة في كتابة القصيدة، وكلنا يعلم بدأ التغيير في إيقاع القصيدة بطيئاً أول الأمر وسريعا بعد الحرب العالمية الثانية.
ونحن كمتذوقي للشعر نطالبها بالمزيد من الاشتغال على عناصر اللغة وتفعيل مفرداتها على النحو الذي من شأنه تعزيز الطاقة التعبيرية لها لفتح الباب أمام عنصر التأويل، وهناك قصائد لو اشتغلت عليها أكثر لحققت فيها مهارة وصنعة شعرية أبلغ ، باعتبار الغزل العذري في اللغة كما يقال هو من غزلَ يغزل تغزل أي التغني بالجمال وإظهار الشوق إليه.
"وعصفور على شرفتي، فالكل ٌيعلم ُأنك آخر من يعلم أنه ...الأول".
وهذا الديوان "بصمة روح" الصادر عن دار "إياس" للطباعة والنشر والتوزيع "طرطوس – سوريا" وهو من القطع المتوسط ويقع في 141 صفحة، يدخلنا في عالم الوجدانيات والألم والحسرة، والحزن الكثير، والشكوى، وتبدو هذه المرارات الصعبة التي لازمتها كي ترسم واقعها أو تجربتها الخاصة عبر قصيدتها الشعرية التي خاطتها عبر مراحلها الحياتية والتي شكلت لها بصمة روحها المحترقة:
"ولي قلب عقلته، بانتظار أولى السفن، حاسراً، تحمص، تحت شمس المدن".
وهي تنسج لنا قوافيها التي رسمتها بعذوبة في بعض قصائد هذا الديوان الذي يسهل على القراء فهمه لسهولة المفردة اللغوية فيه فضلا عن استخدامها لعنصر التكثيف في الكثير من القصائد التي عبرت خلالها عن همومنا وأوجاعنا الناجمة عن السياسة المتخبطة في عالمنا العربي، وما يحدث من ألم في هذا العصر:
"ونعمر سياجا بلا قضبان، حول دارٍ، يعيش ساعة وهم فقط، وتناديهِ (بيت بيوت) ولا نبالي".
فجاءت قصائدها تثير فينا دهشة الحب السرمدي، عبر لغة شفافة، وهي تلون قوافيها بريشة فنان متمرس، وهي تنقل عواطفنا ورؤيتنا وهواجسنا بعفوية بسيطة، وهي كمشتغلة في مجال علم النفس الحديث الذي يحتاجه بنو البشر لفك طلاسم النفس البشرية.
يقول عنها الناقد والكاتب اللبناني أديب بري: "جعلت هالا مداخل ومخارج غير عادية كما نرى في (بصمة روح) والذي يطرح أمامنا سؤالاً حول مدى بقاء البصمة في الذاكرة، إذا أن البصمة تضمحل تحت شتاء الزمن".
"اقطفني من صباحك زهرة، ادفني في عمرك دهرا، غرًمني ثمن الشوق رقاً، ثم أعتقني لوجه الحب ... مرة".
وتدخلنا في مشاعرها التي لا تنبض غير الحنين والذكريات القديمة، وهي غير قادرة عن الإنفصال عنها، وهي تلهب ذاتها عبر استذكارها لمحطات مرت عليها في رحلة شكلت هاجسها الأول والأخير، وكأنها تتنازع مع هذا الماضي "الذكريات" وهو الجزء الأكبر من مشاهداتها لحياتها الخاصة والعامة المتصلة بقوة روحها المتنقلة بين آنين السنين:
"لا تعتب على حروفي فقد وُلدت من رحم ثورة قلم، وحبر ألم، وأسطر من زفرات ندم":
بقى أن نذكر أن الشاعرة شرارة قد أحتُفي َمؤخرا بمناسبة صدور ديوانها الاول حيث أقيمت لها عدة أمسيات في ديربورن وبحضور جمهور من المعنيين بالثقافة.