وطالما جسدت السينما المصرية منذ خمسينيات القرن المنصرم طموحات النساء بالعمل في مجالات تقتصر (بحكم العادات والتقاليد) على الرجال لكنها لم تصل في تناولها الفني لتلك المهن التي خاضت النساء غمارها في مصر مؤخرًا.
تحطيمًا لأسطورة "للذكور فقط" اقتحمت النساء بصورة لافتة مؤخرًا مهنًا مثل الجزارة (القصابة)، والنجارة، والسباكة وميكانيكا السيارات، رغم أن معظمها يحتاج مزيدًا من القوة العضلية.
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للمرأة، في يوم 8 مارس/آذار من كل عام، غير أن البلاد تحتفل يوم 16 مارس/آذار سنويا بـ"يوم المرأة المصرية"، يلحقها احتفالات شهيرة بعيد الأمومة في 21 مارس/آذار من كل عام.
وتزامنًا مع تلك الاحتفالات النسوية خلال الشهر الجاري، تحدثت الأناضول مع 3 مصريات اقتحمن مهنًا غير تقليدية أو معتادة في البلاد.
الطريق إلى صناعة الأخشاب
"الطريق إلى الأخشاب مفروش بالأنتيكات" من خلال هذا الممر عبرت فاطمة الشريف (26 عامًا) من دراسة نظم وتطبيقات المعلومات إلى العمل بصناعة الأخشاب.
وقالت الشريف إن عملها بالنجارة بدأ من خلال شراء الأخشاب القديمة لصناعة "أنتيكات"، لتزيين غرفة نوم ابنتها الصغيرة ذات العامين.
وأضافت: "عندما نجحت في صناعة أنتيكات مميزة لتزيين غرف نوم ابنتي ليلى، طرأ بخاطري التركيز على صناعة منتجات خشبية، وبيعها من خلال الإنترنت".
وتابعت
"توسعت في صناعة المنتجات الخشبية، التي لاقت رواجًا في البيع على الإنترنت، ما دفعني لشراء ألواح من الخشب المستعمل والجديد وآلات أكثر، حتى طُلب مني صناعة أول غرفة نوم كاملة".
ووالد زوج فاطمة لديه ورشة لصناعة الأخشاب في منطقة شعبية وسط القاهرة، ويعمل في هذا المجال منذ أكثر من 40 عامًا، حسب قولها.
وزادت "كانت أول غرفة نوم كاملة تُطلب مني، هي الدافع وراء ترك عملي بمجال المبيعات في شركة خاصة للعمل بالنجارة في ورشة والد زوجي".
ومضت قائلة: "دخلت الورشة ولم أخرج منها إلى أي عمل آخر منذ قرابة عام ونصف العام".
وأشارت الشريف إلى أن نجاح عملها في مجال صناعة الأخشاب دفع زوجها أيضًا إلى ترك عمله في مجال السياحة ومشاركتها في العمل بالنجارة.
وتحدد الشريف أبرز المعوقات التي تواجهها في عملها الجديد، قائلة "لا تزال نظرة العاملين في هذه المهنة ترفض وتستهجن اقتحام النساء لها ، أحيانًا اسمع كلمات لا تليق فقط لكوني امرأة".
تسلق مواسير الصرف
في الأربعينيات من عمرها، تحزمت سهام مغازي بحبال غليظة على خصرها لتتسلق مواسير المياه والصرف الصحي على الجدران الخارجية للبنايات بغرض إصلاح عيوبها.
مهنة لم تخطر يومًا على بال السيدة الأربعينية التي انفصلت عن زوجها، وتحملت عبء تربية 3 أبناء وحدها من دون مهنة أو رأسمال، حتى تعلمت السباكة في مركز غير حكومي بإحدى المناطق الشعبية منذ 17 عامًا.
قالت سهام (63 عامًا) "حتى الآن أعمل في السباكة التي عشقتها بعد أن استطعت من خلالها تربية وتعليم أبنائي الثلاثة وتزويج اثنين منهما".
وأضافت: "فوجئت بعد طلاقي من زوجي أن معي 3 أبناء صغار دون أموال أو مُعيل... اضطررت لهذه المهنة ثم عشقتها واستمررت في العمل بها 17 عامًا".
وتابعت: "اكتسبت في البداية تعاطف السيدات، وربات المنازل للحصول على عمل بالسباكة، ثم اكتسبت ثقة أزواجهن فيما بعد".
ومضت قائلة: "بعد 3 سنوات من العمل في السباكة أصبحت أسطى (لقب يُمنح لأصحاب الخبرة في المهن والحرف اليدوية)".
وأردفت: "كبر سني منع عني تلاسن المتطفلين، كما أن ظروفي القاسية جلبت لي الكثير من التعاطف، وإجادتي للسباكة فيما بعد شجعت أصحاب محال الأدوات الصحية على توفير فرص عمل لي".
واختتمت بالقول: "أولادي الثلاثة أكملوا تعليمهم، واثنتان منهما تزوجتا، وابني الوحيد أنهي تعليمه المتوسط ويعمل الآن في مصنع للملابس الجاهزة بالقاهرة، وأصبح لدي أحفاد ولا زلت أعمل بمهنة السباكة".
لقمة العيش على نصل السكين
تعتبر نفسها "إمبراطورة لحوم الجمال" في منطقة البساتين (جنوبي القاهرة) قضت نحو 40 عامًا من عمرها في مهنة الجزارة (القصابة) ورثتها عن أسلافها وأورثتها لأبنائها.
هويدا حسني (54 عامًا) التي تعمل في مهنة الجزارة منذ أن كان عمرها 10 سنوات اعترفت في حديث للأناضول "المهنة شاقة وقضت على أنوثتي في شبابي".
وقالت هويدا: "كنت الزوجة السابعة لرجل مسن ومريض، أنجبت منه 4 أبناء بنتين وولدين ولدى الآن 11 حفيدًا، جميعهم عاشوا في رخاء من مهنة الجزارة".
وأضافت: "لا أريد لبناتي العمل في مهنة الجزارة، فقد أخذت من عمري وصحتي وشبابي الكثير، وخاصة أن مجال عملي في لحوم الجمال وليس العجول، وهو مجال صعب في مهنة الجزارة".
واختتمت بالقول:"أعاني الآن متاعب صحية في إحدى قدمي بسبب الوقوف ساعات طويلة، لكني في المقابل ألقب بإمبراطورة لحوم الجمال في منطقة البساتين".